الأحد 2021/07/25

آخر تحديث: 12:08 (بيروت)

التحدي الإيراني لبايدن..شطرنج ثلاثي الأبعاد

الأحد 2021/07/25
التحدي الإيراني لبايدن..شطرنج ثلاثي الأبعاد
© Getty
increase حجم الخط decrease
من بين جميع تحديات السياسة الخارجية التي ورثها الرئيس جو بايدن عن سلفه -القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين، التوسع الروسي والقرصنة الحاسوبية والعلاقات الثنائية الممزقة مع دول الاتحاد الأوروبي- لا شيء أكثر تعقيداً من موقف الولايات المتحدة تجاه إيران. من خلال صياغة وتنفيذ أي استراتيجية تجاه الجمهورية الإسلامية، يلعب فريق سياسة بايدن لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد عالية المخاطر. بالإضافة إلى إعادة النظر في خطة العمل الشاملة المشتركة وإحيائها، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل دور إيران أو علاقتها بمجموعة من الألغاز الإقليمية المترابطة: تأثير حزب الله في لبنان المتأرجح والمصدوم (ناهيك عن تورط ميليشيات حزب الله في الفوضى السورية)، والتوترات بين دول الخليج وإيران ،وحرب إيران والسعودية بالوكالة في اليمن، والصراع الداخلي في العراق الذي يمكن أن يمتد إلى سوريا؛ والعداء الإسرائيلي لأي وكل شيء إيراني.
في محاولتها للتحرك بشكل حاسم على أي من هذه الجبهات، تخاطر الولايات المتحدة بالتعرض للمراجعة على بعض أو كل الجبهات الأخرى، وعليها أن تأخذ في الاعتبار أي تأثير لسياسة إيران المتغيرة على روسيا وتركيا والآن أفغانستان في أعقاب الانسحاب العسكري الأميركي. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض مكونات لوحة الشطرنج ثلاثية الأبعاد المذكورة أعلاه، تهيمن عليها قطع الشطرنج المحلية الثقيلة: اللوبي المؤيد لإسرائيل وحلفاؤه في الحزب الجمهوري، الذين يتألفون إلى حد كبير من المسيحيين الإنجيليين، ويمثلون ثقلاً موازناً هائلاً لأي استئناف لخطة العمل الشاملة المشتركة. المصالح النفطية وعداء السعودية للجمهورية الإسلامية الشيعية، ناهيك عن الكابوس المستمر في اليمن، يعيقان أي مفاوضات أمريكية محتملة مع إيران حول دورها في لبنان والعراق وسوريا.
كانت لدونالد ترامب نظرة مانوية ومبسطة إلى العالم -منظور أحادي البعد وكاريكاتوري: "الرجال السيئون" مقابل مفهوم "الأخيار" للعلاقات الدولية. على الرغم من أن إدارة بايدن ستعتمد بلا شك على وعي متعدد الأبعاد ودقيق أكثر للواقع العالمي، فإن الإدارة الأميركية الجديدة تفضل الاهتمام بالقضايا المحلية الملحة، أولاً وقبل كل شيء جائحة كورونا والدمار الاقتصادي الذي يؤثر على الطبقات الوسطى والعاملة في أميركا. لكن بعض الأزمات التي تصل إلى نقطة الغليان في "الموقد الخلفي" في وزارة الخارجية ستتطلب قريباً الاهتمام والعمل، وهناك احتمالات بأن أشد هذه الأزمات سخونة سيزداد غلياناً في الشرق الأوسط.
في ما يتعلق بإيران، فإن بعض اللاعبين الديمقراطيين في السياسة الخارجية منذ فترة طويلة، مثل دنيس روس، يحثون إدارة بايدن على البناء على "اتفاقات أبراهام" لإدارة ترامب لتشجيع الجهود العسكرية والدبلوماسية المشتركة بين دول الخليج وإسرائيل لتقييد إيران. مع ذلك، نادراً ما تم اختبار صمود التحالف الجديد بين إسرائيل والدول النفطية، وهو متجذر في التعاون التجاري والتكنولوجي. لا يبدو العمل العسكري الإسرائيلي-العربي المشترك ضد إيران مرجحاً، رغم أنه ممكن.
مع انتخاب رئيس القضاء المتشدد إبراهيم رئيسي كرئيس جديد للجمهورية الإسلامية، وتزايد مشاركة إيران الإقليمية ونفوذها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، أصبح لدى الولايات المتحدة مساحة أقل بكثير للتأثير أو التعامل مع إيران مما كانت قبل 20 عاماً، عندما كان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، يفتح البلاد بطريقة غير مسبوقة ويتحدى القوى الغربية للانخراط مع إيران بطرق جديدة وبناءة. ومع ذلك، سرعان ما غيّر غزو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة العراق واحتلاله موازين القوى الإقليمية وانتهى "ربيع" خاتمي الإيراني. محمود أحمدي نجاد، رسم كاريكاتوري لرجل قوي، وصل بعد ذلك إلى السلطة، وقدم هدفاً سهلاً للكراهية والسخرية لقادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
على الرغم من أن الاحتجاجات السياسية الشعبية بدأت تعكر صفو إيران مرة أخرى ، لا سيما في محافظة خوزستان، إلا أن احتمال اندلاع اضطرابات داخلية لإسقاط النظام بعيد للغاية. الضغط الاقتصادي للعقوبات، إلى جانب تداعيات جائحة كورونا، يعيق المقاومة السياسية الواسعة النطاق من قبل الشباب الإيراني الذي خرج إلى الشوارع قبل عقد من الزمن. لذلك، إذا كان لدى أي شخص في الجهاز العسكري أو الاستخباراتي أو الدبلوماسي لإدارة بايدن آمال في الضغط على إيران من الداخل، فإن هذا الخيار ليس مطروحاً على الطاولة. على الإيرانيين الآن الكفاح والتظاهر من أجل الحصول على الماء والكهرباء. المطالب السياسية المحلية والمعارضة يجب أن تنتظر.
لدى إيران وروسيا مصالح واستراتيجيات مشتركة في سوريا، وكان الهدف من العمليات العسكرية الأولى لبايدن منذ توليه منصبه هو إرسال رسالة إلى إيران (وربما روسيا بالتبعية). في شباط/فبراير ومرة أخرى في تموز/يونيو، أذن بايدن بشن ضربات جوية على الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران على طول الحدود العراقية السورية، وجاءت الضربة الأخيرة بعد أسبوع واحد فقط من انتخاب رئيسي. حتى أثناء حدوث هذه الضربات العسكرية، شارك دبلوماسيون أميركيون وإيرانيون ودبلوماسيون آخرون في مفاوضات في فيينا لاستئناف خطة العمل الشاملة المشتركة. تم عقد ست جولات من المفاوضات، ومن المتوقع إجراء جولة سابعة. لقد أوضح بايدن أنه سيعارض أي محاولات إيرانية لامتلاك قدرات نووية، وشجب دور إيران في إمداد حزب الله وحماس بالأسلحة، لكنه يريد بوضوح إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة ليس فقط لتقييد القدرات العسكرية الإيرانية، ولكن حتى أكثر من ذلك: لتأسيس موطئ قدم للتدخل الدبلوماسي في المستقبل.
وسواء حصلت إيران على قدرة نووية معززة أم لا، فإن للجمهورية الإسلامية بالفعل دوراً بارزاً ومتزايداً في سوريا والعراق واليمن ولبنان. في لبنان، تتقاطع الآن مجموعة متنوعة من التوترات والألغاز الإقليمية المقلقة تماماً، كما أصبح النظام السياسي الممزق على وشك الانهيار التام. لا تزال الاستراتيجية الأميركية في ما يتعلق بأزمة لبنان غير واضحة -وبالتأكيد يعوقها الفساد الصارخ للقيادة اللبنانية والمخاوف الأميركية الراسخة من أن طبقة المافيا الحاكمة في لبنان سوف تسرق أي مساعدة قد تُعرض- لكن الولايات المتحدة لا تستطيع فعل أي شيء في لبنان من دون مواجهة إيران بشكل مباشر أو غير مباشر، نظراً لقوة وبروز حزب الله في السياسة اللبنانية المحلية والوطنية. يبدو أن إسرائيل، تحت إدارة نفتالي بينيت الجديدة، راضية عن التعامل مع حزب الله في سوريا في الوقت الحالي، نظراً لضرباتها الصاروخية الأخيرة هناك، ويبدو أنها (حتى الآن، على الأقل) مترددة في التدخل عسكرياً في لبنان الجريح الذي لا يمكن التنبؤ به.
إذا فقد الديمقراطيون سيطرتهم الهزيلة على مجلس الشيوخ، وكذلك على مقاعد في مجلس النواب في عام 2022 (وهو أمر مرجح)، فإن فرص أن يكون لسياسة بايدن الخارجية بصمة دائمة على الشرق الأوسط ستكون ضئيلة. من المحتمل تماماً أن يعود الجمهوريون إلى السلطة في عام 2024، وإذا أعاد بايدن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، فسيتم اعتبارها لاغية وباطلة مرة أخرى. إن نافذة فرصة الولايات المتحدة للتأثير على أي من التطورات السياسية المتقاطعة العديدة التي تنطوي على إيران تنغلق بسرعة. هذا هو الهدوء المتوتر قبل العاصفة القادمة، وإيران تزرع بعض السحب المتراكمة لعاصفة رعدية محتملة يمكن أن تعقّد أياً من سياسات الشرق الأوسط التي تصوغها إدارة بايدن الآن. بالنظر إلى التحديات المحلية الملحة التي يجب على بايدن مواجهتها إذا كان الديموقراطيون سيحتفظون بالسلطة، فمن المحتمل أن تكون إدارته تفاعلية وليست استباقية في رقعة الشطرنج ثلاثية الأبعاد في الشرق الأوسط. وكما سيقول لك أي مؤرخ، فإن إيران لديها خبرة أطول بكثير في لعب الشطرنج مقارنة بالولايات المتحدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها