الثلاثاء 2023/05/09

آخر تحديث: 14:06 (بيروت)

الذكاء الاصطناعي ينتج الأخبار: تهديد للصحافيين..وتحدّي الأخبار الزائفة

الثلاثاء 2023/05/09
الذكاء الاصطناعي ينتج الأخبار: تهديد للصحافيين..وتحدّي الأخبار الزائفة
(الصورة من موقع "نيويورك تايمز")
increase حجم الخط decrease
كشف تقرير لمجموعة "نيوز غارد" (NewsGuard)، المتخصصة في تقييم الأخبار، أن هناك عشرات المواقع الإخبارية التي تُنتج محتواها روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الإصطناعي وأنها بدأت تتزايد في الفضاء الالكتروني. 

خلال شهر نيسان/أبريل 2023، حددت "نيوزغارد" 49 موقعاً إلكترونياً بسبع لغات هي الإنكليزية والصينية، والتشيكية، والفرنسية، والبرتغالية، والتاغالوغية، والتايلاندية، على أنها أنشئت "بالكامل أو في الغالب" بواسطة نماذج الذكاء الاصطناعي. 

وتتناول هذه المواقع الالكترونية مجموعة واسعة من الموضوعات، فقد ظهر البعض منها على شكل مواقع إخبارية عاجلة وبأسماء تبدو مألوفة على غرار "نيوز لايف" 79 (News Live 79)، و"ديلي بيزنس بوست" (Daily Business Post)، فيما ينشر البعض الآخر نصائح وتوجيهات حول أسلوب الحياة أو أخبار المشاهير والفنانين أو محتوى ممولاً، في الوقت الذي لم يعلن أي من هذه المواقع أنه يستخدم محتوى من صنع روبوتات دردشة قائمة على الذكاء الاصطناعي على غرار التطبيق  "تشات شي جي تي" التابع لشركة "أوبن إيه آي" وربما تطبيق "غوغل بارد" التابع لشركة "ألفابت"، حيث يمكنهما صياغة نص مفصل وفقاً لأوامر المستخدم المبسطة. 

الواقع، بدأ العديد من هذه المواقع الإلكترونية بنشر محتواها خلال العام الجاري، بعد انتشار تقينات الذكاء الاصطناعي بشكل واسع على مستوى العالم وشروع العديد من الأشخاص في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. وهنا تُثار تساؤلات حول احتمالات تعزيز هذه التكنولوجيا لأساليب الاحتيال والتزوير القائمة، حيث يذكر خبراء أن الهدف الواضح ممن يقفون وراء هذه المواقع، علماً أن كثيراً منهم لا يزالون مجهولي الهوية، ويسعون لجني الأموال من عائدات الإعلانات، مع إنشاء محتوى لا يتم التحقق منه بشكل صحيح من قبل العقل البشري، وفي بعض الحالات يدفع بروايات كاذبة تماماً.

وحسب صحيفة  "ذا غارديان" البريطانية، تم اكتشاف محتوى أنشئ بتقنية الذكاء الاصطناعي من خلال البحث عن العبارات المتكررة التي ترد في ردود خدمات مثل "شات جي بي تي".  قامت جميع المواقع التي حددتها "نيوزغارد" بنشر مقالة واحدة على الأقل تحتوي على هذه العبارات، ممّا يدلّ على أنّها أنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن هذه العبارات: "كنموذجٍ للذكاء الاصطناعي..." و"لا يمكنني مواصلة المساعدة".

إن أنظمة الدردشة التلقائية هي نوع من البرمجيات القائمة على نظام التعلم الذاتي أو الذكاء الإصطناعي وهي مصممه لتوازي المحادثات البشرية. هذه البرمجيات تعتمد على خوارزميات مصممة لفهم اللغة الطبيعية ( Natural language Input)NLP، أما الإجابة عليها فتتم بردود مناسبة ومفهومة. كما أنها تعتمد في تطورها على معلومات يتم ادخالها، مما يجعلها تتعلم وتحدّث نفسها اوتوماتيكياً. وبذلك يمكن لهذه الانظمة كتابة نص، تغيير بشكل النص أو تشكيله ما يسهل عملية الكتابة. 

معلومات مضللة
ومع ذلك فإن إستخدام هذه الأدوات يثير بعض المخاوف الأمنية والأخلاقية. وبحسب الأستاذة المحاضرة في جامعة كيبك كندا ومديرة مشاريع وزارة الاحصاء الكندية الفيديرالية، د.نانسي بدران في حديث مع "المدن"، فإنه من أهم وأبرز المشاكل المرتبطة بهذه الانظمة هي "كتابة ونشر معلومات مضللة"، فقد أثبتت الأبحاث أنها تملك مستوى عال من الذكاء يمكنها من كتابة مواضيع مغلوطة ترتبط بحجج واقعية ومقنعة مع العلم أنها عارية عن الصحة. كما أن التطور الكبير في كتابة البرمجيات ذاتها ممكن أن يكون سيفاً ذو حدين أمنياً، لأنها سوف تكون قادرة أيضاً على فهم استراتيجيات الدفاع وبالتالي تطوير تقنيات الهجوم لدى المالوير. 

وتمثل الأخلاقيات المرتبطة بهذه الأنظمة مشكلة أخرى أيضاً، فتقول بدران: "لا هوية لهذه الروبوتات حتى الآن وغياب الهوية يؤدي إلى فشل في المصداقية والوثوق مما يجعلها صندوق أسود لا ندري ماذا يخفي خلفه". 

توليد محتوى اخباري
وحول كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي  في الصحافة ولكن بحذر، يقول المُحرّر والكاتب في موقع شبكة "الترا صوت" محمد زيدان لـ"المدن": "لديّ قناعة بضرورة التفكير بالاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى العربي، وإن كنت أشكّ بقدرتها حالياً على توليد محتوى إخباريّ راهن على نحو دقيق وآمن، على اعتبار البيانات التي تعتمد عليها هذه الآلات والتحديات على مستوى تحديثها اللحظي، وطبيعة البيئة الإخبارية الرقمية التي تعمل على مدار الساعة". 

أما على مستوى صناعة المحتوى الذي يشتمل على التعليق على موضوعات وقضايا في الأخبار ذاتها، فيعتبر زيدان أنه "ربما تكون فرص الاستفادة أكبر. قد أستفيد مثلاً من نموذج الذكاء الاصطناعي في تزويدي بقائمة سريعة عن أشهر السجناء السياسيين الذين خاضوا إضرابات عن الطعام في العصر الحديث، ولكن لن أستفيد منه كثيراً لو طلبت منه كتابة خبر عن سجين سياسي قضى موتاً بسبب الإضراب عن الطعام، وتفاصيل لحظة وفاته وملابساتها والتعليقات الرسمية وغير الرسميّة عليها".

أما في ما يخصّ الدقّة، فيشير زيدان إلى "ضرورة العودة إلى مركزيّة الخبرة المهنيّة الصحافية، سواء تم الاعتماد على الآلة أو على مصدر بشريّ في الحصول على المعلومة، إذ لا مكان للثقة المطلقة في العمل الصحافي، ولا يمكن تجاوز عملية التحقّق، حتى مع وجود الثقة"، سيراً على المبدأ المشهور "ثق، ثمّ تحقق". 

من الواضح أن المسار مع تحديات الذكاء الاصطناعي سيكون طويلاً والأكيد أنه بات يشكل تهديداً للعديد من المهن وتحديداً تلك التي كانت تعتمد على الابداع البشري لانتاج المحتوى. اليوم وبعيداً عن ما يشكله الذكاء الاصطناعي من تحديات في موضوع الملكية الفكرية، نحن أمام عالم مفتوح على كمّ هائل من المعلومات التي تبثّ في المجتمعات بعد أن تم توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملية انتاج المحتوى الاخباري دون أي مراعاة لمعايير الشفافية والمصداقية ما يهدد القيمة الخبرية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها