الجمعة 2018/10/05

آخر تحديث: 07:02 (بيروت)

هل تنسحب روسيا أم تبقى؟

الجمعة 2018/10/05
هل تنسحب روسيا أم تبقى؟
increase حجم الخط decrease

ثلاث سنوات انقضت على انخراط روسيا في الحرب السورية، أعلنت خلالها عن "انتصارات" كثيرة ، وبدلت مهامها أكثر من مرة. وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات، وكل هذه "الإنتصارات"، لا يزالون في روسيا ، من خارج دائرة الكرملين وإعلامه، يبحثون عن سبب انخراطه في المقتلة السورية وعن مصلحة روسيا في ذلك. وهم يذكرون أن الكرملين، وقبل دخول هذه المغامرة بأسابيع، اعلن في 4 آب/ أغسطس العام 2015 أن مشاركة القوات الروسية في النزاع السوري "ليست واردة"، وأن القوات الجوية الروسية لن تشارك أيضاً مع الولايات المتحدة في مهاجمة مواقع "الدولة الإسلامية".

لكن سرعان ما تغير تأكيد الكرملين هذا، واصبحت "العملية العسكرية حتمية" في سوريا، ومصالح روسيا القومية تتطلب مساعدة رئيس سوريا الشرعي بشار الأسد في الحرب على الإرهابيين، "وإلا سوف ينقلون نشاطهم إلى داخل روسيا"، كما يقول الكاتب في أسبوعبة "New times" المعارضة إيفان دافيدوف في حديثه عن "العملية السورية" في عامها الثالث.

وهكذا تمت الصياغة الرسمية الأولى لمهمة الحرب في سوريا، بأنها حرب على الإرهاب "في الأصقاع البعيدة"، وهي الصياغة، التي تستمر البروباغندا الرسمية في استخدامها حتى الآن. وتعززت هذه الصياغة حينها بتأكيد الكرملين، أن عدد الروس الذين يحاربون في صفوف "الدولة الإسلامية" يتزايد "كل ساعة، وليس كل يوم"، حسب دافيدوف.

وعلى الرغم من أن الصياغة الأولية هذه لا تزال "صالحة للإستخدام" الدعائي، على قول الكاتب، إلا أن التركيز أخذ يتحول تدريجياً عن "الدولة الإسلامية " كعدو الرئيسي، وتحل مكانها الولايات المتحدة، التي تساند المعادين للأسد، أي القوى الإرهابية ، برأي روسيا، التي تعتبر أن الإرهابيين وحدهم يمكنهم الوقوف ضد الرئيس الشرعي بشار الأسد.

لم تصبح سوريا نقطة للتصالح مع الغرب، كما كانت تروج بروباغندا الكرملين في بداية الحملة السورية، بل غدت مصدراً إضافياً للمشاكل وللعقوبات، وعجزت عن تغطية الصراع الأوكراني، وإجبار أوروبا والولايات المتحدة على نسيان العدوان الروسي، على قول الكاتب.

إعلام الكرملين يرى أن روسيا، حين انخرطت إلى جانب الغرب في محاربة الإرهاب في سوريا، كان تموضع القوى واضحاً وبسيطاً، حيث قوى الخير تصارع قوى الشر. لكن، وبعد مضي ثلاث سنوات وجدت روسيا نفسها تحارب على جبهتين، إذ كان شركاؤها الغربيون، خلال هذه السنوات، يضعون العصي في عجلات "آلة الخير" الروسية، على قول صحيفة "KP" الموالية للكرملين. وفي إشارة منها إلى إسرائيل، تقول بأن الأمر قد بلغ حد اضطرار روسيا إلى حماية نفسها بأنظمة الدفاع الجوي من "أصدقاء الأمس"، الذين لم نختلف معهم نهائيا"، لكنهم تركوا أثراً سيئاً جدياً. غير أنه لا جديد تحت الشمس، وليست المرة الأولى، التي تتصدى فيها روسيا "للعالم المتمدن"، سواء كان في مقر الأمم المتحدة، أو في نيويورك، أو في سماء منطقة العمليات الحربية.

وفي إشارة إلى مصلحة روسيا في انخراطها بالمغامرة السورية، وفي رد على انتقادات الليبراليين الروس، الذين ينفون أية مصلحة لروسيا في "مغامرة الكرملين" هذه، يقول أحد مواقع إعلام الكرملين "versia"، أن بشار الأسد قد "أهدانا الشرق الأوسط، فهل نرفض؟". وبعد أن يتحدث الموقع عن استخدام سوريا ميداناً لاختبار الأسلحة الروسية وتطويرها، مما زاد في مبيعاتها، حيث "يقفون بالصف" لشرائها، واكتساب الجيش الروسي خبرة قتال ميدانية، يقول الموقع، أنه حين دعا بشار الأسد الجيش الروسي لمساعدته، "قدم لنا هدية لا تقدر بثمن"، لكن هذا ما لا يلاحظه "ليبراليونا"، كما يبدو.

في إطار هذا السجال المحتدم هذه الأيام، حول انخراط روسيا في الحرب السورية، بين إعلام الكرملين والمعترضين على زج روسيا في هذه الحرب "التي "لا علاقة لروسيا بها"، كتب موقع "kaspaov" المعارض مقالة تحت عنوان "ثلاث سنوات من العمل لصالح إيران والأسد" تحدث فيها عن كلفة "الإنتصارات" الروسية في هذه الحرب. يقول الموقع، أنه منذ أن بدأت العملية العسكرية الروسية في سوريا منذ ثلاث سنوات، ليس من المعروف كم من النقود قد أنفق، وما هي الخسائر الفعلية في القوى الحية والمعدات، وكم قتل من السكان المدنيين بسبب قصف الطيارين الروس. "إنها فعلاً ، حرب مجهولة في روسيا".

ويقول الموقع، تفاخر بروباغندا الكرملين وهي تعلن أنباء نجاحات القوات الروسية في سوريا، وتعلن استقرار الوضع، والإنتصار على المقاتلين، وتعزيز نظام الأسد. لكن ماذا تكلف هذه الإنجازات العسكرية، وما الفائدة، التي عادت بها على روسيا؟ لقد ساعدت إيران وساعدت الأسد، وليس غير.

إن المشاركة العسكرية في الحرب السورية، وما أسفرت عنه من قتلى وجرحى، أصبحت سبباً إضافياً لهدر الموارد، التي تحتاجها روسيا بشدة لأهداف أخرى، لأهداف إجتماعية. وقد غدت هذه المشاركة سبباً آخر لتدهور العلاقات مع الغرب، وتقليص الموارد لتحديث البلد. هذا إضافة إلى أن الآمال الساذجة بإنعقاد "يالطا جديدة" لم تتحقق.

أما ما سيحدث لاحقاً لروسيا في سوريا، فلن يحدث أي أمر جيد، برأي الموقع، بل سوف يحدث ما حدث في أبخازيا ودنيبروبتروسك وأوسيتيا الجنوبية وشرق أوكرانيا، والقرم، إذ سوف يتعين على روسيا أن تنسحب منها بعد بوتين. فلا قدرة لها للإحتفاظ بها ، بل لا سبب لديها للبقاء فيها.

ويقول موقع "snob" المعارض أيضاً، أن الحرب في سوريا هي، بالنسبة لروسيا "مغامرة لا معنى لها" ومن أجل طموحات غير محددة. ويناقش الموقع أصحاب الرأي، الذي يقول بأن لروسيا مصلحة في غاز سوريا ونفطها، وفي منع إيران وقطر من مد خطوط أنابيب إلى المتوسط عبر سوريا. ويقول إن الفرضيتين لا تصمدان أمام أي نقد، وغاز سوريا ونفطها كان، قبل الحرب الأهلية، بالكاد يكفي للإستهلاك الداخلي.

ويرى الموقع أنه ليس لروسيا أية مصالح إقتصادية، ولا مصالح غاز ونفط فقط. والآن، حين أتمت الحملة العسكرية الروسية في سوريا عامها الثالث، ينبغي البحث عن تفسيرات أخرى لبدايتها. ويتذكر الموقع، في هذا الصدد، خطابي الرئيسين الأميركي والروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 أيلول/سبتمبر 2015، أي قبل يومين من بدء العملية الروسية في سوريا. ويقول أنه، في حين ركز باراك أوباما على ضرورة مساندة الشعوب، التي تعاني من أنظمتها الديكتاتورية، وقف بوتين بحزم ضد "أولئك الذين يتطاولون على سيادة الأنظمة القائمة".

ويخلص الموقع إلى التأكيد بأن مغامرة السنوات الثلاث العسكرية بعيداً عن تراب الوطن، والتي سببها الوحيد هو الإستعراض السياسي ونفخ الصدور، لا تنضوي على أية فائدة، ولا تساعد في رفع هيبة روسيا. ونتيجتها ليست سوى خسائر بشرية وضرر مادي هائل للإقتصاد الوطني، الضعيف أساساً.

ومن موقع المستقل، بعيداً عن تأييد الكرملين أو معارضته، كتب المستشرق ألكسي مالاشنكو، الذي كان له غير إطلالة في "المدن"، يتساءل عن ما جنته روسيا وفقدته خلال ثلاث سنوات من مشاركتها في الحرب السورية. يقول مالاشنكو بأن المواطنين الروس يتساءلون لماذا كان ينبغي على روسيا أن تنخرط في النزاع السوري، وعلى الكرملين، عاجلاً أم آجلاً، أن يجيب على هذا السؤال.

وبعد أن يعدد مالاشنكو ما كسبته روسيا وما خسرته، يقول بأن نجاحات روسيا في سوريا والشرق الأوسط عموماً ترتكز على شخص واحد هو بشار الأسد، الذي من المستبعد أن يقبل من يأتي بعده المحافظة على كل هذه "الحميمية" في العلاقة مع الكرملين. ويشير إلى أن الكرملين قد بحث في حينه عن "أسد آخر" وسط النخبة السورية، إلا أنه لم يتوصل إلى شيئ.

وينتهي مالاشنكو إلى القول، بأن السلطات الروسية تقف أمام خيار إما الإنسحاب أو البقاء في سوريا. وإذا ما اتبعنا منطق السياسة الخارجية الروسية، فلا يمكن لروسيا أن تنسحب، وإلا لماذا خاضت كل هذه الحرب. وهذا يعني إذاً أن عليها أن تبقى، لكن إلى أين سيفضي هذا البقاء، يقول بان "هذا ما سنتحدث به بعد سنتين أو ثلاث".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها