السبت 2023/04/08

آخر تحديث: 22:22 (بيروت)

انتهاك الملكية الفكرية.. معضلة تطبيقات الذكاء الاصطناعي

السبت 2023/04/08
انتهاك الملكية الفكرية.. معضلة تطبيقات الذكاء الاصطناعي
من المُبدع.. الإنسان أم الآلة الذكية؟ (غيتي)
increase حجم الخط decrease
التطور الكبير في ميدان الذكاء الإصطناعي، طرح مستجدات في الساحة القانونية، بسبب إعتماد تقنيات الذكاء الإصطناعي محتوى موجود في الانترنت، مما يمثل تحديات جديدة على قوانين الملكية الفكرية، ونظام المسؤولية العقدية أو التقصيرية إلى جانب المسؤولية الجزائية، وحماية المعطيات الشخصية، والمنافسة وغيرها من المسائل التي عالجها القانون.
ويكثر الحديث أخيراً عن دعاوى وقضايا انتهاك حقوق الملكية الفكرية لبعض الكتّاب والناشرين والفنانين وغيرهم. وخلال شهر آذار/مارس الماضي، أقام فنانون دعوى قضائية ضد شركات "Stability AI" و"MidJourney" و"DeviantArt"، يتهمونها بإنشاء منصات إلكترونية تقوم على الذكاء الاصطناعي المُدرب على قاعدة بيانات مكونة من حوالى 5 مليارات صورة مأخوذة من الإنترنت، من دون الحصول على موافقة المصممين والفنانين أصحاب حقوق الملكية الفكرية لتلك الصور.

وبحسب الدعوى، فإن 3 فنانين وهم سارة أنديرسين، وكيلي مكيرنان، وكارلا أوتيز، يتهمون الشركات الثلاث بانتهاك حقوق الملكية الخاصة بالصور والتصميمات التي تعود لفنانين ومصممين، ويقومون باستخدامها لتدريب أنظمتهم القائمة على الذكاء الاصطناعي "من دون دفع مقابل لأصحاب الحقوق الأصليين أو الحصول على موافقتهم". 

وفي هذا السياق، تعتبر الدكتورة نور نعيم، وهي أكاديمية باحثة متخصصة في الذكاء الاصطناعي أن في هذا الجانب "تكمن معضلة حقوق الملكية الفكرية  للبشر كون البيانات المساقة من الانترنت هي من انتاج بشر لهم حقوق"، لافتة الى ان استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على ما كتبه البشر سابقاً "يثير أسئلة قانونية وأخلاقية تتعلق بحقوق النشر والانتحال والاستخدام العادل".

وتشير نعيم الى أنه "في حال كان نظام الذكاء الاصطناعي يستخدم مواد محمية بحقوق الطبع والنشر من دون إذن، قد يشكل ذلك انتهاكاً لحقوق الطبع والنشر". وتؤكد أنه إذا كان نظام الذكاء الاصطناعي يُنشئ محتوى يشبه إلى حد كبير الأعمال الموجودة أو ينسخها، "فيمكن اعتباره سرقة أدبية أو انتهاكاً لحقوق الملكية الفكرية للمؤلف الأصلي". 

وحول معالجة هذه المسألة، تقول نعيم إن الامر مرتبط بدور المشرفين على هذه التقنيات للتأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي مصممة للامتثال لقوانين ولوائح الملكية الفكرية واحترام حقوق ومصالح منشئي ومالكي المحتوى. ويتضمن ذلك، حسب نعيم، "الحصول على التراخيص أو الأذونات اللازمة لاستخدام المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر، وتقديم الإسناد المناسب للمصادر الأصلية للبيانات، واحترام الاستخدام العادل والاستثناءات الأخرى لقانون حقوق النشر". 

وترى نعيم أن "حل مشكلة حقوق الملكية الفكرية (IP) المتعلقة بالمحتوى الذي تستخدمه تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) على الإنترنت "يتطلب نهجاً متعدد الأوجه يشمل العديد من أصحاب المصلحة، بما في ذلك مطورو المحتوى والذكاء الاصطناعي وواضعو السياسات والجمهور". 

خطوات المعالجة
وتحدد نعيم بعض الخطوات العملية التي يمكن اتخاذها لمعالجة هذه المشكلة، في مقدمها "رفع مستوى الوعي"، الذي يساعد حول القضايا الأخلاقية والقانونية المحتملة المتعلقة بالمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية في تعزيز الاستخدام المسؤول والأخلاقي لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

كذلك، تنصح بتنفيذ أفضل الممارسات، حيث "يجب على مطوري ومستخدمي الذكاء الاصطناعي اتباع أفضل الممارسات لاستخدام وإنشاء المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الحصول على التراخيص أو الأذونات اللازمة لاستخدام المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر، وتوفير الإسناد المناسب، واحترام الاستخدام العادل والاستثناءات الأخرى لقانون حقوق النشر". 

وتوصي بـ"تحديد المعايير"، حيث يمكن لواضعي السياسات وقادة الصناعة وضع معايير وإرشادات للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية لتوفير الوضوح والاتساق للمطورين والمستخدمين.

وتدعو الى "تعزيز قوانين الملكية الفكرية"، حيث "يمكن لواضعي السياسات تعزيز قوانين ولوائح الملكية الفكرية لضمان تحديثها وفعاليتها في حماية حقوق منشئي المحتوى ومالكيها في العصر الرقمي". 

وتطالب نعيم بالتعاون، حيث يمكن لمنشئي المحتوى ومطوري الذكاء الاصطناعي وأصحاب المصلحة الآخرين التعاون لتطوير نماذج جديدة للملكية والإسناد للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي والذي يعكس مساهمات كل من البشر والآلات، فضلاً عن "المراقبة والتنفيذ"، حيث "يمكن للحكومات والهيئات الصناعية مراقبة وإنفاذ الامتثال لقوانين ولوائح الملكية الفكرية، بما في ذلك اتخاذ إجراءات قانونية ضد أولئك الذين ينتهكون هذه القوانين عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي". 

المخترع البشري.. والمخترع الآلة
وما زال السؤال عما إذا كان يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي (AI) مخترعاً، موضوع نقاش بين الخبراء القانونيين وخبراء الملكية الفكرية، حيث تتطلب قوانين الملكية الفكرية في العديد من البلدان أن يكون المخترع شخصاً طبيعياً بشرياً، والأساس المنطقي وراء ذلك هو أن مفهوم الاختراع مرتبط بالعقل البشري والإبداع. 

وعلى الرغم من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر تقدماً وقدرة على إنتاج اختراعات جديدة ومذهلة إلا أنه، بحسب نعيم، لا يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يحمل هوية مخترع، على الأقل ليس ضمن الأطر القانونية الحالية. ومع استمرار تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، قد تكون هناك حاجة إلى إعادة النظر في التعاريف القانونية للمخترع وكيفية منح حقوق الملكية الفكرية للمسؤول عن الاختراعات التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. 

تصويب استخدام التقنيات
تتصدر مدى تأثر الأحكام القانونية لحقوق الملكية الفكرية بسبب ما استحدث من تطبيقات الذكاء الإصطناعي، الاشكاليات القانونية أخيراً، الى جانب السؤال عما إذا كانت هذه التطبيقات "تستدعي إدخال تعديلات أو إضافة قواعد جديدة، أو يمكن الاكتفاء بما هو قائم من أحكام لتنطبق على ما أحدثته هذه التكنولوجيا من مستجدات". وعليه فالإشكال القانوني الذي يطرح الآن، هل تتسع القوانين الحالية للملكية الفكرية لتستجيب للمتغيرات التي أحدثتها تطبيقات الذكاء الإصطناعي؟

وتقول المحامية والباحثة القانونية لؤى حسين زعرور لـ"المدن" إن الثورة التي أحدثها الذكاء الإصطناعي أثارت العديد من الإشكاليات، وعلى الأخص على صعيد حقوق الملكية الفكرية خاصة في ظل سعي العديد من الدول إلى تبني تقنيات الذكاء الإصطناعي وإصطدام ذلك بحقوق هي نتاج الفكر البشري.

من هنا، اختلفت وجهات النظر حول مدى قدرة وقابلية القوانين الوضعية على التصدي لحالات خرق حقوق الملكية الفكرية بواسطة الذكاء الإصطناعي، فإعتبر البعض أن القوانين الحالية قادرة على التصدي لإنتهاكات كهذه، بينما رأى البعض الأخر أنه لا بد من استحداث قوانين خاصة ترعى حالات إنتهاك الذكاء الصنعي لحقوق الملكية الفكرية خصوصاً في ظل إتجاه بعض الدول إلى منح الذكاء الإصطناعي الشخصية القانونية التي ينجم عنها منحه وضعاً قانونياً مستقلاً وتحميله المسؤولية ومنحه الحقوق وانفصال ذمته المالية.

وكانت الدول الأوروبية سباقة في إنشاء قواعد قانونية خاصة بالذكاء الإصطناعي وذلك في العام 2017، حيث أصدرت العديد من الدول مبادئ توجيهية وإرشادية تساهم في تصويب صنع وإستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي ابرزها تلك الصادرة عن الامارات العربية المتحدة. هذه المبادىء والارشادات تشكل هي، وما تتضمنه القوانين الوضعية من قواعد حمائية في المرحلة الراهنة، أساساً قانونياً يمكن البناء عليه والاستناد إليه في سبيل تأمين وتكريس حماية حقوق الملكية الفكرية. 

ولا يمكن تجاهل فرضية أن المرحلة المقبلة من عصر الذكاء الإصطناعي قد تجعل هذه القواعد قاصرة عن تأمين هذه الحماية خاصة في ظل السرعة المتزايدة لتطور الذكاء الإصطناعي.

ومن الواضح أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تواجه تحدّيات واسعة من الناحية القانونية وتحتاج إلى تحديثات قانونية تتماشى مع تطورها، تحديداً بعدما نشر مالك منصة "تويتر" ايلون ماسك ومجموعة من رواد الذكاء الإصطناعي خلال الأسبوع الماضي رسالة مفتوحة، حثوا فيها كافة المختبرات على "الوقف المؤقت" لعمليات تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة ذات القوة، وذلك بسبب "الأخطار المحتملة على المجتمع".

وقال بيل غيتس، أحد مؤسسي شركة مايكروسوفت خلال مقابلة مع وكالة رويترز : "لا أعتقد أن مطالبة مجموعة معينة بالتوقف مؤقتاً يحل الإشكالات"، وتابع: "من الواضح أن هناك فوائد كبيرة لهذه الأشياء … ما نحتاج إليه هو تحديد المجالات الصعبة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها