الخميس 2018/07/05

آخر تحديث: 01:28 (بيروت)

رسالة من أميركا:إنها النهاية

الخميس 2018/07/05
رسالة من أميركا:إنها النهاية
تظاهرة ضد سياسة ترامب بحق المهاجرين في واشنطن (Getty)
increase حجم الخط decrease
بكل السبل الممكنة، محلياً أو دولياً، براغماتياً أو أخلاقياً، الولايات المتحدة الأميركية تتجه إلى نهايتها. البداية، كانت ثورة في الفكر وفي الممارسة السياسية في العام 1776، اليوم، الاقتصاد الأكبر في العالم والهيمنة العسكرية التي لا تنازَع، ينهار الآن من الداخل. في عيد الاستقلال هذا،(الرابع من تموز يوليو) إنه أمر مرهق عاطفياً أن تكون أميركياً. التآكل المستمر للأمل والتفاؤل، اللذين ميّزا الروح الأميركية لأجيال، هو السمة الأساسية للولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.

التقارير الإخبارية اليومية التي تتحدث عن قسوة هذه الإدارة، نفاقها، فسادها، كذبها وعدم كفاءتها، تدمر الروح. العديدون من الاميركيين يصرخون بإستياء وبإكتئاب: "لا يمكن أن يزداد الأمر سوءاً!". ولكن هذا ممكن وسيحصل، ما لم ينهض عدد كافٍ من الناس ويخرجون بشكل جماعي إلى الشوارع وينظمون اعتصامات يومية في الكابيتول هيل (حيث مقر الكونغرس) وأمام البيت الأبيض. 

ورغم ظهور العديد من الحركات الاحتجاجية العام الماضي، أبرزها مسيرة النساء، و"أرواح السود مهمة"، إضافة إلى طلاب المدارس الثانوية الذين ينادون بالسيطرة على السلاح، فإن اليمين والمتطرفين البيض والجماعات المعادية للمهاجرين تلقوا التحفيز من خطاب ترامب، ومن تحرك قاعدته من المجتمعات الريفية والمتدنية التعليم، لرفع الاعلام الكونفدرالية والأعلام النازية. امتلأت شوارع شارلوتسفيل، وفيرجينيا بمسلحين يصرخون بهتافات عنصرية، بل ويضربون المتظاهرين المقابلين لهم ويقتلونهم. لدي أقارب واصدقاء من يسار الطيف السياسي، إشتروا مسدسات وتعلموا طريقة إستخدامها. لقد بت يومياً أسمع أخرين يقولون، أو يخطر في بالي، بأن شخصا ما يجب أن يقتل أولئك الذين يغتالون بلادنا.

رغم أن ترامب هو "شذوذ" في التاريخ الأميركي الحديث، لكن انتخابه عام 2016 – إذا كان يمكن أن نطلق عليه انتخاباً – لم يكن بداية زوال أميركا. يمكننا أن نعود إلى الوراء، إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، الى الإبادة الجماعية للأميركيين الأصليين، واستعباد الملايين من الأفارقة. هي خطايا أميركا الأصلية التي تقودنا الى تتبع الخيط المظلم الذي يعبر نسيج البلد.

الاستعمار الاستيطاني والعنصرية موجودان جنباً إلى جنب في تاريخنا، مع القيم التنويرية حول الحرية والمساواة وحقوق الإنسان غير القابلة للمصادرة. أو يمكننا أن نستعرض رأسمالية "البارونية اللصوصية" في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين للعثور على منابع الجشع والغطرسة وعدم المساواة التي أصبحت الآن منتشرة في الليبرالية والنظام الرأسمالي المفرط السمّية على مدى السنوات الأربعين الماضية.

لكن لفهم الشرور الفريدة لعصر ترامب، لا يتعين علينا أن نذهب بعيداً إلى هذا الحد في تاريخ الولايات المتحدة. يمكننا العودة فقط إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي مع انتخاب الرئيس رونالد ريغان، كبداية لانزلاق أميركا الطويل والبطيء إلى هذا الإنهيار الخطير. كان تورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط جزءاً لا يتجزأ من هذه العملية. لقد نجح ريغان، وهو نجم سينمائي من الدرجة الثانية، في نسج قصة خيالية عن أميركا كمدينة مشرقة على تلة، ورعى جمهوراً أميركياً ساذجاً أوهمه بأساطير مأساوية عن الخير الأميركي الفطري، واستحقاق أميركا السلطة والهيمنة على العالم، وغرس فيه الرغبة في العودة إلى تلك اللحظات المبسطة التي صورتها أفلام هوليوود في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

هزم ريغان حينها جيمي كارتر، الذي ربما كان آخر رئيس محترم وصاحب ضمير في تاريخ الولايات المتحدة، ولعل سبب الهزيمة يعزى أساساً إلى أزمة الرهائن الاميركية في إيران. كان كارتر،الذي يوصف الآن بأنه مثالي بلا عزيمة، ينتقد علناً سياسات الولايات المتحدة في الداخل والخارج. لقد فضّل حقوق الإنسان، بدلاً من التدخل في أميركا الوسطى، وكان سابقاً لأوانه في التأكيد على الحاجة إلى الحفاظ على موارد الطاقة والعيش في حدود إمكانياتنا. وضع كارتر إصبعه على "الوعكة الأميركية" التي فضل آخرون تجاهلها، وربما على حسابه.

شق ريغان طريقه الى الفوز بواسطة موجة من الاصولية الوطنية، وشعار "أميركا أولاً"، والإعتزاز المفرط ببلد خيالي لم يكن له وجود أبداً على أرض الواقع. الكشف عن فضيحة إيران-كونترا، ناهيك عن كارثة تورط أميركا في لبنان بعد الغزو الإسرائيلي العام 1982 (الذي حصل على الضوء الاخضر من وزير خارجيته ألكسندر هيغ)، كان دليلاً على المدى الذي انفصلت فيه الحكومة الأميركية عن الواقع. تحت حكم ترامب، بات انقطاعنا عن الواقع كاملاً. نحن نعيش في مستنقع من الأكاذيب والخوف والرعب والغضب والشك. وهذا مرهق للغاية.

وفي الاطار العالمي ، تؤثر أمراض أميركا وعثراتها حتماً على بقية العالم. قرارات إدارة ترامب بفصل وحبس أفراد العائلات الفارين من العنف في أميركا الوسطى، وحظر السفر إلى الولايات المتحدة من دول ذات غالبية إسلامية، إضافة إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ودعم السعودية في اليمن، ناهيك عن التعاطي مع كندا كتهديد أمني للاقتصاد الأميركي، والتعبير عن التضامن مع الحركات الفاشية في أوروبا، وربما الأكثر خطورة من ما سبق، الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، هذه القرارات التي جعلت الحياة على كوكب الأرض تحت تهديد متزايد، هي بالتأكيد مخاطر لا تؤثر فقط على المواطنين الأميركيين.

خلال الأيام الثلاثة الماضية، قال ثلاثة من أصدقائي إن الولايات المتحدة تتجه إلى حرب أهلية، وإننا سنرى قريباً "دماءً في الشوارع". في عيد الاستقلال هذا، قلة منّا تحتفل. لا أحد من عائلتي أو أصدقائي خرجوا الى رحلات، أو حفلات شواء. كثيرون منّا لزموا بيوتهم يراودهم الخوف مما هو آتٍ.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها