الثلاثاء 2021/03/02

آخر تحديث: 08:01 (بيروت)

روسيا تهزأ بمحكمة نورنبرغ السورية

الثلاثاء 2021/03/02
روسيا تهزأ بمحكمة نورنبرغ السورية
increase حجم الخط decrease
قد لا تكون محكمة كوبلنز الألمانية ، والأحكام الصادرة عنها بحق قاتل سوري صغير ، على قدر الألم العظيم ، الذي أحدثه الوحش في السنوات العشر المنصرمة في جسم السوريين ، إلا أنه لا ينبغي لهذا الألم أن يغطي على أهمية هذه المحكمة وحكمها . وليس لأنها لم تنته بعد ، وتعد بكثير قادم على قاتل أكبر جريمة وحجماً ، بل لأن الألم العظيم لا ينبغي ، أن يتصاغر إلى حجم قتلة صغار ، وتقع على عاتقه مهام جلل ، لا بد سيحل موعدها.
 

حكم المحكمة الألمانية لم يتصاغر لمستوى جريمة فردية ، بل ، وعلى قلة حجم عقابه لقاتل صغير ، صدر على جريمة ضد الإنسانية جمعاء وجريمة حرب ، مرتفعا بذلك إلى مستوى آلام شعب يقتل ويعذب ويفتقر ويجوع منذ عقد من السنين . والتقطت مواقع إعلامية روسية وغربية رسالة هذا الحكم ضئيل العقاب ، ورأت فيه "حكماً على نظام الأسد" ، "الغرب يعلن مطاردة النخبة السورية" ، "أول محكمة في التعذيب والقتل من قبل نظام الأسد" ، "برغي في آلة التعذيب".

حين إنطلقت محكمة كوبلنز في نيسان/أبريل العام الماضي ، نشرت صحيفة الكرملين "vz" نصاً بعنوان "ألمانيا بدأت "عملية نورنبرغ" ضد سوريا" . لا يظنن أحد ، بأن الصحيفة فكرت بمقارنة النظام السوري بنظام النازيين ، الذين جرت محاكمتهم في محكمة مدينة نورنبرغ الدولية ـــــــ مهد النازية ، بل كانت تسخر من الصحف العالمية ، التي رأت في المحكمة الحالية نورنبرغ التاريخية و محكمة لاهاي الدولية . وقالت حينها ، أن من يجلس في مقاعد المتهمين الآن ، ليس بمستوى متهمي لاهاي ونورنبرغ . فإذا كانوا قد حاكموا في الحالتين قادة دول ، فهم يحاكمون الآن "عقيداً واحداً لا غير" (أنور رسلان) ، يحملونه المسؤولية عن "جرائم نظام الأسد" . وحرصت على وضع المزدوجين للسخرية من تحميل مخابراتي واحد مسؤولية نظام بأكمله عن جرائم إرتكبها بالشراكة مع حليفه الكرملين.

ذكرت الصحيفة ما قالته حينها النيويورك تايمز والدويتشه فيله ومديرة مركز الأبحاث والتوثيق في قضايا جرائم الحرب في جامعة ماربورغ الألمانية . فقد قالت مديرة المركز ، بأن رسالة المحكمة الرئيسية إلى كل ممثلي نظام الأسد في سوريا وسائر أنحاء العالم : ليس بوسعكم أن تبقوا آمنين . إذا كنتم تشاركون في خروق جدية لحقوق الإنسان ، فهناك خطر دائم ، بأنكم ستحاكمون لاحقاً . وقالت الدويتشه فيله ، بأنهم سيحاكمون في كوبلنز جرائم وقعت على بعد آلاف الكيلومترات ، إرتكبها أشخاص مارسوا بحق الناس تعذيباً لا يطاق ، وسخروا منهم ، لهدف واحد وحيد  ـــــــــ أن تبقى عائلة بشار الأسد في السلطة مهما كان الثمن . ورأت النيويورك تايمز ، أن المحكمة الجنائية الدولية حاكمت أنظمة سقطت في رواندا ويوغسلافيا السابقة ، أما محاكمة السوري ، فهي المحاكمة الأولى ضد حكومة لا تزال في السلطة . ورأت صحيفة الكرملين في هذه التعليقات "بعض السخرية" , لأن من يُحاكَم كان حتى وقت قريب "عدو نظام الأسد" وممثلاً بارزاً للمعارضة السورية برأيها.
 

الصحيفة الإلكترونية الأقدم في روسيا "Gazeta.ru ، علقت على الحكم على إياد غريب ، بنص عنونته "حكم على "نظام الأسد" : ألمانيا أدانت عاملاً سابقاً في أجهزة المخابرات السورية" ،  قالت فيه ، بأن محكمة في ألمانيا أصدرت أول إدانة في  قضية التعذيب في سوريا . ورأت ، أن المحكمة أصدرت "حكماً تاريخياً" على السوري إياد غريب ، وهو الإجراء القانوني الأول في العالم خارج الحدود السورية بشأن القتل والتعذيب في سوريا.
 

وتنقل هذه الصحيفة عن أحد أساتذة المدرسة العليا للإستشراق تعليقه على مبدأ الولاية الشاملة ، الذي استند إليه الحكم ، بانه مهم فعلاً ، إذ من الممكن جداً ، أن تتوالى بكثافة مثل هذه الأحكام المستندة إليه .  ويتساءل مستغرباً عن علاقة ألمانيا بالحرب الأهلية السورية والصراع في سوريا ، وإذ ينفي وجود أية علاقة ، يقول ، بأن المحكمة الألمانية أصدرت حكماً قضائياً على جريمة أرتكبت على أراضي دولة أخرى ذات سيادة ، وليس لها أية علاقة بالقانون الألماني . ويستنكر التعميم في وصف جرم السوري إياد غريب ، بأنه جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب ، ويقول بأنها عملية قضائية محددة ضد شخص محدد ، وليس ضد ما يسمونه "النظام اللاإنساني في دمشق".

وتقول الصحيفة ، بأن الكثيرين من الخبراء والمدافعين الغربيين عن حقوق الإنسان ، يرون في حكم المحكمة الألمانية سابقة تتيح إمكانية البدء بالملاحقة القانونية لممثلي "النظام الدموي" . وكمثال على ذلك ، تنقل عن كبير محامي المنظمة الأميركية " Open Society Justice Initiative" قوله ، بأن على البلدان الأخرى  أن تسارع إلى الإمتثال بألمانيا ، ولا سيما تلك البلدان ، التي يعيش فيها "مجرمو الحكومة السورية".

وبعد أن تنقل الرأي المعروف للمحامي السوري أنور البني ، نقلت الصحيفة عن رويتر قولها ، بأن هذا الحكم الأول في قضية التعذيب في سوريا ، يشجع 800 ألف لاجىء سوري في ألمانيا ، الذين تعرضوا ، على قولهم، للتعذيب في المؤسسات الرسمية السورية ، وفشلوا في إقامة محكمة دولية بشأن سوريا.

وتشير الصحيفة ، إلى أن إقتراحات إقامة محكمة دولية بشأن سوريا ، وقفت بوجهها ، جزئياً ، روسيا . ونقلت عن الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها ، بأن إقامة مثل هذه المحكمة الدولية تضع تحت الشك شرعية السلطة السورية ، ولهذا بالذات ، على العدالة السورية أن تقرر مصير مجرمي سوريا العسكريين.
 

ويقول الخبير الروسي المذكور للصحيفة ، أن أعمال ألمانيا يمكن إدراجها في السياق ، الذي تحدثت عنه زاخاروفا ، لأنها (ألمانيا) بمعاقبتها مواطنين سوريين تنتزع من سوريا جزءاً من سيادتها ـــــ محاكم جرائم الحرب . ويتوافق هذا مع خط محاولات الغرب الإطاحة ب"النظام الدموي" في دمشق . ويشير ، إلى أنه كان هناك إتجاهان خلال السنوات الأخيرة : إتهام الأسد بالتعذيب ، وإستخدام السلاح الكيميائي ، الذي تبخر مؤخراً . وفي كلتا الحالتين من السهل توجيه الإتهام ، لكن من الصعب إثباته . أما قصة التعذيب ومدى إستثمارها لاحقاً ، سيتوقف الأمر على موقف الإدارة الأميركية الجديدة من دمشق ، إذ أن واشنطن في هذه المسائل ، هي برأيه ، التي تفصل أثواب اللاعبين.

صحيفة "NG" ، التي تقول بأنها مستقلة ، علقت على حكم المحكمة الألمانية بنص للكاتب في الشؤون الدولية إيغور سوبوتين عنونه بالقول "الغرب يعلن مطاردة النخبة السورية" ، وقال ، بأن أوروبا تبدأ ملاحقات قضائية لأنصار الأسد . ورأى، أن حكم المحكمة الألمانية يدفع للقول ، بأن الملاحقة القضائية للممثلين السياسيين والعسكريين السابقين للنخبة السورية ، سوف تتخذ طابعاً شمولياً . ونقل عن فريدريك هوف ، الدبلوماسي الأميركي ، الذي عمل في الخارجية الأميركة زمن هيلاري كلينتون ، قوله للصحيفة ، بأن الحكم على إياد الغريب هو "بلا شك خطوة نحو تحميل المسؤولية القانونية" لأمثال الغريب ، الذين غادروا سوريا ، وحاولوا إيجاد ملجأ في البلدان الغربية.

ردة الفعل الغربية المرحبة بحكم المحكمة الألمانية ، والمناقضة لردة الفعل الروسية ، من المشكوك فيه أن تواصل مسارها نحو محكمة سورية دولية على غرار نورنبرغ أو لاهاي ، إذ  أنها ستصطدم حتماً بجدار الفيتو الروسي التقليدي . لكن التطورات اللاحقة في محاكمة أنور رسلان ، وما سيحيط بها من ردود فعل وتطورات في سوريا والمنطقة ، لا سيما النزاع الأميركي الإيراني ، سوف يقرر مصير قيام مثل هذه المحكمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها