الجمعة 2023/04/07

آخر تحديث: 02:30 (بيروت)

الدينامو ترامب

الجمعة 2023/04/07
الدينامو ترامب
مُناصِر (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تمركزتُ في "BLM Plaza" أو ساحة "حياة السود مهمة"، لأسابيع، في سياق تغطية الانتخابات الأميركية العام 2020، والبيت الأبيض خلفي… في داخله دونالد ترامب نظرياً، وخارجه جائحة كورونا والمخاوف من حرب أهلية جراء الانقسام الحاد. حينها، بدا وكأن العالم كله يريد ترامب خارج البيت الأبيض، رغم قلة ثقتهم في المنافس جو بايدن، "الناعس"، هذا الوصف الذي نجح ترامب في جعله متداولًا طوال الحملة الانتخابية.

عَرفَ الرئيس الطارئ على النظام السياسي الأميركي، كما دأب خصومه على الإشارة إلى ما اعتبروه نقيصة حتى بعد ما أوصلته هذه "الميزة" إلى البيت الأبيض، كيف يحوّل مفردة "الناعس" إلى رسالة حادة في تأثيرها، قادرة على تطويع صلابة الثقة لدى معارضيه في قدرة مرشحهم على المنافسة.



مَن كان يفد إلى تلك الساحة، غالباً، هو مناهض لترامب. هذا المناخ المتناغم في تلك البقعة، صوّر لي ترامب محاصراً في البيت الأبيض، ما لم يطر من حديقته الخلفية على متن مروحيته الرئاسية حينها إلى ولاية أخرى... مرشحاً، حاشداً الجماهير حوله، يُسمعهم أقوالاً تحولت لاحقاً عناوين دراسات بحثية، لطلاب الإعلام وخبراء وسائط الإعلام الجديد من حول العالم، عن الشكل الجديد للتضليل الإعلامي.

لم يكن من أمر قادر على زعزعة هذه الصورة في بالي سوى ضحكة المصور الذي كنت أعمل معه حينها.

منذ لحظة تعارفنا في اليوم الأول من عملنا الذي استمر ستة أسابيع، قال لي: لا أريد أن يخسر ترامب. اعتلت وجهي علامة تعجب كبيرة، بل إن الصدمة شلّت حركتي. توقفتُ عن السير، ونسيتُ ثقل الحقيبة التي أحملها... وطالبتُه بالشرح سريعاً. لم يعد رأسي يتسع لكل فقاعات التفكير التي احتلت فضاءه. هذه المهمة ستكون عقوبة إن كانت تعني العمل مع مؤيد لترامب لساعات وأيام.

ضحكاته كانت أقوى من أصوات المتظاهرين عند سياج حديقة البيت الأبيض، وقال لي: "أنا أعمل عند الطلب، وإن خسر ترامب، فلن تعود هناك قصة مثيرة، سيخف الطلب على العمل اليومي للتغطيات المباشرة. الحال مع ترامب ليس كما قبله". لم يكن مؤيداً لترامب، وضحكنا معاً كثيراً لاحقاً، مرات من تعب، ومن غضب، ومرات أكثر من مرح.

علقت في ذهني، مع ضحكاته هذه، قناعته بجدوى ترامب كصانع ومحرّك للحدث، دينامو القصة الأميركية الحديثة.

وجدتُ وجاهة في ما قال. لكن رجاحة الفكرة تجلّت في بالي أكثر حينما استذكرتها يوم استدعاء ترامب إلى القضاء. جنّد ترامب صحافيين أميركيين ومن حول العالم، لمتابعة استدعائه، بمعلومات شحيحة وإمكانية شبه معدومة لمتابعة مجريات جلسة المحاكمة من الداخل.



واقفةً على الرصيف المقابل لبرج ترامب، مع عدد هائل من الصحافيين، يفوق عددَ زوار وسياح تمركزوا خلفنا وعلى تقاطعات الشارع من حولنا، ونافسونا في التقاط الصور لبرج ترامب ومتابعة الحدث. هم، وبعض المناصرين، ومجموعة من المناهضين، كلهم يريدون اقتناص لمحة من ترامب، التلويح بلافتة، أو إطلاق صرخة في وجهه.

من دون بحث وتدقيق، سأجازف وأزعم أن برج ترامب فاق تمثال الحرية، كمعلَم سياحي جاذب في ذلك اليوم، محتلاً المرتبة الأولى في كمّ الصور المُلتقطة له.

كم مرة سئلت عن موعد خروج ترامب من البرج؟ كثيراً. في انتظار الإبهار. سياح وعابرو سبيل، غير مكترثين بالانقسام حول ترامب، معنيون أكثر بلحظة الدهشة، برصد طيف شخصية شهيرة!

عمّت الفوضى وعلا صراخ شبيه بصيحات المعجبات المراهقات، لحظة مرور منتحل شخصية ترامب في سيارة ليموزين... بإشارة من إصبع مدّه من نافذة السيارة، وقبعة حمراء، نجح في إيقاعهم في فخه، هم ومعهم بعض الصحافيين... إن كانت كل هذه الحماسة للنسخة، فكيف يقاس تأثير الأصل؟



بدأ ترامب حملته الانتخابية بعد ساعات قليلة من استدعائه. أراد صورة التعريف التي لم تُلتقط له. سيوجدها لاستكمال عناصر الحملة التي سيصنع مفرداتها ببساطة لغة الصف الابتدائي الرابع. سارع بالفعل صانعو المحتوى في حملته، إلى تصميمها وطبعها على كنزات تباع لصالح حملته من أجل نَيل ترشيح الحزب الجمهوري. سيضيف إليها، كما فعل في حفلة المساء، نبرة هادئة، متحدية لكنها مستكينة مغلفة بتراكيب شعاراتية جديدة تناسب شخصية المظلوم والضحية.

أحسن مَن يجيد انتحال شخصية ترامب، هو ترامب نفسه. ليس أفضل منه لصناعة محتوى حملته ودفاعه. إنه ترامب، الإنلفونسر الأكبر، الدينامو وصانع القصة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها