الإثنين 2018/06/04

آخر تحديث: 08:27 (بيروت)

"الخيانة" الروسية لإيران

الإثنين 2018/06/04
"الخيانة" الروسية لإيران
increase حجم الخط decrease

تتسارع الأنباء المتعلقة بالصراع الإيراني الإسرائيلي المتفجر في المنطقة ، وتحمل معها موجات متضاربة من التفاؤل والتشاؤم . فقد نشرت إحدى وكالات الأنباء الإسرائيلية ، عصر السبت الفائت، تصريح الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ، الذي اعتبرته الوكالة "عدم اعتراض إيراني" على الإتفاق الروسي الإسرائيلي بشأن انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية التابعة لها من منطقة الجنوب السوري . لكن تصريح شمخاني هذا أعقبه نشر كلام نقله موقع إخباري روسي عن مقالة في مجلة"فورين بوليسي"(FP) الأميركية تحدثت فيه عن رغبة إيران "في البقاء في سوريا إلى الأبد"، وأنه ليس غير الهزيمة العسكرية التامة للحكومة السورية تجبر إيران على مغادرة سوريا .  وأُرفقت المقالة بمعطيات عن عدد القواعد الإيرانية وقواعد حزب الله في سوريا ، وعن حجم إنفاق إيران واستثماراتها فيها. وخلصت إلى القول ، نقلاً عن خبير جامعي ، بأن الإيرانيين لن ينسحبوا من سوريا ، بل قد يوافقون على تنازلات تكتيكية تحت ضغط الجانب الروسي من أجل تهدئة الوضع ، إلا أنهم موجودون في سوريا لتحقيق أهداف استراتيجية إقليمية .

لم يخرج كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم في المؤتمر الصحافي ، الذي عقده السبت الفائت أيضاً ، عن سياق الخطاب الإيراني المناور والمناوئ ، في آن معاً ،  للإتفاق الروسي الإسرائيلي ، الذي يهدف ، حسب الإعلام الروسي ، الى توفير الغطاء لعودة النظام السوري إلى المحافظات الجنوبية . فقد اعتبر المعلم ، كما يبدو ، أن الظروف مؤاتية لكي يطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها ، ليس من قاعدة التنف فحسب ، بل ومن كافة الأراضي السورية ، وحينها "سنتحدث عن إتفاقية بشأن الأمن في جنوب سوريا" .

لم يكن من الصعب ملاحظة "التغيير"، الذي طرأ على خطاب النظام السوري ، خاصة بعد إشادة الرئيس الأسد ، في مقابلته مع قناة التلفزة الروسية
(روسيا اليوم) "RT" ، "بحكمة القيادة الروسية" في تفادي المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في سوريا . وكان النظام قد قام قبل أيام من المقابلة بحركة قدرتها موسكو عالياً ، وتمثلت  بالإعتراف بكل من أبخازيا وأسيتيا الجنوبية ، واعتبرتها بمثابة "اعتراف بالجميل " من قبل الأسد ، سيما وأنها لم تطلب ذلك منه ، حسب تأكيدها.

لقد اعتادت موسكو على التحولات ، التي تطرأ على الخطاب الإيراني والسوري تجاهها في كل مرة ، تفترق الأولويات معهما . والسبب لا يعود ، كما يبدو للوهلة لأولى ، إلى الطرفين السوري والإيراني فقط ، بل يعود أيضاً إلى التذاكي ، الذي يمارسه الكرملين في تعاطيه مع  الجميع في المنطقة ، حيث يحدث بوتين كل زعيم بما يريد هذا الأخير أن يسمعه منه . لكن هؤلاء بدورهم يحدثونه ، على الأرجح ، بما يريد أن يسمعه هو منهم أيضاً . فالإيرانيون والسوريون يقولون لبوتين ، بأن "كل الأمور على مايرام" ، لكنهم يخربون خططه في نهاية المطاف ، كما يقول أحد خبراء المجلس الروسي لشؤون الشرق الأوسط. ويتساءل كم مرة حاولت روسيا عقد صفقة مع الولايات المتحدة أو تركيا ، لكن سوريا وإيران كانتا تقدمان على تصرف إستفزازي ما وتحبطان الخطط الروسية.

وهذه المرة ليست استثناءاً، في ما يتعلق بالصفقة الروسية الإسرائيلية الراهنة حول انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من الجنوب السوري .

تعتبر موسكو، أن ما تمكنت من تحقيقه في الإتفاقية الروسية الإسرائيلية "يقارب المستحيل" ، حسب صحيفة الكرملين "VZGLIAD" ، وقد يكون " الإنجاز الأكبر" للدبلوماسية الروسية خلال الاعوام الثلاثين عاماً الأخيرة ، حيث تمكنت من استبعاد عامل التناقض الإيراني الإسرائيلي من الصراع السوري .   وتساءلت الصحيفة عن ما إذا كانت روسيا قد اضطرت إلى الإقدام على "خيانة حليفتنا إيران" في سبيل ذلك.

وفقاً لهذه "الإتفاقية السرية" لن تعرقل إسرائيل استعادة دمشق سيادتها على الجزء الجنوبي الغربي من البلاد حتى الحود المؤقتة في هضبة الجولان ، وسوف تسمح بتواجد فصائل فلسطينية في المنطقة ، وخاصة لواء القدس. أما روسيا فتضمن أن لا تنتشر في محافظتي درعا والقنيطرة سوى وحدات الجيش النظامي المكونة من العلويين والمسيحيين والسنة والتشكيلات المختلطة . ولن يُسمح بانتشار الشيعة هناك من الوحدات النظامية الإيرانية ووحدات الحرس الثوري وحزب الله .

إضافة إلى ذلك، سوف تتولى موسكو الدعوة العلنية إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية ، بما فيها القوات الإيرانية والتركية . وقد تم التوصل إلى هذه التوافقات في 9 أيار/مايو المنصرم في موسكو ، أثناء اللقاء بين فلاديمير بوتين وبنيامين نتانياهو ، على أن يتولى وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الإتفاق النهائي على بعض التفاصيل مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في اللقاء ، الذي تم بينهما الأسبوع المنصرم .

الصراع السوري ، حسب الصحيفة ، هو صراع شبيه باللعبة الروسية الشهيرة "ماتروشكا" تتداخل بين بعضها البعض عدة "حقول تناقضات" ، لا تشكل القضايا السورية الداخلية سوى الجزء اليسير منها فقط . وإسرائيل سوف تحصل ، وفق هذه الإتفاقية ، على ضمانة حقيقية بعدم تواجد قوات إيرانية وشيعية بشكل عام على حدودها ، مما يسمح بإلغاء عامل التناقض الأكثر هدماً ، أي الصراع الإيراني الإسرائيلي .

أما في ما يتعلق بالموقف الأميركي من هذه الإتفاقية ، فهو غير معروف ، أو غير موجود ، حسب الصحيفة . فالولايات المتحدة لم تكن مستعدة لمثل هذا التحول في الأمور، ومستوى السرية ، الذي تمت المحافظة عليه ، ليس في موسكو ودمشق فقط ، بل وفي تل ابيب أيضاً ، هو أمر مدهش ويشير إلى أن إسرائيل كانت جدية للغاية في موقفها حيال الإتفاقية مع موسكو ودمشق .

لكن هذا ليس مهماً ، برأي صحيفة الكرملين، بل المهم أنه عقدت أول اتفاقية إقليمية كفيلة بتخفيض مستوى التوتر في المنطقة من دون أن تمس ، برأيها ، بحق سوريا كدولة مستقلة . وإذا ما سارت الأمور كما هو مخطط لها ، تكون الدبلوماسية الروسية قد حققت أكبر نجاح لها في الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاثين الأخيرة ، حسب الصحيفة ، التي لم تلتفت كثيراً إلى عمق "الخيانة" ، التي تساءلت حولها ، وألحقها هذا النجاح بالحليف الإيراني .

ويبدو أن سوريا سوف تشهد في المرحلة الجديدة ، التي بلغتها المقتلة السورية ، الكثير من هذه "الخيانات" بين الحلفاء في معرض تحقيقهم لانتصاراتهم على بعضهم البعض ، والتي يدفع ثمنها الشعب السوري مزيداً من الدماء ومزيداً من دمار ما تبقى من حواضره وعمرانه .





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها