الأربعاء 2023/05/10

آخر تحديث: 16:04 (بيروت)

صحافة نسوية يحتاجها الإعلام اللبناني: لا تطبيع مع الجريمة!

الأربعاء 2023/05/10
صحافة نسوية يحتاجها الإعلام اللبناني: لا تطبيع مع الجريمة!
ما زالت التلفزيونات تلعب في مرمى تحقيق المُشاهَدات (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تحت عنوان "التغطية الحساسة جندرياً والعناية الذاتية للصحافيات" نظمت جمعية "FE-Male" ومنصة "شريكة ولكن" التابعة لها، ورشة تدريبية في 6 و7 أيار/مايو لصحافيات يعملن في قضايا النساء.

ودعت المنظمة، صحافيات من مختلف الوسائل الإعلامية، للتباحث والتشبيك، وتبادل خبرات التغطية المختلفة من وسيلة إلى أخرى، بهدف دعم قضايا النساء التي تصب في تحقيق العدالة، ولضرورة أن تلعب الصحافيات دوراً ضاغطاً في الإعلام، ومؤثراً في صُنّاع القرار، سواء داخل المؤسسات الإعلامية أو ضمن العمل السياسي.

وتظهر قضايا النساء في الإعلام عند حدوث جرائم قتل، وحالات العنف المتزايدة تجاه النساء في لبنان. وفيما تقتصر التغطيات على الحدث اليومي، من دون استكمال أو متابعة للقضايا في سياقها القضائي، يُفرد الإعلام شاشاته ومنصاته لأخبار القتل، وعادة ما يكون مساهماً بتأكيده على صور ومعلومات نمطية بحق هذه الجرائم عبر "ربط الجرائم بقضايا الشرف، والرأي والرأي الآخر الذي يتيح للجاني أو المعنف بأن يكون له مساحة على الهواء لتبرير وجهة نظره".

كل هذه العناوين كانت محط النقاش الصحافيات والجمعية النسوية، بهدف ضرورة خلق إعلام نسوي يخاطب متطلبات النساء واحتياجاتهن الحقيقية والشاملة، وليس حصر المواضيع في الزواية التي تريدها إدارة التحرير، عبر تسطيح أو تسخيف قضايا العنف، والمشادات الحوارية التي تلجأ إليها البرامج الحوارية.

وكان السؤال حول أخلاقيات التغطية الصحافية الحساسة جندرياً، والتحيز الذكوري في وسائل الإعلام، حاضراً، حيث عرضت الصحافيات طرق العمل المتبعة في قضايا النساء، وكان واضحاً بموجبها أن وسائل الإعلام، خصوصاً القنوات التلفزيونية، تعمد إلى "اللعب في مرمى تحقيق الريتنيغ أو المُشاهَدات، فيُفتح المنبر لقضايا العنف، مع بروز التبرير لطرف الآخر وترك المنبر له لدفاع عن نفسه". كما تعمد برامج إلى خلق مواجهة بين الناجية أو الضحية، مع معنفها أو مع رأي ذكوري، يربط العنف بقضايا الشرف، ونظرية الإستفزاز، الصفة التي توسم بها النساء اللواتي يتعرضن للعنف أو الإغتصاب". كما لفت المنظمون إلى أن بعض المؤسسات الصحافية بدأت تطلب منهم مبلغاً مالياً، لقاء ظهورهم على الشاشات التلفزيونية، ما يكرس مفهوم "الإتجار بقضايا النساء".

وعرضت الورشة نماذج لتقارير وتغطيات تناولت قضايا العنف، مقابل نقد الصحافيات لمضمونها وتفنيد السقطات الأخلاقية للصحافيين، على غرار نشر معلومات من دون إذن الناجية، وعدم مراعاة الحالة النفسية والإجتماعية للمعنَّفة، وإختيار مصطلحات ذكورية أو إجتماعية تسبب أذى للنساء.

وأشارت الصحافية والمحررة في منصة "شريكة ولكن"، مريم ياغي، لـ"المدن"، بأن "الصحافة تؤدي دوراً أساسياً في قضايا النساء، لكن تلزمها مراعاة الجانب الحقوقي والإنساني لتكون قدراتها الإعلامية مؤثرة في الرأي العام، وتخدم النساء، وهنا يجب ألا تتوقف التغطية عند حدث بعينه، بل يجب أن تستكمل مساره القانوني، وتبرز تقاعس الدولة والقضاء عند التعاطي مع مثل هذه القضايا".

وأكملت ياغي: "في قضايا العنف لا يوجد ما يُسمى الرأي والرأي الأخر. لا تطبيع مع القتل والعنف ولا تبرير للجريمة. وهذه سقطة يقع فيها العديد من وسائل الإعلام".

والحال أن الورشة كانت فرصة لزيادة معرفة الصحافيات في المصطلحات التي يجب أن تتضمنها التقارير الصحافية، وضرورة الإجماع عليها في غرف الأخبار، كإستبدال مصطلح "الزواج المبكر " بـ"زواج القاصرات أو تزويج القاصرات"، لإيضاح وجود إرغام على الزواج بين الأطفال وفقاً لتعريفات الأمم المتحدة وإتفاقيات حقوق الإنسان.

وبالطريقة نفسها، فإن مصطلح "العنوسة" مثلاً يمثل وصماً يطلق على النساء غير المتزوجات وقد بلغن سناً معينة، ومثله مصطلح "جرائم الشرف" الذي يجب أن يستبدل بـ"جرائم قتل النساء"، ومصطلح "الخادمة" إلى "عاملة منزلية" إذ يشير الأول إلى زمن العبودية، ما يجعل التحكم في مصير هذه الفئة في يد سلطة رب(ة) البيت.

وأجمعت الصحافيات على النمط المعتمد من إدارات التحرير على عدم جعل قضايا النساء في سلّم الأولويات، أن لم تضغط الصحافيات بالإمكانات المتاحة لها. وعلقت الصحافية في جريدة "الأخبار"، ندى أيوب، بأن هناك "ضرورة لأن تكون مثل هذه اللقاءات مبادرة للتأثير في المؤسسة التي تعمل فيها، وإعداد صحافيات يستطعن مناقشة إدارة التحرير، بخلق مساحة للتغطية وأن تفرض هذه القضايا على صنّاع القرار إعلامياً وسياسياً"، ما يعني "أجندة نسائية مماثلة للأجندات السياسية والإقتصادية في وسائل الإعلام".

من جهتها قالت الصحافية في جريدة "الجمهورية"، سمر فضول، إن الورشة عرّفتها على المصطلحات التي يجب أن تكون ضمن تغطيتها لخدمة قضايا النساء، وشددت على ضرورة عدم اعطاء مساحة للجاني في قضايا العنف، كيلا يؤثر ذلك في الجمهور.

النقاش الصحافي النسوي، أظهر الهوة بين عمل المؤسسات الإعلامية وعمل الجمعيات. ويمكن للطرفين، في حال تعاونا، تحقيق تقدم قانوني عبر الدفع لتشريعات وتشكيل رأي عام لفرض القضايا النسوية. وأشارت مراسلة قناة "MTV"، رنين إدريس، إلى ضرورة نقل وجهات النظر في الورشة إلى المؤسسات، التي ما زالت العقلية الذكورية سائدة فيها، وتُكرسها أيضاً صحافيات، داعية إلى ألا يكون خبر النساء ثانوياً في آخر نشرات الأخبار، أو عنواناً مثيراً في المنصات الإلكترونية لحصد المشاهدات، من دون تحقيق أي منفعة للنساء، أو بشكل يسبب عنفاً متزايداً تجاه النساء.

ونظراً إلى  الضغط النفسي الذي تعيشه الصحافيات في عملهن، بقضايا العنف ضد النساء، أو احتكاكهن المباشر مع حلقة العنف، خُصص جانب من ورشة العمل لتقديم عناية ذاتية ونفسية للصحافيات عبر جلسات تفريغ نفسي، ونشطات رياضية تخفف التوتر للعاملات في هذا المجال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها