الخميس 2018/10/25

آخر تحديث: 19:40 (بيروت)

أردوغان يعاقب بن سلمان

الخميس 2018/10/25
أردوغان يعاقب بن سلمان
Getty ©
increase حجم الخط decrease
في تركيا لدينا تعبير يستخدم للمتعجرفين: أن يكون لديك "أنف في الهواء"، أي أن يعتقد مجرم أن بإمكانه أن يفلت من جريمة القتل في القنصلية السعودية في إسطنبول من دون أن يُعاقب، فإنه يشير إلى وجود "أنف في الهواء".
هناك تعبير آخر في تركيا عن فرك الأنف بالأرض، يعني تعليم التواضع لشخص ما باستخدام تجربة مهينة. هذا ما تفعله تركيا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولكن بطريقة دقيقة ومصممة بشكل جيد، حتى الآن.
من خلال التسريب البطيء لأحداث القنصلية، تهدف أنقرة إلى زيادة الضغط الدولي على السعودية وإبقاء انتباه العالم مركزاً على قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي. من ناحية أخرى، من المؤكد أنها لا تتبنى حملة رسمية ضد السعودية على الرغم من التنافس الإقليمي، بين أنقرة والرياض. تركيا مصممة على إلقاء الضوء على ما حدث، لكنها لا تزال تريد الحفاظ على علاقات ودية مع السعودية. ربما مع السعودية حيث لن يكون محمد بن سلمان ولياً للعهد بعد الآن.
عندما قال أردوغان، في خطابه الاخير، إن إلقاء اللوم على حفنة من أفراد الأمن والاستخبارات لن يرضي تركيا أو المجتمع الدولي، فقد أوضح بالفعل أنه يريد فضح الذين أعطوا الأوامر. وأضاف أن تركيا والضمير الجمعي للإنسانية يتوقعان من المملكة أن تحدد علناً جميع المسؤولين عن هذا الحدث. إنها في الواقع رسالة قوية إلى الملك سلمان: إذا لم يتصرف، فإن أنقرة قد تسرّب المزيد من المعلومات التي يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الضغط على المملكة وتزيد جرعة الخزي الذي يصيب شرعيتها الأخلاقية التي يجري التشكيك فيها. التسريبات السابقة، التي من المستبعد استمرارها إلى حد كبير في الوقت الحالي، تسببت ببدء الضغط الدولي على المملكة العربية السعودية ولن يتم إيقافه.
لقد أثّرت الأدلة التركية على السعوديين من نواحٍ عديدة. في البداية، قاطعت قائمة طويلة من قادة الشركات الكبرى مؤتمر الاستثمار السعودي المستقبلي. في عيون الكثيرين في أوروبا، لم تعد السعودية اليوم سوى دولة قبيلة وحشية. الهجوم الأكبر استهدف الدعاية "الجيدة للزعيم الإصلاحي محمد بن سلمان" والتي تم تمويلها بشكل سخي. بدأ عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالفعل مناقشة معاقبة المملكة، لكننا قد لا نرى ضربة حقيقية إلا إذا أدار ترامب ظهره لبن سلمان، وهو أمر غير مرجح في الوقت الحالي. 
ومع ذلك، جعلت تركيا حتى ترامب يفهم أنه إذا استمر في محاولة حماية ولي العهد، فهي قد تسرب المزيد من الأدلة، وبالتالي تضع ترامب في موقف المدافع عن قاتل. فيما أشار الرئيس الأميركي إلى أن الإدارة الأميركية قد تتخلى عن بن سلمان بقوله إنه من المعقول أن نفترض "أنه قد يكون هو" نظراً لدوره كزعيم فعلي للسعودية.
حتى لو تركت تركيا أنف بن سلمان في الهواء لأي سبب من الأسباب، فإن معسكر المتمسكين بالوضع الراهن في الشرق الأوسط معادٍ لتركيا الساعية للتغيير. وبالتحديد قامت مصر وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والسعودية بالفعل بهجوم جاد. وذلك رداً على الهجوم التركي الذي كان قوياً لدرجة أنه غيّر بالفعل التوازن في المنطقة لصالح أنقرة التي تتمتع بدعم الضمير الجمعي للإنسانية بشكل لم يسبق له مثيل أبداً.
ومع ذلك، لا ينبغي أن نتوقع أن تحاول أنقرة كسر الأنف الذي تفركه بالأرض. لن تسمح لهذا للقاتل بالنجاة، وسوف تستمر في استغلال هذه الفرصة لإظهار أن السلطة الحقيقية هي في أيدي أولئك الذين يبحثون عن تغييرات في الشرق الأوسط، لكنها لن تتصرف مثل "فيل غاضب في الغرفة" لأن أداء مناهضي التغيير في المنطقة خلال الربيع العربي جعل تركيا تدرك حدود قوتها الحقيقية وتتصرف بطريقة هادئة كذلك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها