الأربعاء 2014/10/22

آخر تحديث: 14:55 (بيروت)

مدارس الجهل

الأربعاء 2014/10/22
مدارس الجهل
increase حجم الخط decrease

للجهل مدارس وجامعات. للجهل مكاتب وشركات. للجهل أقلام، للجهل دفاتر، للجهل قراء ومفسرون، للجهل علماء. للجهل معامل تنتج. للجهل مداجن تفرِّخ. للجهل أسياد وفلاسفة. للجهل مريدون خلفه يسيرون. وبسيفه يلوحون، ولكذبه يروجون.

للجهل أنصاب وأزلام. للجهل أقوال. وللجهل تلك القوة التي تلطخ الحقيقة بالإرتياب. للجهل تلك القدرة على حجب الشمس بالغربال.. لكن لِآنْ، فالمعرفة هي سيدة الكون، هي الجمال المطلق، وهي القوة المستديمة التي يعصى على عباقرة الجهل تحطيمها، وهي السند الخفي البطيء للأرواح المنهكة، وهي الوقود للثورة على أي طغيان. هي الزاد، هي معنى الوجود ومغزاه. فالمعرفة هي الطريق إلى الجوهر، المعرفة هي شمس الوصال ونور الحب، والجهل هو آمر الفراق وعفن الكراهية، والجهل هو سلاح الطغاة، هو سيف يقطع فيه الباغي الطرقات داخل كل ذات.

وللجهل منتوجات: طوائف وفرق ومذاهب وأديان وأعراق وقوميات ودروب وطرقات. للجهل جماعات. للجهل خلايا. للجهل شلالات من الذهب والماس، ينابيع من الطاقة وأنهار. وللجهل بحار، ومنها بحر الظلمات. ما إن تدخله حتى ترى الأهوال، ترى الإنسان المسكين بكامل قواه يقف في وجه الحياة، بجبروت لا مثيل له فيما رأيتَ، بإخلاص وتفان، في يده أسلحة الدمار، أسلحة القتل، أسلحة إلغاء كل ما له علاقة بالحياة، بدءاً من صراخ الطفل الوليد، وانتهاء بابتسامة الشيخ، ومروراً بضحكات الإنسان، ومروراً بالمحبة بين الناس، ومروراً بالثقة بين الناس، في يده آلة الفناء.

لكن ما يمنعه من كبس الأزرار كلها قوة في داخله اسمها حب الحياة. لذا فهو واضح في طلبه، هو يريد الحياة فقط له، يريدها مسخَّرة له، يريد أن يكون حاكماً على الطبيعة والإنسان، يريد أن يكون إلهاً. جنّ الطغاة، لم يحملهم عقلهم، والمجنون لا ينتصر، فقط يظهر للبشر ما لا يخطر بالبال من فظائع وأهوال، فقط يدخل الرعب إلى قلوب الناس للحظات، ثم يدخل كتب التاريخ كمثال على جنون البشر وهم يتمثلون شخص الإله، كنموذج من نماذج الجهل الأكثر تجذراً في النفس البشرية. الجهل الذي يقود معركة التسلط بواسطة نشر فكره بين الناس، نشر الظلام، نشر قيم الحسد والتملك والأنانية، نشر قيم الطمع والجشع والفساد.

وللجهل في هذا مدارس وجامعات، وللجهل في هذا مكاتب ودوائر وشركات، وللجهل ممالك من النفائس والتحف والمجوهرات.. وللجهل قبضة من حديد وأقفال، وللجهل سجن جوال. قضبان يحبسون خلفها المعرفة والمحبة والجمال. وللجهل حراس، يقتلون من يشاؤون، وبالطريقة التي يشاؤون، ولهم مراكز في كل الأنحاء، ولهم وكلاء، ولهم سفراء، ولهم هيئات ومنظمات، ولهم تلفزيونات وصحف ومجلات، ولهم الجنود الأوفياء الذين يجرّون خلفهم القطعان.

الجهل يصنع التاريخ الآن، والجهل سيد التاريخ الآن، بل إن الجهل هو من يكتب التاريخ الآن، فالتاريخ يكتبه المنتصرون، والجهل لم ينتصر فقط، بل إنه السيد الآن، لذلك فهو يخط التاريخ بحروف من ذهب، يرصع المجال الذي حول أسمائه بنثار المعادن الثمينة، برذاذ الجوهر. لكن المعنى لم يكن هنا، لم يكن الجوهر، كان الزيف. فإذا كان الجهل مدوناً للتاريخ، فإن المعرفة تكتب الحياة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب