السبت 2022/11/05

آخر تحديث: 06:06 (بيروت)

تكاثر إبتزازات الكرملين

السبت 2022/11/05
تكاثر إبتزازات الكرملين
increase حجم الخط decrease

في غضون ثلاثة أيام اتخذ بوتين القرار ونقيضه. في 29 المنصرم قرر "وقف مشاركة" روسيا في تنفيذ إتفاقيات تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، وعاد عن قراره صبيحة 2 الجاري. لكن في اليوم عينه عاد الرئيس الروسي السابق دمتري ميدفيديف ونائب سكرتير مجلس الأمن القومي ليلوح مجدداً باسنخدام السلاح النووي "في حال بقيت أوكرانيا مصرة على سعيها لاستعادة جميع الأراضي التي تحتلها روسيا"، حسب Le Point الفرنسية في 3 الجاري. 

على خلفية الإنتكاسات على جبهة الحرب على أوكرانيا، يتنقل بوتين في الفترة الأخيرة بين إبتزاز العالم في غذائه وإبتزازه في فنائه. لكن أحداً لم يعد يأخذ إبتزازاته على محمل الجد، فالجميع يدرك أنها إبتزازات عجز بعدما إصطدم هذه المرة بإصرار الرئيس التركي على الإستمرار في تنفيذ إتفاقيات إسطنبول بشأن تصدير الحبوب، وبقيت بواخر الحبوب تبحر بشحناتها من الموانئ الأوكرانية كأن شيئاً لم يكن. 

في 31 المنصرم نشرت صحيفة Kommersant الروسية نصاً بعنوان "إبتزاز من الضعف. روسيا و"صفقة الحبوب"". نقلت الصحيفة في نصها مقتطفات من صحف ألمانية تحمل آراء خبراء ألمان بشأن قرار بوتين التوقف عن تنفيذ الصفقة (تتحفظ صحف أوكرانية على إستخدام تعبير"خروج روسيا من الصفقة")، وقدمت له بطرح عدد من الأسئلة عن دوافع قرار بوتين للخروج من "صفقة الحبوب"، وما إن كان القرار عفوياً أو أعد له بوتين طويلاً، وما إن كان الأمل قد فُقد بقرب نهاية الحرب. 

يقول مراسل إحدى كبريات الصحف الألمانية في موسكو بأن خروج روسيا من إتفاقية الحبوب، هي ضربة موجهة لأوكرانيا. وإذ يذكّر المراسل بأن بوتين إنتقد الإتفاقية غير مرة في الفترة الأخيرة، والتي بفضلها صدرت أوكرانيا 9,2 مليون طن من الحبوب، يفترض أن بوتين، بتهديداته المتكررة الخروج من الصفقة، يحاول جعل الغرب يستمر في دعم تصدير المنتجات الزراعية الروسية التي لا تطاولها العقوبات الغربية. كما يذكّر المراسل بأن من يستفيد من صادرات المنتجات الزراعية، ليست الدولة الروسية فقط، بل والمقربون من بوتين مثل وزير الزراعة السابق ألكسندر تكاتشيف وصهر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. ويشير إلى أن حملة الكرملين ضد "صفقة الحبوب" تتزامن مع فترة غياب نجاحات القوات الروسية في أوكرانيا، وروسيا، أكثر من أي وقت مضى، تريد إلحاق الضرر بأوكرانيا التي تمثل مداخيل صادرات الحبوب أهمية كبيرة لها. 

وتنقل الصحيفة عن كاتب في صحيفة ألمانية أخرى قوله بأن إختيار بوتين لحجة قصف المسيّرات الأوكرانية الأسطول الروسي في خليج مدينة سيفاستوبول، يشير إلى أن الرئيس الروسي عازم على الإستمرار في إستخدام سلاحه الأمضى المتمثل في تهديد كييف. وفي محاولة من الكاتب الألماني تحليل منطق بوتين، حسب الصحيفة الروسية، يرى أنه يعقد آمالاً عبثية على المفاوضات بشأن نهاية الحرب، حيث أن إتفاقية الحبوب اعتبرت في حينه "منصة" ليدء هذه المفاوضات بوساطة من تركيا والأمم المتحدة. ومشاركة العسكريين البريطانيين المباشرة في الهجوم الأوكراني على السفن الروسية التي يقول بها بوتين، تعني الحرب بين روسيا وحلف الناتو، والتي من المستبعد أن يرغب بها بوتين، حسب الكاتب الألماني.

وبعد تراجع الكرملين عن قراره الأول والعودة إلى إتفاقية الصفقة، نشرت الصحيفة عينها في 2 الجاري نصاً بعنوان ""صفقة الحبوب". ألم يلاحظوا نهج روسيا؟". وقالت في نصها بأن "إتفاقية الحبوب" يمكن أن تعمل من دون المشاركة الروسية عملياً، إذا توفرت لذلك إرادة الرئيس التركي، وتنفيذ هذا السيناريو بدأ فعلياً. ونقلت عن وزير الدفاع التركي قوله بأن أنقرة ستواصل تنفيذ مبادرة البحر الأسود بشأن الحبوب، كما كانت تفعل قبل إعلان روسيا عن وقف مشاركتها فيها. وأشار إلى أن الوضع يوم الإثنين في 31 المنصرم كان طبيعياً، وخرجت السفن من الموانئ الأوكرانية، وهي تبحر إلى وجهاتها المحددة.

وأشارت الصحيفة إلى أن وفود كل من تركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة إلى إجتماع "مركز التنسيق المشترك" إتفقت على عدم التخطيط لأي حركة للسفن في إطار مبادرة البحر الأسود يوم الأربعاء في 2 الجاري، على أن تعود هذه الحركة طبيعية بعد ذلك.   

موقع أداة بروباغندا الكرملين المعروف RT نقل في 30 الشهر المنصرم عن الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها بأن صفقة الحبوب عطلها زيلينسكي و"إرهابيوه" الذين يقودهم خبراء بريطانيون، وذلك كي يُضاف الإبتزاز الغذائي إلى النووي. وينقل الموقع عن وزارة الخارجية الروسية تأكيدها أن موسكو لا تستطيع في الظروف الناشئة (قصف أوكرانيا لسفن الأسطول الروسي التي كانت تشارك في تأمين ممر شحن الحبوب البحري، حسب الزعم الروسي) ضمان أمن سفن الشحن المدنية المشاركة في نقل الحبوب الأوكرانية. 

ينقل الموقع عن محللين روس عديدين قولهم بأن عمل أوكرانيا "الإرهابي" في البحر الأسود جعل "صفقة الحبوب" من دون معنى بالنسبة لروسيا. ويقول أحد هؤلاء أن إستياء روسيا من الصفقة قديم لأن شروطها لم تكن تُطبق، ولم تكن موسكو تخفي ذلك. وجاء الهجوم الإستفزازي على الأسطول في سيفاستوبول، ولم يكن من الممكن التغاضي عنه. 

أما السيناتور في مجلس الإتحاد كونستانتين دولغوف فقد أكد أن قصف الأسطول الروسي في سيفاستوبول هو عمل إرهابي. ومثل هذه الأعمال تقوم بها كييف بمساعدة "الغرب الجماعي"، والولايات المتحدة في الطليعة، ودمروا بها الصفقة عملياً. وإضافة إلى التهديدات المباشرة، لم يكن بوسع روسيا أن تقبل بكيفية تطبيق صفقة إسطنبول، حيث لم يطبق منها الجزء المتعلق بإيصال الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق. ولم يصل سوى القليل من الحبوب الأوكرانية إلى البلدان المحتاجة إليها فعلاً، لا سيما الأفريقية منها، بل ملأ معظمها الأهراءات الغربية. ويرى السيناتور في هذا تشويهاً للمعنى الأساسي للصفقة، ولذلك تتحمل مسؤولية الوضع الراهن كييف ورعاتها الغربيين برأيه.

صحيفة "برافدا الأوروبية" الأوكرانية EP نشرت في 31 المنصرم نصاً بعنوان ""بدون حبوب أو بدونكم؟" هل هناك فرصة للحفاظ على ممر الحبوب بعد الهستيريا الروسية؟". قالت الصحيفة بأن تحجج روسيا الشكلي بهجوم الجيش الأوكراني على السفن الحربية الروسية في سيفاستوبول المحتلة لوقف مشاركتها في تنفيذ إتفاقية "صفقة الحبوب" ينقصه المنطق. فوقف إمدادات الحبوب لن يوقف مقاومة الجيش الأوكراني والهجمات الجديدة على الأسطول الروسي، بل يوجه ضربة إلى أفقر بلدان العالم التي ستواجه مجدداً خطر المجاعة. 

ورأت الصحيفة أن قرار السبت الروسي بوقف المشاركة في تنفيذ "صفقة الحبوب" كان "إبن ساعته"، ولم يكن مدروساً بالكامل، ولذلك غيرت موسكو في المساء الأول صياغة الشكل الذي سيكون عليه وقف تنفيذ مشاركتها فيها. في الوضع الراهن، يسمح تصرف روسيا بإعادة إطلاق المبادرة من دون مشاركة روسيا، وذلك بالإفادة من تخليها الطوعي عن المشاركة في تنفيذها. الشرط الرئيسي لهذا الأمر يتمثل في تمتع تركيا بجرأة إستغلال الفرص المتاحة لإطلاق المبادرة في واقعها المستجد. ولهذا ترى الصحيفة أن كل شئ بيد أردوغان الذي يمكن أن يحصل على دور "منقذ العالم من الجوع".

وفي تحريض صريح لأردوغان، قالت الصحيفة الأوكرانية بأن عليه أن يحزم أمره لرد لائق على إبتزاز شريكه فلاديمير بوتين. 










increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها