الأربعاء 2015/01/28

آخر تحديث: 19:25 (بيروت)

الخروف

الأربعاء 2015/01/28
الخروف
increase حجم الخط decrease

الخروف حيوان أليف جاهز للذبح دائماً. ومن هنا درجت تسمية بعض الفئات من المجتمع بالخواريف. والخروف البشري هو ذلك الشخص الممتلئ "مادياً" والذي يخورفه شخص آخر مفلس ولكنه يحب "البسط والسهر"، ومن صفاته أن دمه خفيف لدرجة أن الخاروف نفسه لا يستغني عنه لأنه يملأه سعادة وحبوراً.

من هنا تبدأ العلاقة بين الخاروف والجزار، فالخروف يبحث بماله عن السعادة أو مجالسة المشاهير أو منادمة المثقفين.. الخ. لذلك فهناك أنواع من الجزارين أو المخورفين حسب ميول الخواريف تحديداً، فهذا خروف يحب الشعر فتجد شاعراً حديثاً أو قديماً يخورفه ويجعله يدفع الحساب في السهرات ويعطيه المال دون حساب بل ويطبع له مجموعاته الشعرية بعد أن يُدخِل الشاعر الجزار في رأس الخاروف أنهما كالمتنبي وسيف الدولة.

ويمكن للخروف أن يحب فتاة من الفتيات الجزارات فتأخذه إلى بيروت أولاً كي يشتري لها ثياباً جديدة فهي ليست بـ (...) حتى تقبض منه نقداً، ثم تجبره على أخذها للسهرة يومياً بصحبة أختها وبنت خالتها وبنت عمة أمها وصديقها الخفي الذي يسهر معهم على أساس أنه ابن خالة أبيها.

وتبدأ العائلة "التقية" بمدح الخروف بداع ودون داع حتى يصبح رأسه بحجم سد زيزون قبل انهياره أيام اللي كنا عايشين على قولتهن. ويتبارز "الغراسين" في المطعم باختراع الألقاب للخروف، فهذا يقول له بيك وذاك باشا إلى حين. وهذا الحين هو عندما يُذبَحُ الخروف تماماً ويفلس، عندها تختفي العائلة التقية وتختفي ابتسامات "الغراسين"، بل ويتحول "الغرسون" إلى ذئب يطرد الخاروف السابق من المطعم دون رحمة أو شفقة.

ويرزح الخروف تحت "نير" الديون.. مَن علّمني كلمة نير هذه؟!.. وينتهي به الأمر إلى عدرا في السجن أو المساكن العمالية لا فرق، وهناك يتذكر الخاروف أيامه السعيدة وهو يأكل الخبز والماء على اعتبارهما طعام العلماء..

ومن تقاليد "الخورفة" ألا يأخذ جزار من جزار آخر خروفه، ولكن هناك من لا يأبه بهذه التقاليد، لذلك تجد الجزار جالساً بجانب الخاروف في سهرة جماعية سيسدد الخاروف فيها فاتورة مضاعفة عدة مرات لأن "الغرسون" له حسابه أيضاً، طالما أنه يقول للجزارين بيك وباشا ويخترع لهم تاريخاً وهمياً كانوا يرمون فيه النقود رمياً على الطاولة، ولكن الزمن غدر بهم كما سيغدر قريباً بالخروف الحبيب.

وهناك تقليد آخر بين "الغرسون" والجزار، فالجزار عادة مفلس والديون متراكمة عليه في مطعمه المعتاد. هذه الديون لن يسددها إلا خاروف جديد، فما إن يطلب الخاروف الحساب حتى يبادر "الغرسون" ويسأل الجزار بصوت يسمعه الخاروف طبعاً "والحساب القديم نجيبه سيدنا"؟!.. هنا ينتخي الخاروف ويقول للكرسون "هاته"، ولكن الجزار يقول بصوت جهوري: "لا والله ما بيصير". ولكن الخاروف الثمل يصر فيأتي "الغرسون" سعيداً بالحساب القديم.. وهو يقول: "اللي ما لو قديم ما لو جديد".

أمَّا عندما يأتي جزار بخروفه ويساهره مع مجموعة جزارين فإنه يحافظ على خروفه بيديه ورجليه وقد ينزرك وينحصر ويحتاج الدخول الى "التواليت". ولكنه لا يغادر الطاولة خوفاً من أن يتبادل خروفه أرقام الهواتف مع أحد الجزارين الجالسين، كما أن الجزار يبدي حرصه على أموال الخروف فينبهه دائماً وهو يقول له: "صديقك اللي بيبكيك مو يللي بيضحكك"، وبالطبع فإن هذا الصديق سيُبكي الخروف كثيراً وخاصة بعد انهياره وإفلاسه.


 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب