الجمعة 2024/01/26

آخر تحديث: 20:48 (بيروت)

إسرائيل تعزل الجنوب إعلامياً..ولبنان غير معفيّ من التقاعس

الجمعة 2024/01/26
إسرائيل تعزل الجنوب إعلامياً..ولبنان غير معفيّ من التقاعس
وحدها صورة الدخان تتواجد في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الدولية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تحت عبارة "عاجل"، تقدم "الوكالة الوطنية للاعلام" الرسمية اللبنانية أخبار الميدان في الجنوب. خبر سريع، يتضمن معلومة محدودة، تنقله وكالات الأنباء والمصادر الإخبارية العربية والعالمية، وتفتقد الى الصورة اليومية. 

وغياب الصورة، هو السمة العامة لتغطية الحرب في الجنوب منذ 110 أيام. لا يقتصر الأمر على الوكالة التي تنشر أكثر من عشرين خبراً عاجلاً يومياً، الى جانب بيانات "حزب الله"، وتصريحات المعنيين بالتطورات، من قيادة "اليونيفيل" الى المسؤولين الحكوميين. تغيب الصورة في سائر وسائل الإعلام اللبنانية أيضاً، وتقتصر على صور الدخان وبعض الأبنية المدمرة في معظم التغطيات الدولية والعربية، وذلك منذ فرضت اسرائيل منطقة عازلة بالنار، واستهدفت الصحافيين 7 مرات، ما جعل الحرب من دون صورة، حتى الآن.

والمقصود بالصورة، هو الصورة الإنسانية التي ترسخ في أذهان الناس خلال فترة الحرب، وما بعدها. فما زالت صورة مجزرة إسعاف المنصوري من حرب 1996 ماثلة، كذلك صورة ضحايا مجزرة قانا وبكاء جنود الأمم المتحدة. من حرب تموز، لا تغيب صورة العابرين يوم نهاية الحرب فوق جسر مدمر، كما لا تغيب صورة الدبابة الاسرائيلية المنقلبة جراء استهدافها في وادي الحجير. 

بهذا المعنى، لا صورة لحرب الجنوب 2023-2024. باستثناء صورة موسمية لإضاءة شجرة الميلاد في بلدة رميش، تكاد تخلو الحرب في الجنوب من الصور الإنسانية. لا مصورين يتجولون في المنطقة الحدودية، لعجز الدولة اللبنانية عن فرض هدنة لساعتين أو ثلاث، وتقاعسها في تنسيق هدنة مشابهة مع "اليونيفيل" ودول صناعة قرار. المحاولة الوحيدة لنقل الصورة ومعاينة آثار الدماء، حصلت في 13 تشرين الثاني/نوفمبر حين نُظمت جولة إعلامية يتيمة، واستهدفتها اسرائيل بصاروخين دفعت الصحافيين لإخلاء المنطقة فوراً.

والحال أن قوات الاحتلال الاسرائيلي نجحت في عزل جبهة جنوب لبنان عن الإعلام. حجم الاستهدافات المباشرة، منع التغطية من الجنوب التي باتت عبارة عن أخبار تتناقلها مواقع التواصل ومجموعات "واتسآب"، ولا تصل الى وسائل الإعلام الدولية والعربية. بالنار، ألغت إسرائيل الصورة في الجنوب الذي عُزل عن لبنان أيضاً، وباتت الحرب فيه، وفق توصيف الإعلام الدولي، "معركة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي". لا علاقة لبقية لبنان بالحرب، مع أن تداعياتها المباشرة تقع على اللبنانيين بشكل عام، وعلى الجنوبيين الذين نزح عشرات الآلاف منهم، فيما دُمّرت عشرات المنازل بالكامل، وعزُلت قرى بأكملها. 

وإثر القصف الاسرائيلي التواصل، والاستهدافات المباشرة، اضطر معظم مراسلي وسائل الإعلام الموجودين في الجنوب إلى التغطية من فندقَين، في إبل السقي (القطاع الشرقي) أو رميش (القطاع الغربي)، الى جانب جولات محدودة وخطرة لتغطية سياق المعارك. أما القصص الإنسانية، وطبيعة التداعيات على الناس، فقد غابت بشكل شبه كلي خلال الشهر الماضي، ما حرم الحدث من صورته، أو حتى قصة إنسانية لأشخاص ما زالوا صامدين، أو معاناة الناس مع وقائع جديدة، ليس أقلها، على سبيل المثال لا الحصر، ندرة الأدوية والخضار في معظم القرى الحدودية، أو عتمة تعيشها بلدة طيرحرفا مثلاً، وانقطاع مياه الشفة فيها، على ضوء الاستهدافات الاسرائيلية التي حرمت مَن تبقى من السكان، والبالغة نسبتهم نحو 5%، من الخدمتين الأساسيتين. 

بالتأكيد، تتحمل اسرائيل المسؤولية، وهي بذلك تنفذ عدواناً على المدنيين وتطبق أجندة خاصة، سياسية، لعزل الجبهة إعلامياً. لكن الدولة اللبنانية أيضاً تتحمل مسؤولية التقاعس. وزارة الاعلام أعلنت عن اجراءات مع الجيش واليونيفيل قبل شهرين، لكن الإجراءات لم تُترجم جولات إعلامية دورية وآمنة. الحكومة اللبنانية أيضاً تتحمل المسؤولية، كونها لم تطرح هذا الملف مع سفراء دول مؤثرة على اسرائيل، مثل الولايات المتحدة وفرنسا على سبيل المثال. 

وفي السياق، تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية أخرى، تتمثل في غياب الرواية الرسمية للحدث يومياً. وإذا كانت المهمة موكلة للجيش، فإن على الحكومة إعلان ذلك، وإذا كانت موكلة للهيئة العليا للإغاثة أو وحدة الكوارث، فالمطلوب إعلان من هذا النوع. من غير المقبول أن تبقى الحرب بلا رواية رسمية، أو رصد يومي للاعتداءات وسياق الحرب، وترك الرواية لـ"الإعلام الحربي" التابع لحزب الله، والذي لن تبقى صورته الميدانية اليومية، صورة الحرب، بل ستتلاشى مع الوقت، كما تتلاشى صور القصف الجوي الاسرائيلي الذين توثقه تل أبيب ببيانات ومقاطع فيديو ينشره الناطق باسم الجيش الإسرائيلي. 

الخميس، اجتمع إعلاميو الجنوب بالقائد الجديد للقطاع الشرقي في اليونيفيل، الجنرال بابلو غوميس ليرا، وشدد على أهمية وسائل الإعلام المحلية لدى اليونيفيل. ولدى سؤاله عن تأمين الحماية للطواقم الصحافية العاملة في القطاع الشرقي، أعلن "استمرار دوريات اليونيفيل الجاهزة للمساعدة عند وقوع اي اصابات في صفوف المدنيين والصحافيين". ما يعني أن القوة الدولية عاجزة عن التعهد بالحماية في ظل الوحشية الاسرائيلية، وهو ما يفسر غياب الصورة، ولا يعفي الحكومة اللنبانية من تغيير الواقع بالتحرك الدبلوماسي. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها