الأربعاء 2020/04/15

آخر تحديث: 09:16 (بيروت)

هزيمة الكرملين النفطية

الأربعاء 2020/04/15
هزيمة الكرملين النفطية
increase حجم الخط decrease
نقلت وكالة نوفوستي الروسية مقالتي السابقة ("جهاد" الكرملين النفطي) بمناسبة انعقاد مؤتمر أوبك+ الخميس المنصرم، ووصفتني بأني مصاب بالرهاب الروسي "Russophobe"، وقالت بأني أريد إثبات خسارة روسيا في حرب أسعار النفط مع السعودية ، من خلال سوق استشهادات من المواقع الإعلامية للمعارضة الروسية . لكن ما أن انتهى لقاء أوبك+ ليل الأحد الإثنين ، وأُعلن عن الإتفاقية الجديدة بشأن التخفيض غير المسبوق في حجم إنتاج النفط ، حتى سارع نائب رئيس عملاق النفط والغاز الروسي "Lukoil" ليونيد فيدون بمقارنة الإتفاقية بمعاهدة صلح برست العام 1918 المذل والمجحف ، الذي أرغمت ألمانيا البلاشفة على عقده ، واقتطعت بموجبه مناطق شاسعة من الأراضي الروسية .

في تبريرها لإتفاقية النفط الأخيرة ، كتبت صحيفة الكرملين "vz" مقالة بعنوان "على حساب من أمكن تفادي كارثة النفط العالمية" ، حملت فيها على السعودية ، وقالت بأن البعض يعتبر بأن الإتفاقية هدنة قسرية ، والبعض الآخر يرى بأنها هزيمة لروسيا . الإتفاقية التي تمتد لسنتين ، ستكون نافذة منذ مطلع الشهر القادم وحتى نهاية نيسان/أبريل العام 2022 ، وشروطها تقضي بتخفيض الإنتاج خلال الشهرين القادمين بقيمة 9,7 مليون برميل في اليوم ، ويتناقص حجم التخفيضات لاحقاً ، إلى 8 ومن ثم إلى 6 ملايين برميل يومياً . 

ينطلق حساب التخفيضات من مستوى إنتاج تشرين الأول/أوكتوبر العام 2018 ، وعلى جميع دول الأوبك+ أن تخفض من إنتاجها بنسبة 23% في المرحلة الأولى ، ما خلا السعودية وروسيا ، اللتين ستخفضان الكمية عينها ، 2,5 لكل منهما من مستوى إنتاج يبلغ 11 مليون برميل يومياً . تضاف إلى مجموع تخفيضات أوبك + هذه تخفيضات للدول غير المنضوية في الأوبك ، يبلغ حجمها 9 ملايين برميل يومياً.

وبعد أن تستعرض الصحيفة أحوال سوق النفط ، الذي "كان مهدداً بالإنهيار" لو لم تقدم الأطراف على تنازلات متبادلة ، تتساءل ، "لكن لماذا أقدمت روسيا على أكبر حجم من التخفيضات؟" . صحيح أن روسيا والسعودية تخفضان الإنتاج بكمبات متساوية ، من 11 إلى 8,5 مليون برميل ، لكن هذا لا يتطابق مع الواقع الفعلي ، وذلك بسبب "السلوك الشائن جداً للسعودية". بعد اندلاع "حرب النفط" ، إثر فشل إجتماع أوبك+ مطلع الشهر المنصرم ، بقي حجم إنتاج روسيا على حاله (11 مليون برميل) ، في حين أخذ السعوديون برفع مستوى إنتاجهم ، ووعدوا ببلوغه 12 مليون برميل في اليوم ، وثبتوا لأنفسهم بذلك "نقطة انطلاق مريحة" للتفاوض . وحين حان الوقت لتخفيض الإنتاج "من المستوى الراهن له" ، خفضت السعودية عملياً 1,5 مليون برميل في اليوم ، بينما خفضت روسيا 2,5 مليون برميل يومياً ، حسب الصحيفة. 

إضافة إلى ذلك ، إن ما يزيد الفجوة بين الطرفين لصالح السعودية ، هو أن روسيا تصدر 50% من إنتاجها ، في حين تصدر السعودية 80% منه ، وذلك بسبب الفارق في الإستخدام الصناعي للنفط في البلدين، وبالتالي ، ستنخفض عائدات روسيا من العملات الصعبة أكثر من عائدات السعودية ، حسب الصحيفة . ومن دون أن تذكر الصحيفة التأثير السلبي للعقوبات الغربية على تجديد التجهيزات التقنية لحقول النفط الروسية ، تنقل عن خبير نفطي روسي قوله ، بأن الطبيعة الجغرافية لهذه الحقول تجعل من الصعب توقيفها عن الإنتاج ، "فهي إما تعمل أو لا تعمل أبداً" ، وبالتالي من الصعب التأكيد ما إن كانت روسيا قادرة على استعادة حجم إنتاجها السابق .
 

لكن الصحيفة ، ومن جهة أخرى ، تذكر السعوديين ، بأن النفط الروسي لا تهدده هجمات الحوثيين ، وبأن  موقع بوتين في الكرملين راسخ ، على عكس موقع محمد بن سلمان ، الذي يرتبط سعيه إلى العرش السعودي بوضع أبناء العائلة ، الذين "نسوا منذ زمن بعيد العيش في الخيم" . كما تنقل عن Bloomberg قولها ، بأن بوتين قد جمع من دولارات النفط لحال الحرب 577 مليار دولار ، بزيادة 60% منذ العام 2015 ، في حين انخفضت احتياطيات السعودية خلال هذه الفترة إلى 502 مليارا ، أي بنسبة 28% . 

ومع ذلك تعترف الصحيفة ، بأن روسيا فشلت في تحقيق أهدافها الإستراتيجية من خلال الحرب النفطية ، حيث لم تتمكن من تفليس الشركات الأميركية المنتجة للنفط الصخري ، وكذلك فشلت في إرغام الولايات المتحدة على الإنضمام إلى المعاهدة. وتقول بأنه إذا لم تنفذ الولايات المتحدة تعهداتها ، غير المثبتة على الورق ، بتخفيض إنتاجها النفطي ، فإن اتفاقية أوبك+ لن تكون كافية لأنقاذ سوق النفط ، الذي أقدمت روسيا على كل تنازلاتها تلك من أجل إنقاذه من الإنهيار .

مطالعة صحيفة الكرملين هذه ، التي ساقتها لتبرير اضطرار الكرملين للعودة إلى المفاوضات مع أوبك، بعد خروجه منها مطلع الشهر الماضي لرفضه رفع تخفيضات إنتاجه بمقدار مليون برميل يومياً ، وإصراره على تخفيض نصف مليون برميل فقط ، لا تلقى آذاناً صاغية ، ليس بين المعارضين فحسب ، بل وبين مؤيدي الكرملين أيضاً . وثمة شبه إجماع في المواقع الإعلامية الروسية ووسط خبراء النفط ، على تحميل قيصر النفط الروسي إيغور ساتشين ، الصديق المقرب من بوتين منذ مرحلة سانت بطرسبورغ ، مسؤولية قرار الخروج من أوبك+، وهو نفسه كان قد أعلن رفضه رفع تخفيضات إنتاج النفط الروسي.  ويبدو أن هذا ما دفع نائب رئيس تحرير صحيفة الكرملين بيتر أكوبوف ، إلى نشر مقالة على موقع نوفوستي في 14 من الشهر الحالي، أي بعد يوم واحد من مقالة صحيفة الكرملين ، دافع فيها دفاعاً مستميتاً عن إيغور ساتشين ، واعتبر أن من يهاجمه ، يهاجم بوتين نفسه ، وهو لا يتخذ قراراته إلا بالتشاور معه .

من جهتها ، صحيفة القوميين الروس "sp" ، ومنذ فشل إجتماع أوبك+ الأول ، كتبت سلسلة مقالات حملت فيها بوتين ومسؤولي قطاع النفط ، وعلى رأسهم إيغور ساتشين ، مسؤولية انكماش الإقتصاد الروسي الراهن. وهي تطلق على إتفاقية أوبك+ الأخيرة تسمية "صفقة القرن"، وتعتبرها انتصاراً للرئيس الأميركي ترامب، الذي سارع إلى تقديم التهنئة إلى كل من بوتين والملك السعودي، إثر التوقيع النهائي على الإتفاقية في 12 من الشهر الجاري . وقد بدأت سلسلة مقالاتها هذه ، بعد الإعلان عن الصيغة الأولية للإتفاقية في 10 من الجاري، والتي تواصلت المساومات بشأنها 4 أيام متواصلة، وعنونت مقالتها يومها"صفقة القرن النفطية: من أجل إنتصار ترامب الكرملين مستعد لدفع أغلى ما لديه"، هيهات أن تشهد روسيا مجدداً الأسعار السابقة "للذهب الأسود. وأنهت سلسلتها هذه، حتى الآن، بمقالتين في 14 من الجاري، عنونت الأولى بالقول "النفطيون يجوفون الكرملين ، لكن لا يضحون بما لديهم" ، "صفقة القرن" كانت بمثابة إصدار الحكم على الإقتصاد الروسي ، وعنونت الثانية "ترامب تغلب على بوتين وساتشين في الحرب النفطية " ، من المشكوك فيه أن ينفذ الكرملين حتى الشروط الحالية لإتفاقية أوبك+. 

صحيفة القوميين الروس هذه ، المعارضة لبوتين من داخل نظامه ، هي الموقع الأشد نقداً لسياسة الكرملين الإجتماعية، عدا المواقع الليبرالية ، بالطبع، على ندرتها، والأشد حساسية حيال محاولات الكرملين التودد للولايات المتحدة ولترمب بالذات. لذلك اتخذت من مقارنة نائب رئيس "Lukoil" إتفاقية النفط الأخيرة بصلح برتس المذل لروسيا ، حيث قالت " صلح برتس الجديد : روسيا تُجهز على نفطها ، لكنها تحافظ على أماكن العمل لأميركا"، أي أنها اعتبرت العودة إلى المفاوضات مع السعودية على رأس أوبك ، خضوعاً للإرادة الأميركية بالعودة هذه ، وهزيمة مذلة للكرملين في الحرب النفطية، التي بدأها هو نفسه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها