الجمعة 2023/04/28

آخر تحديث: 18:12 (بيروت)

فيتامين

الجمعة 2023/04/28
فيتامين
"الجميلات النائمات" للفنانة البوليفية غراسييلا رودو بولانجيه
increase حجم الخط decrease
سبعة كيلوغرامات زائدة، كسبتها من الحوص والتوتر، خلال أشهر قليلة. هذا ما أعرفه يقينًا، من دون أن تتربص بي فيديوهات "الدكتور غطاس"، ولا فيديوهات تتناسل من بعضها وترميني في حفرة "إعرف من هو الصديق النرجسي"، أو في أنبوب Retinol and Vitamin C، علمًا أن الريتينول والفيتامين سي يتقدمان سباق فيديوهات التجميل التي تلاحقني بعد أن تسترق الخوارزميات النظر إلى بحثي المستمر عن الفيتامينات.

يسلب الانهماكُ، ذاكرتي، موعدَ أخذ الفيتامينات، لكني أحرص على عدم الانقطاع عنها. أضع مجموعة ملونة منها في يدي صباحًا أو ظهرًا، أنظر إليها طويلًا، إلى أن يتعرق كفّي أحيانًا. أشكك في قدرتها على تزويدي باللازم. ما هي وظيفتها أصلًا، وما الذي أطلبه منها؟

أريدها أن تعينني على جرِّ هذا الجسم في يومه إلى العالم الخارجي أولًا، وثانيًا إتمام سباق الحواجز، متسلقًا رغبته في الانكفاء. ألجأ إليها بوصفها جرسَ تنبيه، أسمعه وأهز رأسي مؤكدة ومطيعة. إخطار يومي بأنني، طالما أداوم على الاعتناء بصحتي، فهذا توثيق لالتزامي بالسير بلا انحراف عن السراط السليم. إنه الطريق الذي ترتفع على جانبيه لافتات تخبرنا أن الحياة واجبة! استجابة يومية، تدغدغ فيَّ النجابة والشطارة. أربّت بيدي على كتفي، وأرقب مليًا كبسولات لا ترفعني عن هذا الزمن ولا توسع المكان من حولي، ولا تمنحني جرعة الحديد التي أحتاجها.

إذًا، كل هذا الطعام الذي ألتهمه، للمتعة، للتعامل مع أفكاري الملحاحة بلا طائل، لمنع نوبات "الشقيقة" والجوع، بالكاد يكفي لتأمين الحد الأدنى من الطاقة الواجبة للتفعيل الآلي. وماذا عن الأمل والشغف كأداتين للدفع الذاتي؟ كيف تتحصل عليهما الكائنات التي لا تحيا إلا بهذين المكونين باعتبارهما أصيلَين؟

أشكُّ في قدرة حبة الماغنيزيوم أو الأوميغا-3، رغم ذهبية لونها، على تحفيز الظنّ بالممكن. الأمل لا شيء سوى الظنّ بالإمكانية، ما الحبة التي تغذي ذلك؟ لون الزيت الأصفر الذي تماهيه هذه العبوة الصغيرة، لا يعطي إشراقًا حقيقيًا ضروريًا لكسر سماء غائمة في نيسان، أجمل أشهر الربيع.

التقدير "السليم"، كما يخبرني مَن حولي دائمًا، يقتضي حمل جاروف وكنس ما يتلألأ من بعيد، لأنه حتمًا يُضني. كل يوم، أرمي هذه الحبوب في أمعائي قبل كوب ماء لا أشرب غيره طوال النهار، وأترك شراييني مفتوحة لاستقبال المزيد من القهوة، أحد الأسباب الجوهرية القليلة التي تنتشلني من سريري.

أنتزع الكلمات من رأسي وأرميها هنا، وإلى جانبي كيس من الجزر المقطع، قضيت عليه تمامًا... أقضم قطعة بعد الأخرى بشراسة، مرددة: الجزر مفيد للنظر، ومحفز لصحة الدماغ، وكذلك يعزز المناعة... هذه المناعة التي أحتاجها... سأتدثر بها وأخرج بقامة فارعة لمواجهة "السترس".

توتر أضاف لي حُسنًا بالوزن الزائد عند الخدود. مخزوني من التفكير الإيجابي يحثني على التغني بذلك، هذا ما قد يشتت الناظر عن البؤس الكامن في تفاصيل أخرى من الوجه... لكنه، منح الغذاء للقوام ورمى قحطًا من حوله. وضَّب أفكاري "المبدعة" في الخلف وصدَّر لي هدفًا واحدًا... الدوزنة. وإذا كنت قد تعلمت شيئًا من معايشة القلق والتوتر، فهو الإنصات والطاعة. الآن وقت إدارة الطاقة. سأركز في مراقبة تطبيق الصحة، لأحصي خطواتي وأتأكد أنني أمنح نفسي فرصته للتنفس والتنفيس.

هيا بنا، أقولها لي، وللنجلاوات داخلي، هيا بنا، للسير... بلا هدف، فالسير هو الغاية وبعدها تأتي الحلول. لنركز في الخطوات، وفي محاولات الالتزام بالقسط المطلوب من النوم. ثماني ساعات منه، غالبًا تعني تفضيل الغرق في السرير مباشرة بعد واجبات المساء القاهرة، على تلبية الأنا الفاقعة بضرورة إبداء رأي أو مشاركة سكان هذا العالم بما هم ليسوا في حاجة إلى معرفته.

الآن سأنام، وغدًا سأقول على الملأ، أن الفيتامينات لا تمنح وقتًا، ولا مالًا نشتري به وقتًا للالتفات إلى الحياة الواجبة والجميلة.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها