الإثنين 2023/04/17

آخر تحديث: 21:31 (بيروت)

التضامن مع نزار صاغية.. لحظة 17 تشرين حقوقية

الإثنين 2023/04/17
التضامن مع نزار صاغية.. لحظة 17 تشرين حقوقية
increase حجم الخط decrease
ليست قرارات مجلس نقابة المحامين الأخيرة، وقضية استدعاء المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية، منفصلة عن التحولات السياسية في مرحلة ما بعد 17 تشرين في لبنان، والتحولات الإقليمية ما بعد مرحلة الحرب الروسية على أوكرانيا.

تدور عقارب الساعة الى الوراء، بما يتيح للسلطات، في المنطقة، إعادة تشكيل هوية سياسية بمفعول رجعي، تطيح كامل المكتسبات التي حققتها الشعوب لناحية انتزاع حقوق مثل الرأي والتعبير، والتغريد خارج سرب "الإطار" المسموح به، والسقوف الموضوعة لإبداء الرأي أو تشكيل رأي عام يحاسب ويراقب ويدعم، خارج علبة التسويات السياسية داخل النظام اللبناني نفسه، وعلى مستوى العالم في المجال الأوسع. 

خلال العقد الأخير، رفع العالم الحرّ لواء الحريات، وناصرها عبر دعم أي حراك يسعى للتغيير، وتوسع الدعم الى منظمات المجتمع المدني حيناً، والقوى البديلة التي انتزعت حصتها من السلطة، أو شكلت إطاراً مستقلاً يراقب ويحاسب، حيناً آخر.. شهد لبنان أكبر حراك من هذا النوع، استطاع إيصال 13 نائباً من القوى المدنية الى البرلمان، وتراجعت الحكومة عن قرارات عديدة، وأذعنت لإرادة تغييرية داخلية، ولتبنّي المجتمع الدولي لتلك الإرادة.. ولعل إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة في موعدها، أبرز مثال على الاستجابة الداخلية لصوت الناس.  

جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا، وبدأت إعادة تشكيل هويات مختلفة وتحالفات سياسية في العالم، بالتزامن مع الأزمات التي انشغلت بها أوروبا وسواها من داعمي التغيير في لبنان، لتقلب كل شيء. انحسرت مساحة التأثير، مما ترك لكل هوية سياسية خاصة بكل بلد، فرصة التقاط الأنفاس، وتزامن ذلك مع تحولات في المنطقة، وتشظي التحالفات الدولية. 

تقتنص السلطة في لبنان هذه اللحظة. تحاول طيّ صفحة 17 تشرين، باستعادة لحظة التوافقات السابقة، ولا يمكن لذلك أن يتحقق من دون "إعادة تنظيم" المؤسسات التي كانت تقليدياً على تماس مع مؤسسة الدولة، والقادرة على التأثير في الرأي العام، وتكاد تلك المؤسسات تتلخص في نقابة المحامين، وفي احتواء الصحافيين. 

الطرف الأول (المحامون) يمتلك من التأثير القانوني وتفنيد الملفات ما يكفي لعرقلة السيستم المقبل، الذي كان، قبل 17 تشرين، قائماً على توافقات ألغت المعارضة داخل المؤسسات، وأتاحت المحاصصة والزبائنية، وربما، الإفلات من العقاب، ما دفع إلى ظهور معارضة من خارج النظام. أما الطرف الثاني (الصحافة)، فيمتلك ما يكفي من النفوذ لتجييش الرأي العام، وإحباط صفقات، وافتضاح ممارسات داخل السيستم. وإذا لم تستطع التغيير، فإنها تبذر الشكوك، وتهشم صورة الفاعلين في السلطة، وتعيد تشكيل ملامحهم خارج هالتهم النمطية كحُماة للبلاد، وضمانة للسلم الأهلي... 

من هذا المبدأ، يصبح التضامن مع نزار صاغية واجباً، كونه جمع الملفَّين، الحقوقي والإعلامي، في مشروع واحد هو "المفكرة القانونية". الوقوف الى جانبه، هو مناصرة لحرية الرأي، ولحلم التغيير، في ظل محاولات طمس مسارات داخلية وخارجية لمحاسبة المسؤولين عن الانهيار (الملفات المالية ومحاكمة رياض سلامة نموذجاً)، أو المسؤولين عن انفجار المرفأ، وهما ملفان حملهما صاغية على عاتقه.

ولعل التضامن مع صاغية، وسائر المحامين الرافضين لقرارات مجلس نقابة محامي بيروت، يشبه، رمزياً، لحظة الاحتجاج في ساحات 17 تشرين. لحظة مواجهة لإعادة تشكيل السلطة بصيغة ما قبل 17 تشرين. والمعادلة هنا التي يؤمن بها صاغية، هي: عندما يشتد الحراك، تصبح الحرية أكبر.

تخاف السلطة شعباً غاضباً، تهاب التضامن الاجتماعي الواسع، كما هو حال التضامن مع صاغية، الذي يصبح متاحاً عند الإيمان بضرورة المحاسبة. التحشيد وحده، سيظهر أصحاب السلطة فاقدين لنفوذهم ولقدرتهم على التحكم، وهو ما يخيفهم لأن التغيير يبدأ من كلمة ونضال لمنع الإفلات من العقاب. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها