الأحد 2014/08/31

آخر تحديث: 16:52 (بيروت)

دراما لبنان: السيناريو المفقود

الأحد 2014/08/31
دراما لبنان: السيناريو المفقود
سيرين عبد النور ومكسيم خليل في لقطة من مسلسل "روبي"
increase حجم الخط decrease

تشهد الدراما اللبنانية منذ سنوات، نجاحات ملحوظة، وإنتشاراً عربياً لبعض نجوم التمثيل في بلدنا، ما دفع بمنتجين غير لبنانيين لتخصيص ميزانيات وأرقام لم نكن نسمع بها سابقاً، وتقديم مسلسلات مشتركة مصرية - سورية - لبنانية.

حققت هذه الأعمال المشتركة، نسب مشاهدة عالية، لما فيها من أمور جديدة على المشاهد اللبناني والعربي، في طريقة الاخراج والتصوير، والحبكة الدرامية، والجرأة في عرض بعض المواضيع، ومواقع التصوير الفخمة، وتنوع اللهجات. لكن هل يُبنى على هذا النجاح الجماهيري، لتأسيس مرحلة جديدة من الدراما؟ وماذا عن الأعمال اللبنانية البحتة؟

قد لا يلاحظ المتابع العادي أي مشاكل في ما تعرضه القنوات اللبنانية من مسلسلات، لكن المطّلع على الانتاج الدرامي العربي، يدرك مدى ركاكة ما يُقدّم محلياً، فالدراما اللبنانية تعاني أزمات عدّة.

تكمن المشكلة الأولى في كتّاب السيناريو والحوارات والمفردات التي تستعمل في المَشاهد. لغة لا تُشبه اللغة التي نتحدث بها في الشارع أو في الصالونات. لغة تبحث عن مفردات لا يستعملها الا الشعراء ومحبي اللغة العربية (وهم قلة). لا تعبر لغة المسلسلات في بلادنا عن حقيقة ما يدور في الشارع، ولا ما نقوله في حياتنا اليومية. يحاول بعض الكتاب تجميل لغتنا اليومية، وإضافة كلمات لا يستعملها الشباب في ما بينهم، ولا حتى كبار السن. قلة منهم درس كتابة السيناريو، ويعرف أصولها وتوجهاتها وسر الحبكة اللغوية الناجحة. والغريب أن بعض الممثلين كتبوا أعمالاً ووجدوا لها إنتاجاً وعرضوها، لكنها أظهرت نقاط ضعف كثيرة، أهمها: السيناريو. ثمة فرق كبير بين من يكتب لغة عربية سليمة، ومن يريد كتابة سيناريو، وليس كل من تخيل مشهداً وكتبه يصبح كاتباً درامياً.

المشكلة الثانية، تكمن في إبتعاد أعمالنا عن واقعنا، ومحاولة طرح مواضيع باتت مستهلكة كالحب والخيانة والجنس، والابتعاد عن أمور نعانيها يومياً كالفقر وغلاء المعيشة والطائفية وسيطرة الذهنية الذكورية في المجتمع، إضافة الى مواضيع اجتماعية كثيرة لم تطرح بعد كالزواج المدني وانقسام البلد والخيانات الاكترونية مثلاً أو موضوع العملاء الذين فروا الى فلسطين المحتلة بعد تحرير الجنوب.

يحاول بعض الأعمال التطرق إلى مشاكلنا، ولكن بطريقة بسيطة. من قال أن الكاتب لا يحق أن يبدي رأيه في مسلسل يكتبه، ويظهر الانقسام الحقيقي في البلد، ما بين مسلمين ومسيحيين، أو ما بين مذاهب مختلفة من الديانة ذاتها؟ وهل يعقل مثلاً أن تبقى الكاميرا في قصور فخمة أو شركات أو مناظر طبيعية جميلة؟ الطائفية ظهرت عرضاً في بعض المسلسلات، إنما مبتورة من سياقاتها وعنفها الواقعي. ظلت "حجّة درامية" لعلاقة غرامية يشوبها "الأكشن" والتشويق. حتى فساد الحياة السياسية والدينمايات الحزبية-الطائفية، تبدو، حين تمر في مسلسل، أقرب إلى حبكات المافيا الإيطالية او عصابات الافلام الأميركية. الخصوصية اللبنانية مفقودة، لأن أحداً لا يريد "المجازفة" بما قد يُفهم موقفاً سياسياً/مدنياً مناهضاً للوضع السائد الذي يعاني اليوم توتراً أكثر من أي وقت مضى. لم تدخل الكاميرا بعد فعلياً الى الأحياء الفقيرة. حاول مسلسل "روبي" أن يفعل ذلك، لكنه بقي على حافة الفقر، ولم يظهر تفاصيل الحي أو تصرفات ساكنيه، ولا قذارة هذه الأحياء.

ثمة حارات في لبنان لا تصل إليها المياه أو الكهرباء، ويسكنها أناس مهمشون لا يعرفون أن يعبروا أصلا عن مشاكلهم ولا ماذا يريدون. لا تزال هذه المناطق "خام" بالنسبة الى المشاهد، ومن الطبيعي أن تحوي عشرات المواضيع، حول العوز والفقر والذل، وعلاقات الحب التي تنشأ بين الروائح القذرة، والعذابات والجوع.

مشكلة العمال الأجانب في لبنان مثلاً، لم يتطرق اليها أحد بعد، وعنصريتنا تجاههم، وغالبيتهم تقطن مناطق فقيرة. ورغم أن اللبنانيين أول من دبلج مسلسلات مكسيكية، لكننا لم نتعلم منها كيفية التعامل مع الدراما في هذه الأمور، اذ تظهر في هذه المسلسلات المنازل الفقيرة، والخيم التي تسكنها فتيات جميلات، في انتظار فارس الأحلام. وكانت الدراما المصرية سباقة أيضاً في ذلك، حين عرضت مشاهد الحياة اليومية في الأحياء الفقيرة، والأعراس الشعبية ووسائل التنقل البدائية.

مثال آخر على ابتعادنا عن الواقعية في أعمالنا. في مسلسل "شوارع الذل" والذي يتناول مشاكل أطفال الشوارع وما يعانونه، هل يُعقل مثلاً أن تلعب ممثلة دور متشردة (لورا خباز)، وعلامات التجميل ظاهرة على ووجها، او فتاة ليل فقيرة (نيكول طعمة) وحقن البوتكس تملاً وجهها؟ وهنا تكمن مشكلة جديدة في سيطرة عمليات التجميل وحقن البوتكس على فنانات لبنانيات، ما يمحو الملامح والانفعالات ويفقد الممثلة قدرتها على الاقناع.

ومن المشاكل الأساسية في الدراما اللبنانية، اللامنطق في تشكيل المشهد. عرض منذ فترة مسلسل "10 عبيد صغار"، الذي عانى كثيراً من سوء السيناريو وضعف الافكار الاخراجية في تقديم مسلسل يقوم على التشويق والاثارة. وتدور فكرة المسلسل حول احتجاز 10 أشخاص في جزيرة معزولة لمعاقبتهم، فيعيشون حالات رعب وخوف وعذاب نفسي، ويُقتلون الواحد تلو الآخر، بحسب الجريمة التي نفذوها سابقاً. لكن في المقابل، لم نشهد أي ممثلة مبعثرة الشعر، وكن كل يوم يرتدين فساتين جديدة، ويستيقظن من نومهن بكامل أناقتهن مع مكياج مكتمل، والأناقة هنا تنطبق أيضاً على الممثلين. هل من الطبيعي مثلاً أن يقتنع المشاهد أن ثمة من يعيش خوفاً وحالة ترقب للموت في أي لحظة، يصرف وقتاً على التبرج أو اختيار ما سيرتديه اليوم؟

ويلاحظ المتابع لمسلسلاتنا، كثرة المشاهد الداخلية التي تصوَّر في قصور فخمة، أو في مطاعم تطل على البحر أو الجبل، أو في أماكن خضراء وأمامها اسطبل للخيل، لا نرى مثلاً من يطلب أو يأكل سندويشاً، بل دائماً يجب أن تضم المائدة ما لذ وطاب. أما المشكلة القاتلة، فتكمن في دخول نجوم الغناء وعارضات الأزياء وملكات الجمال الى الدرما اللبنانية، لكن قلة بينهن أثبتت موهبة في إقناع المشاهد، وقدرة على تحريك  تعابير الوجه، مثل سيرين عبدالنور ونادين نجيم التي تعتبر من أقوى ممثلات جيلها في اضفاء لمسة خاصة على المشهد، وقدرة على فهم النص، تترجمها في حركاتها وانفعالاتها مع ما تؤديه.

لكن في المقابل، يعتمد بعض المخرجين على ممثلات مبتدئات لتقديم مشاهد جريئة أو للفت النظر بالملابس والخلاعة، وهذه الفئة لا تمت إلى التمثيل بصلة. واضافة الى ما تقدم، تعاني الدراما من عدم معرفة في "ادارة الممثل"، وتدريبه على المشاهد الصعبة، ومساعدته في دخول أجواء الشخصية، ويستعمل هذا الأمر أكثر في المسرح، لكن الدراما تعاني فقراً في هذه الفئة، خصوصاً أن بعض الأدوار المركبة او الثنائية، يحتاج الى دراسة وجهد.

ويلاحظ المتابع للأعمال التي عرضت في الموسم الرمضاني مثلاً، جودة الصور ونقاوتها، وحسن انتقاء الكادرات الاخراجية، ما يظهر العمل جيداً نسبياً، لكن المشكلة تكمن في الرؤية الاخراجية عموماً، لا في بعض التفاصيل. وتنعكس الميزانية المخصصة أحياناً على جودة العمل أو رداءته، ومع دخول المنتج العربي، تحسنت جودة الأعمال الدرامية نظراً للأموال التي تصرف على المسلسلات. لكن هذه الأعمال، لا يكون اللبنانيون فيها طرفاً أساسياً، لأسباب جغرافية عدّة.

شهدت الدراما بعد توقف الحرب الأهلية، نجاحات ملحوظة بحسب المعايير آنذاك ، ويعتبر مسلسل "العاصفة تهب مرتين"  للكاتب شكري أنيس فاخوري، من أهم الانتاجات المحلية في تسعينات القرن الماضي. لكن الأمور اختلفت في الألفية الثالثة، وبات على صنّاع الدراما اللبنانية، تدارك العثرات المتكررة دوماً، والبحث عن مواضيع جديدة، ومحاكاة الواقع اللبناني بشكل أكبر، وتخصيص ميزانيات جيدة، اذا أردنا النجاح المحلي والانتشار العربي لاحقاً.

increase حجم الخط decrease