السبت 2023/07/08

آخر تحديث: 13:46 (بيروت)

ليس عابراً وأحياناً يهدد الحياة...هكذا نحتمي من التنمر الإلكتروني

السبت 2023/07/08
ليس عابراً وأحياناً يهدد الحياة...هكذا نحتمي من التنمر الإلكتروني
increase حجم الخط decrease
في العام 2002 أطلقت نجمة البوب العالمية كريستينا أغيليرا أغنية "بيوتيفول" (جميل) في وجه سلوكيات سامة شائعة، من بينها التنمر والسخرية من أشكال الآخرين وتفضيلاتهم الجنسية وخياراتهم الفردية. واليوم بعد أكثر من 20 عاماً، أصبح التنمر مشكلة أوسع مع الاستخدام المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي، وإمكانية مهاجمة الأفراد ببساطة من خلف الشاشات، بأسماء حقيقية أو وهمية، بدلاً من أن يساهم في تسليط الضوء على مشكلة التنمر في القضاء عليها أو التخفيف منها، خصوصاً بين المراهقين وطلاب المدارس.

وأفادت دراسات حديثة بأن نحو 43% من المراهقين الذين يستخدمون الإنترنت يتعرضون للتخويف بشكلٍ متكرر، فيما يتردد 20% من هؤلاء في الذهاب إلى المدرسة بسبب خوفهم من المتنمرين أو من ردود أفعال رفاقهم. وأخطر ما في الأمر أن ضحايا التنمر الإلكتروني الصغار هم أكثر عرضةً للانتحار، مع تفكير 11% منهم فعلياً بالتنفيذ. ويشكل انتحار الطالبة أدريانا (14 عاماً)، بعدما تداول رفاق مدرستها مقطع فيديو لها أثناء التنمر عليها بالضرب والتعنيف من قبل 4 طالبات في الولايات المتحدة، مثالاً واضحاً على ذلك.

ولا يستهدف المتنمرون، صغار السن فقط، وإن كان ذلك السلوك السام أكثر تأثيراً فيهم، بل يطاول الكبار أيضاً، خصوصاً المشاهير في مواقع التواصل. على سبيل المثال، أنهت بطلة المصارعة هانا كيمورا (22عاماً)، التي شاركت في برنامج تلفزيون الواقع "تراس هاوس" (Terrace House) الذي عرضته "نتفليكس"، حياتها، بعد تلقيها تعليقات مسيئة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وخلص تقرير "Ditch the Label and Brandwatch" بعد دراسة استمرت أربع سنوات، إلى أن الأفراد الذين يناقشون السياسة والرياضة عبر الإنترنت، هم أكثر عرضة لتلقي إساءة في منصات التواصل الاجتماعي، في دليل واضح لعدم احترام آراء الآخرين. وبعد تحليل 19 مليون تغريدة في "تويتر"، وجد التقرير أن هناك ما يقارب 5 ملايين حالة من حالات كراهية النساء في تويتر وحده، وأن 52% من إساءات تعرضت لها نساء، جاءت من نساء مثلهن وغالباً ما استهدفت المظهر والذكاء والتفضيلات الجنسية.

أشكال التنمّر الإلكتروني

يأخذ التنمر الإلكتروني أشكالاً مختلفة، من "التحرش" عبر إرسال رسائل مسيئة وغير لائقة لشخص ما، أو التعليق بشكل سلبي على صوره واستهداف شكله، إلى "تشويه السمعة" عبر نشر إشاعات كاذبة عن شخص آخر بغرض تشويه سمعته، وهو ما يتعرض له الصحافيون على سبيل المثال عند توجيه انتقادات إلى السلطة في مكان ما.

يضاف إلى ذلك "انتحال الهوية"، عندما يخترق شخص ما حساباً في مواقع التواصل، ويستخدم هوية الشخص عبر الإنترنت لنشر وإرسال مواد مسيئة، بالإضافة إلى "المطاردة الإلكترونية" أي إرسال رسائل عبر الإنترنت بشكل متكرر تتضمن تهديدات بالأذى أو المضايقة أو رسائل تخويف.

من أشكال التنمر الإلكتروني أيضاً "الاستبعاد الإلكتروني" الذي يحصل عندما يخرج الآخرون شخصاً ما عن قصد، من المجموعة، مثل استبعاده عن مواقع الألعاب وغيرها، وصولاً إلى "القرصنة الإلكترونية" حيث يودع المتنمّر برامج ضارة أو يسرق كلمات المرور أو يتحكم في جهاز الضحية. وأيضاً عبر التصوير عندما يقوم المتنمّر بتصوير الضحية من غير علمه وبنشر صوره على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تعديلها بشكل يظهر فيها الضحية بوضع غير لائق.

آثار التنمّر الإلكتروني

في ضوء ذلك، أعدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" بالتعاون مع خبراء متخصصين في التنمر الإلكتروني وحماية الأطفال، دراسة مؤخراً، حول آثار التنمر الإلكتروني في الفرد. وخلصت الى أن التنمر يولد شعوراً لدى المستهدفين بأنهم في بيئة غير آمنة وبأنهم معرضون للأذى والهجوم في كل مكان، حتى داخل منزلهم الذي يفترض أن يكون آمناً.

وبحسب الدراسة نفسها، تستمر التأثيرات النفسية الناتجة عن التنمر الإلكتروني طويلاً، وهي تؤثر في الشخص عقلياً عبر الشعور بالضيق والحرج وحتى الغضب. وعاطفياً، عبر الشعور بالخجل أو فقدان الاهتمام بالأشياء المحبوبة. وجسدياً، عبر الشعور بالإنهاك والأرق، والمُعاناة من أعراض مثل آلام المعدة والصداع. وربما يؤدي ذلك كله إلى امتناع الأشخاص عن التحدث أو محاولة التعامل مع المشكلة. كما أن التنمر قد يؤدي إلى الشعور بتدني احترام الذات والتعرض للمشاكل الصحية والتأثيرات السلبية على التحاق الطلاب بالمدارس والتحصيل الدراسي.

ونصحت "يونيسف" في حال حدوث التنمّر في منصة اجتماعية، بطلب المساعدة من شخص موثوق في البيت أو المدرسة وبحظر المتنمّرين والإبلاغ الرسمي عن سلوكهم في المنصة نفسها والاحتفاظ بالرسائل النصية ولقطات تصوير الشاشة عن المنشورات، وفي حال التعرض لخطر مباشر، يجب الاتصال بالشرطة.

تحصين المراهقين

من جهتها رأت رئيسة "اتحاد حماية الأحداث في لبنان" أميرة سكر، أنّه ينبغي تعميم ثقافة احترام قدرات الآخر ونقاط ضعفه وتطوير الذات على هذا الأساس، وهذا يبدأ مع تربية الاهل ويترافق مع متابعة المربين في المدرسة.

وأكملت سكر: "يجب عليّ مساعدة ابني ليكون مواطناً رقمياً وتعريفه على حقوقه وواجباته ومراقبة تصرفاته، فالذي يتعرض للتنمر قد يرتكب السلوك نفسه مع رفاقه، من هنا تأتي أهمية تحصين المراهقين داخلياً وخارجياً ومتابعة أي مؤشر يدلّ على أي سلوك عدواني يتعرّض له أو يُعرّض الآخرين له".

ونصحت سكر ذوي المراهق بتوعيته على عدم المساهمة في التنمّر عبر الإنترنت حتى ولو شجعه أصدقاؤه على ذلك والى عدم وضع إشارة "إعجاب" للمتنمّر أو مشاركة تعليقاته.

التنمر ليس مشكلة غربية

وفيما يعتقد كثيرون أن التنمر مشكلة تحصل في أوروبا والولايات المتحدة، بسبب الدعاية التي تصور الغرب كمكان متفلت أخلاقياً، فإن القيود القانونية هناك تساهم في الواقع بملاحقة المتنمرين. أما في دول المنطقة يغيب القانون والعدالة من أساسهما، وحتى عند وجود قوانين خاصة بالتنمر والجرائم الإلكترونية، فإن التطبيق قد يكون شكلياً أو تمييزاً وخاصاً بملاحقة الأفراد والناشطين والصحافيين الذين يتجرأون ضد السلطة.

في سوريا على سبيل المثال، يتم استخدام مصطلح "التنمر" من قبل المسؤولين الحكوميين في الدعاوى القضائية التي يرفعونها على الناشطين، كمدخل قانوني لتكميم الأفواه. وفي لبنان تعرضت صحافيات تحديداً لحملات تشويه سمعة بشكل ممنهج في تنمر إلكتروني تقوم به جيوش إلكترونية ومجموعات الذباب الإلكتروني.

الإساءة للمشاهير

إلى ذلك، تشكل حسابات المشاهير العرب مكاناً مثالياً لرؤية مدى انتشار التنمر بين الأفراد يوماً بيوم، وتحدثت نجمات مثل سميرة سعيد عن تضايقها من التعليقات المتكررة التي تسخر من سنها أو تطالبها بالتوبة لأنها تغني بعدما تجاوزت الستين من عمرها. ويرتبط ذلك بمفاهيم اجتماعية يراها المعلقون عادية أو جزءاً من العادات والتقاليد أو من الموروث الديني، لكنها تصب في مجملها في خانة التنمر الإلكتروني، سواء كان المتنمر يدرك ذلك أم لا.

وتظهر جردة على آلاف التعليقات في حسابات لمشاهير عرب، استهدافاً واضحاً للمظهر الخارجي والذات، فصور الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب التي بدأت بنشرها بعد عودتها الى زوجها حسام حبيب إثر خروجها من الأزمة التي مرّت بها، لاقت تعليقات قاسية مثل: "دمرك ولسه حيدمرك حتى يأخذ منك آخر فلس" أو "زهقنا منك ومن أخبارك"، بموازاة تعليقات تتنمر على وزن عبد الوهاب أو شعرها أو لون بشرتها وغير ذلك.

التعليقات على صور الممثلة اللبنانية نادين نجيم لا تقل بشاعة أحياناً، مع تشبييها بالرجال أو وصفها بالمتحولة جنسياً، في إساءة مزدوجة لها وللمتحولين جنسياً الذين يتم تجريدهم من إنسانيتهم بهذه النوعية من المقارنات السامة. كما تتحول الصورة أحياناً الى قضية رأي عام  وخلاف بين شعوب في دول مختلفة، ينحاز فيها كل شعب إلى فنان من جنسيته نفسها.

خطوات الحماية الإلكترونية

ولخص المستشار في الإعلام الرقمي، بشير التغريني، في حديث مع "المدن"، خطوات الحماية من التنمر الإلكتروني. وقال أنه عند فتح حساب رقمي "يجب علينا أن نتأكد أن أولادنا هم في العمر المسموح به لفعل ذلك، لا أن نساعدهم في الغش وتغيير عمرهم الحقيقي". والتأكد من أن "حساباتنا في وسائل التواصل الاجتماعي لديها إعدادات الخصوصية" و"ضبط الحسابات على خاصية الأصدقاء أو الخاص".

وأكمل التغريني بأنه من الضروري "تعليم الأبناء عدم إضافة أشخاص جدد ليكونوا أصدقاءنا في العالم الرقمي إلا إن كنا على معرفة بهم في العالم الحقيقي، لأنهم ببراءتهم يجهلون خفايا الناس في مواقع التواصل الاجتماعي"، مشدداً على ضرورة تفعيل خيارات الأمان التي توفرها مواقع التواصل مثل "two-factor authentication".

وبحسب التغريني، فإنه يجب الحديث مع شخص بالغ كأحد الوالدين فوراً عن التعرض للتنمر أو الابتزاز، وبأنه من المناسب إقفال الرسائل المباشرة والتعليقات واستخدام خاصية الحجب للحسابات الإلكترونية التي تبدأ بتوجيه المضايقات للأفراد. وأيضاً "تجنَّب التعليق أو الإعجاب أو الترويج للمنشورات التي تُسيء للآخرين".

ماذا تفعل إذا تعرضت لعملية ابتزاز؟

وهنا، أفادت تعليمات "قوى الأمن الداخلي" في لبنان، بأنه إذا تعرض شخص ما لعملية ابتزاز يجب اتباع الخطوات التالية:

"لا تتجاوب مع طلبات الشخص المبتز مهما بلغ حجم الضغوط" و"احتفظ بكل ما يَرِدُك من المُبتزّ سواء كانت صوراً، فيديوهات، رسائل وكلّ ما يمكن استخدامه لتثبيت وقوع الجرم عند اللزوم" و"الاستفادة من خدمة الإبلاغ عن الإساءة التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي".

ووفق التعليمات نفسها، يجب إبلاغ قوى الأمن الداخلي عن محاولات الابتزاز أو التنمّر الإلكتروني من دون التلميح للمُبتزّ بذلك، عبر مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، أو موقع قوى الأمن الداخلي الإلكتروني واستخدام خدمة "بلّغ".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها