الثلاثاء 2024/03/26

آخر تحديث: 12:11 (بيروت)

عباءة وبيكيني وملكة جمال..اللبنانيون عالقون في برزخ "الحياة والموت"

الثلاثاء 2024/03/26
عباءة وبيكيني وملكة جمال..اللبنانيون عالقون في برزخ "الحياة والموت"
عُقدت المقارنة بعد فوز ياسمينا زيتون بلقب وصيفة ملكة جمال العالم (غيتي)
increase حجم الخط decrease
خلال الأسبوع الماضي لم تهدأ التفاعلات الرقمية حول موضوع "ثقافة الحياة وثقافة الموت" الذي تمت استعادته من أرشيف يُفترض أنه بات من الماضي. يتداول المغردون صورتين لفتاتين لبنانيتين. الأولى ترتدي العباءة السوداء، أو التشادور الذي بدأ ينتشر في لبنان مع صعود "حزب الله" في ثمانينات القرن الماضي ويراه البعض رمزاً لهيمنة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ثقافياً، إضافة إلى المعنى السياسي. والثانية، لفتاة باللباس المعتمد لمسابقات ملكة جمال العالم، وينطلق التصنيف: توسم الفتاة بالعباءة، فاطمة نصار، بأنها تُمثّل ثقافة الموت، أما وصيفة ملكة جمال العالم ياسمينا زيتوني فتُوسم بتمثيل ثقافة الحياة، وتتكرّر العبارة "لكم لبنانكم ولنا لبناننا".

والطرفان المتصارعان في مواقع التواصل، يتجاهلان المبدأ الأساسي القائم على حق أي فرد بالتعبير عن رأيه وإنتقاد الرأي الآخر أو التوجّهات المخالفة لرأيه. كما يتجاهلان المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنصّ على أنه "لكلِّ شخص الحقّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة". 

وفي هذا الإطار تندرج الخطابات حول حرية المعتقد وحقوق الإنسان. لكن السؤال الأساسي الآن هو: مَن يحدد معايير ثقافة الموت والحياة؟ أليس المرء حراً في أن يختار عيش الحياة كما يشاء؟ وهل المسألة ثقافية بحتة، أم سياسية تعكس تشظّي المجتمع اللبناني ومكوّناته؟

ثقافة بالقوة
يعتبر الناشط السياسي فاروق يعقوب "أننا اليوم أمام ثقافتين شئنا أم أبينا، ولا بد من التأكيد على مسألة أساسية وهي أن الثقافة لا تُنتزع بالقوة". يقول لـ"المدن": "منذ 40 عاماً، تحاول إيران العمل على تغيير النمط الاجتماعي عبر السلوكيات الأخلاقية أو اللفظية، ثمة صراع حاصل في المنطقة بين الممانعة التي تضم أيضاً بعض القوى والأحزاب السياسية والعلمانية واليسارية، لكن الإسلام السياسي المتطرف يُعتبر المعتقد الرئيس للممانعة ولو حاولت إظهار نفسها على أنها معتدلة مقارنة بالقوى الأخرى".

ويشرح يعقوب دور إيران في هذا السياق: "عمدت إيران إلى تكريس بعض المفاهيم المجتمعية داخل البئية الشيعية تحديداً، المُتديّن هو المثقف، العفّة محصورة في الفتاة المُحجّبة، كل امرأة غير محجبة غير طاهرة"، لافتاً الى ان إيران "نجحت في تكريس هذه المفاهيم ضمن البيئة الشيعية إلى حد ما، إلاّ أن نضال المرأة العربية في السنوات الأخيرة حقّق إنجازات لا يُستهان بها في دحض هذه الأفكار".

الممانعة قلقة
يكرّر يعقوب هذه العبارة مرّات عديدة خلال مقابلته مع "المدن": "الرابح لا يتصرّف بهذه الطريقة"، ويعتبر "أن هذه الأنظمة قلقة سياسياً وإجتماعياً، وهذا ما ينعكس على خطابها مع قواعدها الشعبية من خلال الطاعة الفكرية وتغليب الشعارات الواهية"، مشيراً إلى أن "الزمن تغيّر، وهذا من الأسباب الأساسية لضعف هذه الأنظمة اليوم، فآلية التواصل مع البشر باتت مختلفة عما في السابق، وأصبح من الصعب الضحك على العقول" .

ويرى يعقوب أن "ما شهدناه في الأيام الأخيرة في منصات التواصل الاجتماعي، هو رد فعل ورفض لهيمنة الأفكار الإيرانية على المجتمع السياسي، الموضوع ليس مرتبطاً بقضية حرية المعتقد، فالهجمة ليست على أصل اللباس والمعتقد، بل إن الرفض سياسي، بحيث باتت صورة لباس معيّن وأفكار معيّنة ترتبط ذهنياً بالتبعية لإيران، وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة جداً أن ايران وحزب الله قاموا بتنميط قواعدهم الشعبية أيضاً بسلوكيات وضوابط معيّنة ولم يتركوا لهم حريّة الاختيار". 

حملة إقصاء؟
في المقابل، ترى الإعلامية ايناس كريمة أنه "منذ العام 2020، ساد خطاب في المجتمع اللبناني انعكس بطبيعة الأحوال على مواقع التواصل الاجتماعي، يتركّز حول رفض سياسة التسلّط والقمع ويتمسّك بالحرية على اختلاف اشكالها، من دون أن يدرك أصحاب هذا الخطاب أنفسهم أنهم يقودون حملة اقصائية لمكوّنات لبنانية أساسية تحت عنوان "ضد القمع"، فيقيّدون حريّتهم، ويسخرون من معتقدهم، ويتسلّطون على خياراتهم". 

تقول كريمة لـ"المدن": "هو تناقض غير محمود، رغم ان التناقضات في البقعة الواحدة تبدو صحيّة في مجتمعات متحضرة تقبل الآخر وتقبل حقّه في الاختلاف الطائفي والمذهبي والسياسي والاجتماعي، غير أنّ الواقع في لبنان بات يعكس مفهوماً ركيكاً لمعنى الاختلاف، ونظرة سلبية لمبدأ العيش المشترك، الذي من المفترض أن يكون ركيزة أساسية من ركائز هذا الوطن تبني حواراً بنّاء وتمنع الانزلاق الى مستنقع التعصّب والإلغاء". 

وتشير كريمة الى ان "هذا الواقع تسلّل الى مجتمعنا المنفتح عبر مجموعات تناقض مفهوم الشراكة، فعزّزت شعاراتها على قاعدة: ان لم تكن معي فأنت ضدّي". 

"مايوه" و.."ما بيشبهونا"
ترى كريمة أنه "عند كل انعطافة سياسية، لا بدّ أن يخرج مَن ينظّر على أسلوب الآخرين في الحياة"، وتشرح: "ما بين المايو والبوركيني، والـ"ما بيشبهونا" و"ثقافة الحياة والموت" والزيّ الاسلامي" و"لبناننا ولبنانكم".. تتنوع مصطلحات تمسّ بحقّ كل فردٍ في المجتمع في اختياراته وقناعاته المختلفة والتي تشكّل بالأساس قواعد الحرية". 

وتقول إن "مصطلح "ثقافة الحياة والموت" في لبنان هو مصطلح للاستهلاك الاعلامي أكثر من كونه مصطلحاً تعريفياً فعلياً لنظرة الجماعات لدورها وهويتها وتصوّراتها عن البلد عموماً"، لكنّ "الأزمة الفعلية بين الثقافتين هو كيفية تعزيز ثقافة قبول الآخر المُختلف، وتقبّل حقه في الاختلاف والذهاب نحو إيجاد قاعدة مشتركة ننطلق منها للانسجام والتعايش مع الطرف الآخر، مهما كان متناقضاً، قبل فوات الأوان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها