الثلاثاء 2021/04/27

آخر تحديث: 07:40 (بيروت)

حرب المخابرات الروسية الغربية

الثلاثاء 2021/04/27
حرب المخابرات الروسية الغربية
increase حجم الخط decrease

حرب شرسة تدور منذ فترة بين أجهزة المخابرات الروسية والغربية تحت عنوان تبادل طرد الدبلوماسيين والمخابراتيين العاملين تحت سقف سفارات البلدين. وقد أصبحت عمليات الطرد المتبادل ظاهرة شبه يومية، شملت عدداً غير مسبوق من الدول المشاركة فيها والعشرات من المبعدين. وكانت وكالة تاس قد أحصت أواسط الشهر الجاري 8 عمليات تبادل طرد دبلوماسيين منذ مطلع السنة الحالية، شملت 9 دول، من الولايات المتحدة غرباً، حتى بولونيا وبلغاريا شرقاً، وطاولت 37 دبلوماسياً وعاملاً في السفارات الروسية في هذه البلدان، من دون أن تذكر العدد المقابل للمبعدين الأجانب من أراضيها. وكانت صحيفة "Novaya" الروسية المعارضة قد أطلقت على العام المنصرم صفة "عام الجواسيس" وقالت بأن العام 2020 سجل رقماً قياسياً في إبعاد الدبلوماسيين الروس من الدول الأجنبية وخطوات موسكو المقابلة. وعمد موقع روسي آخر إلى إحصاء عمليات الإبعاد والبلدان، التي طاولتها منذ مطلع رئاسة بوتين الأخيرة العام 2018 حتى العام الحالي 2021، فبلغ عدد البلدان التي تبادلت موسكو عمليات الإبعاد معها 49 بلــــــداً ، حسب موقـــــــع " rabotainternet" . 

لم يكن الأمر ليستحق التوقف عنده لو لم تبلغ هذه الظاهرة ما بلغته في الدبلوماسية الروسية بالمواجهة المحتدمة مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، خاصة بعد بداية رئاسة بوتين الأخيرة في العام 2018. إذ أن اللجوء إلى إبعاد الدبلوماسيين واعتبارهم أشخاصاً غير مرغوب بهم، يعتبر ظاهرة طبيعية مرافقة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وهي ليست غريبة على علاقات روسيا الدولية، لكن لم يسبق أن بلغت ما بلغته في الفترة الأخيرة، على قول صحيفة "Novaya". وعادة ما تلجأ الدولة المعنية إلى إبعاد دبلوماسيي دولة أخرى للتعبير عن إستيائها من سياسة هذا البلد، أو للإشتباه بممارسة الدبلوماسيين نشاطاً تجسسياً باسم الصفة الدبلوماسية، وهو ما يغلب على الأسباب المعلنة في الحرب الدبلوماسية القائمة حالياً بين روسيا والغرب . 

بلغت عملية الإبعاد الراهنة لدبلوماسيي الطرفين الروسي والغربي مستوى يهدد بشل عمل سفارات وقنصليات الطرفين. وقد كتبت في هذا الصدد صحيفة "NG" الروسية منذ ايام نصاً بعنوان "الدبلوماسيون الأجانب يغادرون روسيا "، وأضافت قائلة أنه "بسبب توتر العلاقات مع الغرب، يتزايد عدد الممثليات الدبلوماسية التي تحرم من العاملين فيها". وقالت بأن سفير الولايات المتحدة يغادر إلى بلده للتشاور، وذلك بناءاً على نصيحة له من ديوان الرئاسة الرئاسة الروسية. وقريباً سيغادر موسكو إثنان من العاملين في السفارة البلغارية، ولن تكون هذه المغادرة الأخيرة لدبلوماسيين أجانب، فالعلاقات الروسية مع الغرب "في تدهور متواصل". وتنقل الصحيفة قول السفير لمصادر أخرى، بأن مغادرته مؤقتة، ويخطط للعودة إلى موسكو في غضون أسابيع بمناسبة لقاء الرئيسين بوتين وبايدن هذا الصيف، كما سبق أن أعلن المتحدث بإسم البيت الأبيض، في حين أن المسؤولين الروس لم يحددوا "حتى مواعيد تقريبية" لمثل هذا اللقاء . 

السفير الأميركي لم يذكر "النصيحة" الروسية له بالمغادرة ، على الرغم من أن وزير الخارجية سيرغي لافروف يؤكد أنه قد تبلغها من مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف خلال لقاء شخصي بين الإثنين، كما تم إطلاعه على التدابير الروسية الجوابية على العقوبات الأميركية الأخيرة. وتقول الصحيفة أن مغادرة السفير الأميركي تغطي الوضع الشاذ، الذي نشأ بعد مغادرة السفير الروسي في واشنطن (إثر وصف بايدن الرئيس الروسي ب"القاتل")، وبقائه هو يمارس عمله في موسكو. لكن الفارق ، أن موعد عودة السفير الروسي إلى واشنطن يبقى مجهولاً، في حين يؤكد السفير الأميركي أن مغادرته لن تطول أكثر من أسابيع . وترى الصحيفة أن الدبلوماسيين الأميركيين يحاولون ألا يدلوا بتصريحات  تشير إلى أن النزاع الأميركي الروسي "سوف يتصاعد". وينسب السفير الأميركي إلى وباء الكورونا سبب إغلاق القنصلية الأميركية في الشرق الأقصى الروسي، والتي "لن تفتح أبوابها قريبا"، ويؤكد أن القنصلية في عاصمة الأورال يكاتينبورغ  سوف تتوقف عن تقديم خدماتها . 

تتوقف الصحيفة مطولاً عند الحدث التشيكي المماثل في الإبعاد المتبادل للعاملين في السفارتين (اتهمت تشيكيا عملاء المخابرات الروسية بتفجير حدث في العام 2014 في مستودع أسلحة)، وعند التكهنات بعودة قريبة أو لا عودة للعلاقات الطبيعية بين البلدين. وتقول بأنه حتى لو عادت هذه العلاقات جزئياً، لن ينتهي نزاع روسيا مع بلدان الإتحاد الأوروبي، بل تقف في الإنتظار كل من سلوفاكيا والمجر، اللتان كانتا تحتسبان سابقاً من أنصار موسكو بمواجهة الغرب . 

صحيفة الكرملين "VZ" نشرت بين 22 و25 الشهر الجاري خمسة نصوص تناولت فيها الحدث من جوانبه المختلفة ، وتراوحت العناوين بين "لماذا أوصلت براغ العلاقات الروسية التشيكية إلى طريق مسدود" ؛ و"الخارجية تغير قواعد اللعبة" ؛ و"الكرملين يحدد للغرب الخطوط الحمراء" ؛ و"أوروبا الشرقية تقطع علاقاتها مع روسيا من أجل المشروع الأميركي الجديد"؛ و"كيف سيتطور مصير المبعدين من السفارات الروسية في الغرب" . 

تناول النص الأخير للصحيفة العلاقة بين المخابرات والدبلوماسية في عمل السفارات الروسية، وهو ما لم يكن ليتناوله موقع إعلامي روسي آخر، وذلك لإمكانية وصول الصحيفة إلى ما لا يمكن لسواها الوصول إليه من مصادر المعلومات ولحصانة "القصر" التي تتمتع بها .  

قالت الصحيفة ، بأن الإبعاد ليس اسوأ ما يمكن أن يحصل للدبلوماسي أو لرجل المخابرات، الذي يعمل بصفة دبلوماسي أو صحافي، لكنه يبقى عملاً مزعجاً جداً . والإحتفالات التي تقام في السفارات في مثل هذه الحالات، ليست لاعتبار الإبعاد عيداً يحتفى به، بل هي شكل من الدعم للمبعد في الوضع الصعب الذي يواجهه مع أسرته. لكن ليس من تغيير مبدئي في وضع الدبلوماسي "النقي"  والملحقين العسكريين ، إذ تتولى وزارات الخارجية والدفاع، بل والمخابرات، أمر مصيرهم اللاحق وتدرجهم الطبيعي في سلم الوظيفة . الأمر يختلف بالنسبة للمخابراتيين، الذين يعملون صحافيين من دون تغطية دبلوماسية تحميهم بحصانتها مما قد يخطط له الخصم المحتمل حيال هذا "الصحافي" في حال تكليفه بمهمة جديدة في الخارج . 

أخطر المشكلات صعوبة ، التي يواجهها رجل المخابرات في الخارج، هي مشكلة المنشقين من أترابه الذين يعمدون فور وصولهم إلى تسليم أسيادهم الجدد قوائم بمن عمل معهم، أو حتى صادفوه في عملهم. وأفضل مثال على ذلك ما حدث العام 1971، حين انشق أحد العاملين في المخابرات السوفياتية، وبنتيجة إعترافاته، أبعدت المخابرات البريطانية 107 من العاملين تحت سقف السفارة السوفياتية في لندن، مما خلق إشكالاً بين وزير الخارجية آنذاك أندريه غروميكو ومسؤول جهاز KGB يوري أندروبوف ، طالب خلاله غروميكو بتحديد كوتا المخابرات في السلك الدبلوماسي السوفياتي . 

حرب المخابرات الروسية الغربية المتلبسة بالدبلوماسية مستمرة منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية ، ولن تنتهي في مستقبل منظور، وإن ليس بوتيرة التصعيد الذي نشهد هذه الأيام ، والذي يسبق كالعادة جولة المفاوضات التالية بين الطرفين . 



 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها