الخميس 2023/06/15

آخر تحديث: 17:10 (بيروت)

التحديات القاتلة في "تيك توك".. كيف نحمي الأطفال والمراهقين؟

الخميس 2023/06/15
التحديات القاتلة في "تيك توك".. كيف نحمي الأطفال والمراهقين؟
increase حجم الخط decrease
في شهر ايار/مايو الماضي، أسفر تناول "الشعيرية الحارة" عن وفاة مراهق في السابعة عشرة من العمر في مصر، بعد تقليده تحدّياً في "يوتيوب" أكل فيه "الأندومي الحار" بكثرة، ما أثّر في كليتيه ومرارته، فتدهورت صحّته وتوفي بعد خمسة أيام.
 

قبله، توفيت فتاة في الثالثة عشرة من العمر، في استراليا، بعد مشاركتها في تحدي في "تيك توك" استنشقت فيه أبخرة من عبوات مزيل العرق ما أدخلها في غيبوبة لثمانية أيام وبالتالي وفاتها.


لا يمكن إحصاء أعداد التحديات التي تستهدف ملايين المتابعين في التطبيقات عبر فيديوهات قصيرة، مع إمكانية تعديلها واستخدام المؤثرات عليها، وهي حظيت بشهرةٍ واسعةٍ، لا سيما تلك التي تحتوي على الرقصات والنكات المضحكة والرياضة والجمال، والتي قد تكون أهدافها إيجابية وترفيهية، لكن ما لا يمكن تجاهله هو تلك التحديات الخطرة التي تصبح عدوى متنقلة بين الطلاب والجيل الناشئ. 

من منّا لا يذكر تحدي "كيكي" أو الرقص خارج السيارة أثناء سيرها، وتحدي Skull breaker حيث يحاول زميلان عرقلة الثالث أثناء قفزه، وهو ما أسفر عن إصاباتٍ خطيرة لعددٍ من المشاركين وصلت إلى ارتجاج في المخ والشلل والوفاة، ناهيك عن أكل دواء الغسيل، قلي الدجاج بدواء السعال، إشعال الجسد، كسر الجمجمة، الخنق وكتم الأنفاس، الصعق بالكهرباء، تناول جرعات أدوية زائدة، حقن مواد كيميائية وصولاً الى تشطيب الذات بآلات حادة وغيرها.

أخطر ما في هذه التحديات، أنها غالباً ما تتم بعيداً من عيون الأهل ومن دون معرفتهم، فهي تُصوّر في غرف النوم، في المدارس، خلال تجمعات المراهقين وللأسف يتم اكتشافها بعد فوات الأوان.


تهديد بالحظر و"تيك توك" يتجاوب
وبعدما حصد بعض تلك التحديات وفيات عديدة في الولايات المتحدة، واسكتلندا، وبريطانيا، والمكسيك، واستراليا، وإيطاليا، ومصر وغيرها من دول العالم، هددت السلطات الأوروبية، شركة "تيك توك" الأوسع انتشاراً، بحظر استخدام الشبكة في الاتحاد الأوروبي إذا لم تتمكن من منع القاصرين من الوصول الى مقاطع الفيديو التي يُحتمل أن تسبب الوفاة.

لذلك، عمدت شركة Byte Dance صاحبة التطبيق الذي يمنع عادة استخدامه لمن هم دون الثانية عشرة من العمر، الى تطوير التطبيق بشكل يمكن من خلاله السماح للأهل بمنع أطفالهم من مشاهدة المحتوى غير اللائق واعتماد آلية تحذير بعد مرور 60 دقيقة على بدء استخدام أبنائهم للتطبيق، علماً أن الأطفال غالباً ما يخفون سنّهم الحقيقية عند فتح حساب تهرّباً من الرقابة.

ولا بد من الإشارة الى أنّ الصين نفسها التي أطلقت "تيك توك"، فرضت قيوداً محلية شديدة على الفيديوهات في العديد من التطبيقات، لا سيما "فايسبوك" و"واتسآب" و"يوتيوب". وأفاد تقرير تقني صادر عن متخصصين من وزارة الدفاع الأميركية، بأن منصة "تيك توك" التي تخترق أجهزة الشباب والمراهقين لا تفعل ذلك في الصين التي أطلقت إصداراً محلياً هو "Doyin"، يحتوي على مزايا "تيك توك" نفسها تقريباً، لكن مع اختلاف جوهري واحد، إذ يُطلب من المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً استخدام "وضع المراهقين" من أجل حمايتهم، وهو يقيّد استعمالهم له بـ40 دقيقة يومياً ويُسمح الولوج اليه ما بين الساعة 6 صباحاً و10 مساء، وذلك لضمان حصولهم على قسط كاف من النوم. 


التحديات والبحث عن الذات!
في هذا الإطار ترى الدكتورة في علم النفس الاجتماعي والمعالجة النفسيّة، ناديا شحرور، "أن التطبيقات التي تلقى رواجاً كبيراً بين ملايين المراهقين تنطوي على الخطورة نفسها التي ينطوي عليها الإنترنت، فالمراهق هو في مرحلة عمرية حساسة يريد فيها إثبات الذات ليقول أنّه موجود وقوي وبالتالي فإنّه يرغب بإثبات هويته، من هنا تأتي أهمية التوعية التي تنطلق مبكراً في سن الطفولة وليس المراهقة فقط تجنباً للوقوع بمخاطر تقليد تلك الأفعال". 

وتضيف شحرور في حديث لـ"المدن" أن التوعية "تبدأ بمرحلة الطفولة وحصادها يأتي في مرحلة المراهقة"، لافتة الى ان "المشكلة أحياناً تكمن في كون المراهق يبحث عن صفة التميّز، وهي صفة لم يرها ذووه فيه، فكل مراهق لديه ميزة يجب تحفيزها، قد تكون قدرته على كتابة قصة قصيرة او هواية محدّدة كممارسة السباحة أو لعب كرة قدم، وهو يعمد الى إيجاد ذاته من خلال تقليد هذا التحدي أو ذاك". 

صحيح أنه لا يمكن للعائلات منع هذه التطبيقات بالكامل، بالنظر الى فرضية أن يعيد الطفل تحميلها في حالة الحجب، بطريقة سريّة، أو متابعتها مع رفاقه، لكن، تقول شحرور، "من هنا تأتي ضرورة إشراف الأهل على فتح أي حساب لأطفالنا في تلك التطبيقات والتعريف بحقيقة عمر المراهق، مع وضع البريد الإلكتروني لشخص بالغ يكون أحد والديه لمراقبة ما يتصفحه ومناقشة ما تتناوله تلك الفيديوهات القصيرة معه والمخاطر التي قد تتأتى عنها أو عن تقليدها في حوار صريح ومباشر". 

وتشير شحرور الى ضرورة أن تؤدي الدولة دورها لحماية المجتمع وأن يتكامل هذا الدور مع التوعية الإعلامية والعائلية.

ضبط الاستخدام السيء
بدوره تحدّث المستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، عامر طبش، عن جهتين مسؤولتين عن ضبط الاستخدام السيء للتطبيقات التي تنتشر بسرعة بين المراهقين وتتسبب بحالات وفاة أو إصابات خطرة. الجهة الأولى هي وسيلة التواصل الاجتماعي نفسها أو الـplatform، والجهة الثانية هي الأهل عبر استخدام user agreement. فاستخدام تلك المنصات مثل "تيك توك" وسواها والتي أثارت جدلاً في بعض التحديات، يتم عبر "اتفاقية" بين جهتين: المنصّة نفسها والمستخدم. فالأولى تمنع عادة استخدام التطبيق لمن هم دون الـ12 عاماً، إلا أنّ الأهل أنفسهم يعمدون أحياناً الى فتح حسابات لأولادهم وتكبيرهم في السن ما يُعرّض أطفالهم لمحتوى لا ينبغي لهم مشاهدته لأنه غير مناسب لأعمارهم ولا يتناسب مع قوانين المنصّة والمحتوى الموجود فيها.

وتأتي مسؤولية المنصة نفسها، يضيف الطبش، "بمراقبة التحديات المنشورة التي تكون بمعظمها تجارية، كتناول أنواع من البطاطا الحرّة أو النودلز الحار، والكثير من التحديات المرتبطة بأمور أخرى"، ذلك أن تحدي "إشعال النار بالجسد" مثلاً، "له علاقة نفسية بالرجولة"، أما "كتم النفس" أثناء السباحة، "فله علاقة بالقدرة على التحمل". 

ويقول طبش: "نلحظ أنّ المراقبة اليوم من قبل القيّمين على التطبيقات الشهيرة أصبحت أكثر من ذي قبل، لكن يتخللها من فترة لأخرى بعض الزلّات، لأن عدد مستخدميها مرتفع جداً وأي موضوع أو فيديو منشور قد يتحوّل الى "ترند" بشكل سريع، وللأسف غالباً ما يأتي التدبير بعد وقوع الحادث وليس قبله".

في لبنان مثلاً، يتابع طبش، "لا جهة قضائية أو أمنية تتحرك تلقائياً للجم هذه الظاهرة الخطرة لأن قوانيننا بالية، والقضاء يتحرك فقط بموجب إخبار ويجب أن يكون الجرم جنائياً وليس جزائياً". ويضيف: "للأسف لا يوجد جهاز يراقب وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان كما في العديد من الدول العربية، والكثير من هذه الدول تتولّى فيه الجمعيات أعمال الرقابة، إلا أنّ بعض الدول بدأ بسنّ قوانين لضبط هذا التمادي قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وعلينا في لبنان أن نحذو حذوها".

مخاوف أمنية واجتماعية
وإذا كانت العديد من الدول الغربية منعت موظفيها الرسميين من استعمال تطبيق "تيك توك" في هواتف العمل، لأسباب أمنية، مثل فرنسا ونيوزيلندا وبلجيكا التي حظرت التطبيق لمخاوف أمنية، كما منع استخدامه من قبل موظفي الحكومة الأميركية والمفوضية الأوروبية وحلف الناتو، إضافة إلى الهند والأردن، فهل ستمنع هذه الدول وسواها هذه التطبيقات لأسباب اجتماعية بهدف حماية أبنائها من تلك التحديات القاتلة؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها