الأربعاء 2015/09/30

آخر تحديث: 18:26 (بيروت)

بتأمر معلِّم

الأربعاء 2015/09/30
بتأمر معلِّم
(غيتي)
increase حجم الخط decrease

ما إن يدخلك الوالد الكريم الحريص على مستقبلك لعند شيخ الكار لتتعلم كار تحفظ نفسك فيه حتى يبادرك المعلم بإصدار الأوامر، فتركض ملبياً بتفانٍ غير مسبوق لديك، وتحضر له كوب الماء بأحسن حلة بعد أن ليَّفتَه ولمّعته.

ولكنكَ لا ترى في عينيه علامات الرضا، فيقول لك قائلٌ صانعٌ قبلك في هذه المصلحة أن تتلقى الأمر وتبادر إلى قول ( أمرَكْ معلِّم)، كي يهنأ باله بأنك رهن إشارته بالأقوال والإقرار والإعتراف اولاً، وبالتنفيذ ثانياً، بل من الممكن أن "تمرِّق" عليه شغلة التنفيذ هذه. لكنك لا تستطيع "تمريق" الأمر بدون الأمرك معلمي هذه، فتستغرب عزيزي الصانع. لكن يمكنك أن تقول: أمرك معلم،  وتذهب بعيداً وتستريح حتى يستعوقك ويصرخ: أين الماء ؟! فتصرخ من بعيد: أمرك معلم. وتنقعه خمس دقائق أخرى، فيعود ويصرخ فتصرخ وأنت قادم بالماء ومبتسماً ابتسامة الموناليزا التي لن تعطي فيها لا حق ولا باطل: أمرك معلمنا وهي المي، ونظراً لأنه عطشان ومتلهف لبل قلبه النشفان فإنه لن يوبخك، بل سيتلقفك، وسيتلقف من أناملك السحرية الماء، رغم أنك أخَّرته عليه أضعاف الوقت المعتاد، وسيشرب فيهنأ، وينسى كل ما بدر منك من إزعاج، لأنه في علم الحواس بيطلعوا المعلمين عندنا من السمِّيعة، من جماعة حاسة السمع.. اللي بيحبوا يسمعوا حدا عم يقول لهم : أمرك معلم.

وإذا حسبتها أكثر فستجد أن النظرية الصحيحة هي أن المعلم لم ينس معاقبتك، لا.. بالعكس، المعلم كان مبسوط منك كتير، خصوصاً أنك رددت له كلمة ( أمرك معلم) ست سبع مرات، وهي الكلمة التي لا يشبع منها، بينما شرّبته الماء لمرة واحدة وبعد أن هلكته من العطش، وأذللته بالطلب حتى لوكان على صيغة أمر، ونشّفتَ له حلقَهُ، وبحَّحتَ له صوتَهُ، وضيّقتَ له خلقَهُ، ونمَّلتَ له فخذَهُ، وبخَّرتَ له ريقه، وأفقدتهُ بريستيجهُ، وأطفأتَ بريقَهُ.

نعم.. كان منكَ مبسوطاً، لأنك قلتَ له: أمرك معلم.. وبتأمر يا معلمنا... وأمُّورَك أنا.. وبأمر شواربك. وباقي دندنات الطنبرة والقبع الذي ما بينزل لا بميزان ولا بقبّان، طنبرة معلمَكْ جزء من الكار، وبعدين رح ياخد لسانك وتصير تطنبر الجيران. ما في حدا ما بيحب حدا يطنبره، يعني ينفخ فيه، يعني يعبّي له راسه، حتى لو على فاشوش، حتى لو مجرد كلام، بل وستتسابق الجمل الأمرية فيما بينها.

كأن يقول لك كرسون مصري بلهجته المحببة بعد أن طلبتَ منه كاسة شاي ( أحلام سعادتك أوامر يا بيه)، أو أن ينظر إليك البائع ويقول بشكل أوتوماتيكي ( أمرني معلمي)، أو أن يقول لك الدلال في المكتب العقاري ( خدّامك)، ويطريها بائع الجينزات ( خدّام الأكابر نحنا)، أو أن يقولها منفاخ مضطراً لمنفاخ أضخم منه ( أمرك معلم) وهو يبرم شواربه ويشخص من فوق لتحت على أنه عكيد وأن الأمرك معلم هذه ما قلناها إلا لأننا معلمين مثلك، حتى فريد الأطرش انتسب إلى نادي المأمورين ولكن العاشقين فقال ( بتأمر عالراس والعين ) في ضرب من ضروب طنبرة النساء ونفخهن للحصول على قلوبهن ولحمهن وحليبهن. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب