السبت 2022/01/01

آخر تحديث: 08:59 (بيروت)

بوتين يصادر ذاكرة الإرهاب الستاليني

السبت 2022/01/01
بوتين يصادر ذاكرة الإرهاب الستاليني
increase حجم الخط decrease

في 28 من الشهر المنصرم أصدرت المحكمة العليا الروسية حكماً بحظر جمعية ميموريال Memorial العالمية بجميع فروعها في روسيا، وكذلك حظر مركز ميموريال المستقل للدفاع عن حقوق الإنسان. 

نشأت ميموريال قبل إنهيار الإتحاد السوفياتي بسنوات قليلة، وترأسها الاكاديمي الحائز عل نوبل للسلام أندريه ساخاروف. وفي مئويته أغلقها بوتين. وعدا عن ملاحقة وأرشفة مئات آلاف القضايا التي تقدم بها مواطنون لمعرفة مصير أبائهم وأسلافهم في معسكرات الإعتقال وأقبية KGB وأجهزة القتل الأخرى، عملت المنظمة على تخليد ذكرى ضحايا القمع السياسي في الحقبة السوفياتية. كما كان أعضاؤها يجمعون التواقيع لإقامة نصب ومجمع تذكاري لضحايا القمع، ونظمت المظاهرات في الشارع والمعارض والندوات العلمية حول موضوع إرهاب الدولة.  

قد لا يكون الوقت قد حان بعد لإطلاق تسمية "المنظمة السابقة" على ميموريال، لأن المنظمة تنوي إستئناف الحكم لدى المحاكم الروسية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان( رفعت لديها حوالي 1500 قضية). يقول الرئيس الحالي للمنظمة بانهم يخوضون معركة مع النيابة العامة الإتحادية للوصول الدائم إلى الأرشيف، ومعرفة أسماء العاملين في النيابات العامة الستالينية ويدخلون في ما كان يسمى محاكم "الترويكا" التي كانت تحكم بالإعدام من دون الرجوع إلى المحاكم العادية. لكن النيابة العامة ترفض بشكل قاطع تلبية طلب المنظمة، مما يشير برأيه إلى موقفها من اللاقانون في الماضي.

إلى جانب المنظمة يعمل أيضاً مركز ميموريال المستقل للدفاع عن حقوق الإنسان الذي أتاح إمكانية معرفة كيف كانت تنتهك حقوق الإنسان طيلة العهد السوفياتي وفي روسيا المعاصرة، خاصة في شمال القفقاز، كما يقول أحد ممثلي المركز لموقع BBC. يقوم المركز بدعم وإحصاء السجناء السياسيين في روسيا، حيث يحصي 420 سجيناً سياسياً في روسيا حالياً، بما يفوق 5 أضعاف ما كان عليه منذ 5 سنوات مضت. كما يقوم المركز بدعم المهاجرين واللاجئين، وإحصاء إنتهاك حقوق الإنسان في آسيا الوسطى وجمهوريات القفقاز الروسية.

أول من أدان قرار تصفية ميموريال، إلى جانب العديد من زعماء العالم وديموقراطييه، كان الحائزان الروسيان على نوبل للسلام الرئيس الأول والأخير لروسيا البلشفية ميخائيل غورباتشوف ورئيس تحرير صحيفة Novayay دمتري موراتوف، في بيان مشترك أصدراه تواً بعد صدور حكم المحكمة. 

تواصلت "المدن"مع نائب دمتري موراتوف في رئاسة تحرير الصحيفة أولغا بابروفا ووجهت لها 3 أسئلة. في ردها على السؤال كيف سيؤثر حكم التصفية على الوضع القائم في روسيا، وعلى "حرية التعبير" إن كان قد بقي حرية تعبير، قالت بابروفا بأن قرار تصفية ميموريال كان متوقعا" كلياً، ولن يترك أي تأثير على الوضع العام. فالوضع في روسيا اليوم، ونتيجة لجميع تدابير الحظر من قبل السلطة في السنوات الأخيرة، هو في حالة "الإحباط المدني" العميق. وحتى من دون هذه التدابير لا يمكن القول بأن الروس كان سيقلقهم كثيراً مصير ميموريال. فالروسي المتوسط خارج موسكو وسانت بطرسبورغ يقلقه الإرتفاع الحاد لأسعار الغذاء، وليس مصير ميموريال.

أما حرية التعبير في روسيا فهي ليست موجودة منذ زمن بعيد، وليس نتيجة القوانين المقرة فقط، بل ولأن في روسيا ليس من طلب كبير(حتى الآن) على حرية التعبير. لكن حكم المحكمة الحالي بشأن ميموريال سيترك، ولا شك، تأثيره على روسيا المستقبل، "ويحدونا الأمل بأن أحفادنا سوف يتعين عليهم أن ينظروا إلى المرحلة الراهنة على أنها "الأكثر عاراً" في تاريخ روسيا".

وعن السؤال كيف سيؤثر حكم المحكمة الحالي على نشاط المعارضة، إذا كانت السلطة قد تركت معارضة، قالت بابروفا بأن نشطاء المعارضة سيغادرون روسيا في الأشهر القريبة القادمة. ومن لن يغادر منهم فسوف يضطر للعيش في "هجرة داخلية"، أي سيكم فمه. وحتى هذا لن يكون ضمانة لعدم ملاحقته بتهم جنائية.

وعن تشديد يد بوتين الأمنية، وما إن كان يمهد بذلك لإنتقال السلطة في العام 2024، قالت بابروفا بأنه ليس لديها شعور بأنه يتم الإعداد لإنتقال ما. فالرئيس بوتين لا يعطي اية تلميحات إلى أنه على إستعداد لترك هذا المنصب.

وعن خشية Novayay على مصيرها بعد أن كان رئيس تحريرها دمتري موراتوف أول المعترضين على الحكم بشأن ميموريال، قالت بابروفا بأنها لا تعتقد أن كلام موراتوف في دعم ميموريال يتسبب بتهديد للصحيفة الآن بعد منحه نوبل للسلام. لكن وحتى لو كان هناك تهديد، فإن الأمر يستحق الكلام، "وإلا لماذا توجد Novayay إن لم يكن لدعم المنطق السليم في روسيا؟".

عضو مجلس قيادة "مركز ميموريال للدفاع عن حقوق الإنسان، مسؤول برنامج دعم المساجين السياسيين في روسيا سيرغي ديفيدس  وجد الوقت آخر أيام السنة المنصرمة ليجيب عن اسئلة "المدن". 

في رده كيف سيؤثر حكم تصفية ميموريال وتشعباتها من قبل المحكمة العليا، وتصفية مركز ميموريال المستقل للدفاع عن حقوق الإنسان من قبل محكمة في موسكو، والذي يرأسه هو ، على الوضع القائم في روسيا، وعلى "حرية التعبير" إن كان قد بقي حرية تعبير، قال سيرغي بأن قراري المحكمة  العليا ومحكمة موسكو بالتصفية كانا متوقعين. وهما ينسجمان مع نهج قمع المجتمع المدني والتضييق عليه والحد من حرية الإنسان وحقوقه الذي ينتهجه الكرملين منذ سنوات. نشطت السلطة في هذا الإتجاه على نحو خاص في السنة المنتهية، حيث أقرت عدداً كبيراً من القوانين التي تحد من حقوق الإنسان، واعتقلت مطلع العام زعيم المعارضة الروسية ألكسي نافالني، وجرى توقيف آلاف الأشخاص خلال مظاهرات الإحتجاج على إعتقاله. وبعد عزيمة المعارضة "غير النظامية"، ركزت السلطة على قمع وسائل الإعلام المستقلة، وفي نهاية العام تحولت، بطبيعة الحال، إلى قمع المنظمات غير الحكومية.

وكيف ستؤثر تصفية منظمتي ميموريال على وضع حرية التعبير في روسيا، إن كان قد بقي حرية تعبير، قال سيرغي بأن هدف السلطات الروسية يقوم في بلوغ أعلى مستوى حد من الحريات، وليس حرية التعبير فقط، بل وحرية الإتحادات، حرية الاجتماع وإلخ. والهجوم على ميموريال هو إشارة إنطلاق مرحلة جديدة في هذا الهجوم، إشارة تضييق آخر واسع على المجتمع المدني. وحظر منظمتي ميموريال يسهم في هذا الإتجاه.

من الناحية الشكلية، كانت الدعاوى المرفوعة ضد منظمة ميموريال العالمية تتعلق فقط بانتهاك متطلبات وضع علامة "عميل أجنبي". لكن في المناقشة في المحكمة ، تحدث المدعون العامون عن الأسباب الحقيقية لطلب التصفية. فقد تحدثوا كيف تخلق منظمة ميموريال صورة خاطئة عن الاتحاد السوفيتي كدولة إرهابية ، وتعيد تأهيل النازيين ، وتجعل "أحفاد المنتصرين" يخجلون من ماضيهم ، بدلاً من أن يكونوا فخورين به.

الوضع مع مركز ميموريال لحقوق الإنسان كان أكثر وضوحًا. فقد أكد المدعون العامون في البيان نفسه بأن منظمة ميموريال تبرر أنشطة المنظمات الدولية المتطرفة والإرهابية، وتخلق الإنطباع بإمكانية مشاركتها أنشطتها ، وترفض الالتزام بقرارات المحكمة. وترتبط هذه الاتهامات بقيام منظمة ميموريال بالإنتقاد العلني المدعم بالحيثيات لقرارات الاعتراف ببعض التنظيمات على أنها إرهابية ومتطرفة، وتعبر عن عدم موافقتها على الأحكام الصادرة في حالات المشاركة في أنشطة هذه المنظمات. طبعا لا يوجد قانون يمنع الاختلاف مع قرارات المحاكم وانتقادها، ولسنوات عديدة لم يخطر ببال أي من المسؤولين أن يؤكد أن حماية حقوق الإنسان مبرر للتطرف والإرهاب، وهو أمر غير مقبول. لكن قرار تصفية مركز ميموريال لحقوق الإنسان يوسع نطاق ما هو محظور ويزيد من تقييد حرية التعبير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها