الخميس 2018/08/23

آخر تحديث: 09:09 (بيروت)

لبنان والمنصة الروسية

الخميس 2018/08/23
لبنان والمنصة الروسية
increase حجم الخط decrease

قبل ايام من زيارة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إلى موسكو ، كانت وزارة الدفاع الروسية تستقبل الوزير اللبناني الآخر ، طلال إرسلان ، وتطوبه "زعيم الطائفة الدرزية" . وإذا كان الوزير باسيل قد حظي باهتمام لافت في موسكو ، حيث عقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، وأجريت معه مقابلة مع إحدى كبريات الصحف الروسية  ، لم يحظ الوزير إرسلان بأكثر من بيان مقتضب جداً من إدارة التعاون العسكري الخارجي في وزارة الدفاع الروسية .

لم يشر بيان الوزارة المذكور إلى اية مفاوضات أجراها الوزير إرسلان مع مضيفيه ، بل اكتفى بالقول ، أنه جرى إطلاع "ممثل لبنان" على الوضع الراهن في سوريا ، مع التركيز على جهود المؤسسة العسكرية الروسية في مساعدة الحكومة السورية في تسوية الأزمة ، بما في ذلك تأمين عودة المهجرين إلى بلدهم . وانتهى  البيان إلى القول ، بأنه جرت الإشارة إلى ضرورة تعزيز التعاون الروسي اللبناني لإعادة السوريين من الأراضي اللبنانية .

الأسئلة الكثيرة ، التي تثيرها هذه الزيارة ، خاصة حول الهدف الروسي من ورائها ، أجاب عنها الوزير إرسلان في المؤتمر الصحافي ، الذي عقده إثر عودته من موسكو ، وقال فيه كلاماً ، لو قيل من موسكو لاختلف وقعه وأثره كلياً . فقد توجه الوزير "زعيم الطائفة الدرزية" بالتحية إلى "أهلنا في جبل العرب والجولان السوري المحتل وجبل الشيخ " ، الذين يتمسكون بالدفاع عن الهوية العربية السورية "بقيادة سيادة الأخ الرئيس الدكتور بشار الأسد ، والجيش العربي السوري" . وبعد أن أخبرهم بأن الوضع في سوريا "انتهى وباتت الدولة تبسط سيادتها على كافة الأراضي المحررة من الإرهاب التكفيري وداعميه" ، نصحهم بقوله ""ضمانتكم الدولة، ضمانتكم النظام، ضمانتكم القوانين، ضمانتكم الجيش العربي السوري، ضمانتكم كما ضمانتنا الرئيس الأخ الدكتور بشّار الأسد، وكل من يعتبر غير ذلك هو متواطئ عليكم وعلينا ويهدر دمكم ودمنا خدمة لإسرائيل وأعوانها وداعميها من الداخل والخارج".

لكن المقالة ، التي نقلها، الوزير إرسلان على موقعه من صحيفة لبنانية ، ألقت ضوءاً إضافياً على الأهداف ، التي توختها روسيا من وراء ترتيب هذه الزيارة . فقد قالت الصحيفة ، بأن ثمة "انقساماً" بين الدروز في لبنان ، ولا سيما بعد مطالبة جنبلاط بتدخل دولي تحت ذريعة "حماية السويداء من النظام السوري" ، وأن هذا "الإنقسام" قد سرَّع في زيارة أرسلان إلى موسكو . واعتبرت الصحيفة أن الزيارة تحمل أكثر من دلالة حول الرؤية الروسية لدور وموقع طائفة الموحدين الدروز في المشرق ، وعلاقة روسيا المستقبلية بالشخصيات والقوى اللبنانية التي ساندت النظام السوري خلال السنوات السبع الماضية.

أما زيارة الوزير جبران باسيل إلى موسكو ، فقد كانت مختلفة ، من حيث الشكل، وأظهرت أن موسكو تراعي الإختلاف في أوزان القوى المؤيدة والحليفة للنظام السوري في لبنان ، وتراعي خصوصية علاقات كل من هذه القوى بهذا النظام . ففي حين لم يحظ الوزير إرسلان بمقابلة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وذلك على عكس ما ذكر بعض الإعلام اللبناني ، ولم تجر أية مفاوضات معه ، بل جرى إطلاعه على الوضع في سوريا ، أجرى الوزير باسيل مفاوضات مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ، وعقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً معه ، عبر الطرفان خلاله عن رفضهما ربط عودة المهجرين بالتسوية السياسية في سوريا ، واتهما مؤسسات الأمم المتحدة بعرقلة عودة المهجرين السوريين وعملية إعادة إعمار سوريا .     

وفي مقابلة أجرتها صحيفة "kommersant" السياسية الروسية مع الوزير جبران باسيل، ، قال أن التنسيق بين لبنان وروسيا يقوم على أساس أن لبنان هو أرض يوجد عليها مهجرون ، وروسيا هي بلد يضمن عودتهم إلى وطنهم . والتنسيق يتطلب مسائل عديدة ، من بينها مسألة تمويل عملية عودة المهجرين ومسألة الأمن . وعلى روسيا أن تقوم بإقناع ، ليس لبنان ، بل المجتمع الدولي،  بأن الحديث يدور عن عودة طوعية، وليس قسرية ، للمهجرين ، وأن شروط الحياة متوفرة لهؤلاء الناس في سوريا . ويرى باسيل ، أن من الضروري تسهيل شروط عودة هؤلاء الناس إلى وطنهم ، كأن يُعفى المهجرون من دفع بدل مالي لتخلفهم عن الخدمة في الجيش .

ولدى سؤاله من قبل الصحيفة عن اتهام لبنان من قبل العديد من المنظمات الإنسانية بالإعادة القسرية للمهجرين إلى سوريا ، مثل تهديم مخيماتهم ووقف تقديم المساعدات الإنسانية لهم ، قال باسيل بأن الأمر ليس صحيحاً ، وأن لبنان هو "المثال الأفضل لحسن الضيافة" .  


الأمر الأهم بالنسبة للوزير باسيل ، حسب الصحيفة ، هو عدم ربط مسألة عودة المهجرين بالتسوية السياسية في سوريا ، كما يصر بعض البلدان ، حسب قوله . أما روسيا ولبنان فهما ،على العكس ، يقولان بأن عودة المهجرين هي جزء من التسوية السياسية وإعادة إعمار سوريا .

وحول ربط بعض القوى السياسية اللبنانية تشكيل الحكومة في لبنان بالتطبيع الكامل مع النظام السوري ، قال الوزير باسيل ، بأنه يعتقد أن من مصلحة لبنان أن تكون لديه علاقات طبيعية وقوية مع سوريا، بالقدر ، الذي تتطلبه مصلحة البلدين . وقال بانه ، عدا عن موضوع عودة المهجرين ، هناك موضوع العلاقات الإقتصادية وسواها من المسائل ، ومن الخطأ أن نبحث عن المشاكل في علاقتنا .

وسألته الصحيفة ما إذا كانت روسيا توافق على المشروعين ، اللذين ذكرهما خلال المؤتمر الصحافي مع سيرغي لافروف حول خطة نهوض المشرق وعقد مؤتمر للأقليات الدينية والإثنية في الشرق الأوسط . قال الوزير باسيل ، بأن روسيا موافقة على المشروعين ، وأن مشروع نهوض المشرق يقوم على أساس المصالح المشتركة مع روسيا وحضورها في الشرق الأوسط ، فهي "الضمانة للحريات السياسية والدينية" .

إن زيارتي الوزيرين جبران باسيل وطلال إرسلان إلى موسكو ، وبغض النظر عن الإختلاف في شكل إخراجهما ، تشيران ، مع ما رافقهما من كلام للوزيرين ،  إلى مدى التقدم ، الذي أحرزته روسيا في ترسيخ مواقعها في لبنان والمنطقة . كما تشير الزيارتان إلى حجم الإستعداد ، الذي تبديه القوى والتوجهات ، التي يمثلها الوزيران ، لجعل لبنان منصة تستخدمها روسيا لترسيخ "انتصاراتها" في سوريا ، وعلى رأسها تعويم النظام السوري ، ليس في سوريا فقط ، بل وفي لبنان أيضاً .

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها