الأربعاء 2018/10/31

آخر تحديث: 08:38 (بيروت)

رسالة من أميركا:نهاية ترامب

الأربعاء 2018/10/31
رسالة من أميركا:نهاية ترامب
جريمة بيتسبرغ جرى تناولها في سياق خطاب ترامب العنصري (Getty)
increase حجم الخط decrease
وصلت الولاية الأولى (وأمل أن تكون الآخيرة) لرئيس للولايات المتحدة دونالد ترامب إلى منتصف الطريق. في غضون عامين فقط، أحدث ضرراً لا يُصدق في الداخل والخارج من دون أن يتلقى أية عواقب، ولكن قبل أسبوع واحد فقط من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، يبدو أن قسوته وغروره وجهله قد تستمر معه حتى النهاية.
تراجعت سوق الأسهم الأميركية الأسبوع الماضي، محطمةً كل المكاسب التي كان ترامب يحتفي بها كدليل على أنه "جعل أميركا رائعة مرة أخرى". هذا على الأرجح بسبب إدراك المزيد من الناس أن فرض ترامب التعريفات الجمركية على الصين سيؤدي إلى فقدان وظائف وإلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الولايات المتحدة. لقد أثارت تعليقات ترامب غير اللائقة والعنصرية وخطبه خلال الجولات الانتخابية انتباهاً نقدياً متزايداً حيث صدمت جرائم الكراهية البلاد خلال الأسبوع الماضي.
قبل أربعة أسابيع فقط، كان ترامب يشعر بأنه لا يقهر: فقد كان سوق الأسهم يرتفع، وتم تثبيت مرشحه للمحكمة العليا القاضي بريت كافانو، في وجه الصعاب المذهلة وإرادة الشعب الأميركي. كان يستمتع بحملة انتخابية في جميع أنحاء البلاد، يهاجم "عدو الشعب" (وسائل الإعلام) ومخاطر الهجرة، ويقذف أهدافه المفضلة، هيلاري كلينتون وجورج سوروس، وسط التصفيق الحاد لحشوده. لا يزال كل من ترامب والحزب الجمهوري يشعران بثقة تامة بأنهما سيحتفظان بمجلس الشيوخ بعد الانتخابات التي ستجري في الأسبوع المقبل، وفي أعقاب جلسات الاستماع في قضية كافانو، يبدو أن الحزب الجمهوري قد يصمد أمام مجلس النواب أيضاً، بالنظر إلى أن قاعدة ترامب عززتها معارضة الديموقراطيين والحركات التقدمية لكافانو. ولكن بحلول منتصف الشهر، بدأت ثروات ترامب في الانزلاق، كل ذلك بسبب سلوكه الفطري وقصر نظره.
اختفاء الصحافي جمال خاشقجي المقيم الدائم في الولايات المتحدة، في تركيا في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، وفي وقت لاحق، كشف السعودية، حليف ترامب الرئيسي في المنطقة، بأن الصحافي المنشق قد قُتل في مبنى القنصلية في اسطنبول، حوّل فجأة الكونغرس ضد ترامب، كما أطلق بعضاً من أشد الانتقادات الإعلامية للرئيس.
محلياً، جعل هذا الرئيس يبدو سيئاً، لكن من منظور السياسة الخارجية، فإن ذلك يضع استراتيجيته في الشرق الأوسط موضع شك. كان جاريد كوشنر، وهو شاب مغرور لديه ذكاء مشكوك فيه ولا يعرف شيئاً عن الدبلوماسية أو التاريخ، يعلق كل آماله على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في وضع استراتيجية سياسة ترامب في الشرق الأوسط. والآن، أصبحت وسائل الإعلام الأميركية تطارد محمد بن سلمان كـ "السيد منشار العظام"، وتنشر رسوماً كاريكاتورية لولي العهد وأيديه ملطخة بالدماء. لقد ظل كوشنر بعيداً عن الأنظار، كما أن ترامب لا يُسمع صوته حتى عندما يقال أن انتصارات إدارته الكبيرة في الشرق الأوسط ينظر إليها الآن على أنها مضحكة وفارغة.
لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يجتذب الانتباه، وقد قال مؤخراً عن الولايات المتحدة، في سياق خطاب حول السياسة الخارجية، إن "الإمبراطوريات غالباً ما تعتقد أنها تستطيع ارتكاب بعض الأخطاء البسيطة... لأنها قوية للغاية. ولكن عندما يتزايد عدد هذه الأخطاء، فإنها تصل إلى مستوى لا تستطيع تحمله... يمكن لأي بلد أن يفهم من الإفلات من العقاب أنه يمكنك فعل أي شيء. هذه هي نتيجة الاحتكار في عالم أحادي القطب... لحسن الحظ هذا الاحتكار يختفي. أوشك على الإنتهاء".
في غياب أي لياقة أو حشمة في واشنطن، اتخذت المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا الصدارة الدبلوماسية والأخلاقية العالية في قضية خاشقجي، وبرزت تركيا كحاملة لواء العدالة الدولية وحقوق الإنسان في المنطقة. حتى نتنياهو استنشق تغييراً في الهواء، وظهر فجأة في مسقط، ربما يبحث عن بديل خليجي لولي العهد السعودي. كل ما يمكن أن يركز عليه ترامب هو المال: كانت مبيعات الأسلحة للسعودية جيدة للأعمال، وبالتالي كانت جيدة لأميركا. حتى قادة الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ انقلبوا ضد الحسابات الأخلاقية القاصرة للرئيس.
لكن دراما أكتوبر التي لا تلين لم تنتهِ بعد. كانت أهم أخبار الأسبوع الماضي القنابل الأنبوبية التي أرسلت بالبريد إلى أكبر نقاد ترامب، بدءاً من ممول الديموقراطيين جورج سوروس، ثم هيلاري وبيل كلينتون، "سي إن إن"، وعدد من ممثلي الكونغرس والمسؤولين الفيدراليين السابقين، روبرت دينيرو، نائب الرئيس السابق جو بايدن، ممول تقدمي آخر لمرشحي الحزب الديموقراطي توم ستير في كاليفورنيا. انفجر الغضب المكبوت منذ وقت طويل في الإعلام بعد أن استُهدفت قناة "سي إن إن" بمفخخة البريد الغامض، خاصة لأن أحد الأشياء الحارقة التي يشجع ترامب جمهوره على التنديد بها أثناء حشد الناخبين هو "CNN Sucks!"(سي أن أن مقرفة).
انتقدت الشبكات (باستثناء قناة "فوكس نيوز") ترامب، وربطت بعمق بين لغته المبتذلة وبين عملية استهداف الأفراد الذين يهينهم باستمرار. وضاعت في مشاجرات وسائل الإعلام على خلفية القنابل الأنبوبية، جريمة أخرى من جرائم الكراهية المروعة: إثنان من الأميركيين من أصل أفريقي قُتلا بدم بارد من قبل مطلق نار عنصري في محل بقالة في كنتاكي صرخ قائلاً: "البيض لا يقتلون البيض!".. القاتل تم رصده على كاميرات مراقبة في الآونة الأخيرة يحاول دخول كنيسة سوداء.
في رده على التغطية الإعلامية لجرائم الكراهية هذه، ألقى ترامب ومؤيدوه باللوم على الديموقراطيين، محاولين تصوير الطرود المفخخة على أنها خدعة ابتكرها اليسار لجعل ترامب يبدو سيئًا.. لم يكد الذعر يبدأ في قضية قنابل البريد المتفجرة، حتى انتهى فجأة باعتقال أحد مؤيدي ترامب في فلوريدا. وقد صودرت شاحنته الملغومة المليئة بالملصقات التي تبث آراءه العنصرية البيضاء ومعاداته للسامية. بعد نصف محاولة من قبل ترامب لتوحيد الأمة بخطاب أكثر ليونة وتناقضات غير مقنعة حول الكياسة، عاد ترامب إلى مسار حملته الأصلي، وعاد يتصرف بشكل نحاسي ويحشد قاعدته، التي واصلت الصراخ "أقفل على هيلاري!" و"CNN SUCKS!".
ثم جاءت النشرات الإخبارية التي صدرت صباح السبت عن إطلاق نار جماعي في بيتسبرغ (مسقط رأس الكاتبة). إن القتل الجماعي بواسطة السلاح شائع الآن في الولايات المتحدة لدرجة أنه لا يبدو كحدث إخباري كبير بعد الآن، خاصة بعد أربعة أيام من تغطية طرود البريد المفخخة.
سرعان ما أشارت التقارير التي تم نشرها إلى أن إطلاق النار كان مروعاً خصوصاً في سياق رسالة ترامب القومية والمتعصبة: لقد أطلق النار مسلح يصرخ "كل اليهود يجب أن يموتوا!".. اقتحم كنيساً وأطلق النار على المصلين باستخدام سلاح "AR-15". عندما وصلت الشرطة، أطلق المسلح النار على عناصرها أيضاً قبل أن يصاب ويقبض عليه. بحلول نهاية اليوم، شهدت الولايات المتحدة على أسوأ هجوم على اليهود في تاريخ البلاد: أحد عشر قتيلاً وعدد من الجرحى، من بينهم رجال شرطة. كان من الممكن أن تكون هذه المجزرة مرعبة في أي وقت، لكن في سياق تغريدات ترامب وأنصاره العنصرية والمعادية للسامية وهتافات جولاته، إتخذت القضية بعداً أشد خطراً. وقد جرى التضامن مع القتلى في كل مدينة كبيرة، وفي التعليقات والمناقشات التي تلت هذه الجريمة الشنيعة، لم يكن بالإمكان الفصل بين الاشمئزاز من فظاظة ترامب وإهماله، وبين الغضب والحزن على موت أناس أطلق عليهم النار بدم بارد أثناء الصلاة.
أمس، كتب العشرات من زعماء الجالية اليهودية في بيتسبرغ رسالة مفتوحة إلى ترامب يقولون فيها إنه لن يكون موضع ترحيب في بيتسبرغ إلى أن يتخلى عن وجهات نظره القومية وعنصريته البيضاء: "على مدى السنوات الثلاث الماضية، شجعت كلماتك وسياساتك حركة عنصرية بيضاء متزايدة. أنت نفسك وصفت بالقاتل بالشرير، ولكن عنف الأمس هو نتيجة مباشرة لتأثيرك... مجتمعنا اليهودي ليس المجموعة الوحيدة التي استهدفتها. لقد قوضت عمداً سلامة الأشخاص الملونين والمسلمين والأفراد المثليين والمعاقين. مذبحة الأمس ليست أول عمل إرهابي ناتج عن التحريض ضد الأقليات في بلادنا". وفي الوقت نفسه، جمعت الجالية المسلمة في بيتسبرغ أكثر من 190 ألف دولار لعائلات الضحايا.. يتساءل العديد من الناشطين والكتّاب اليهود اليوم متى يتكلم يهود أميركيون مثل الملياردير شيلدون أديلسون، الذي مكَّنوا ترامب وساعدوه، وينددون به وبكل ما يمثله.
لا أحد يجرؤ على القول: "لا يمكن أن يزداد الأمر سوءاً" في أميركا في الوقت الحالي. بعد كل شيء، هذا الشهر الرهيب لم ينته بعد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها