الإثنين 2023/01/30

آخر تحديث: 21:59 (بيروت)

عندما أقرّ باسيل بعزلته...

نور الهاشم
الإثنين 2023/01/30
عندما أقرّ باسيل بعزلته...
increase حجم الخط decrease
لا يكذب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، عندما يعترف بعزلته، لكنه يقرّ بنصف الحقيقة، تاركاً لجمهوره فرصة للغضب، وللآخرين من المحايدين فرصة للنقمة على خصومه، ولنفسه، فرصة لادعاء البطولة. 

بعد تصريحه يوم الأحد، الذي هاجم فيه الأقربين والأبعدين، والمحرّم انتقداهم في أدبيات "التيار"، في إشارة الى رأس المؤسسة العسكرية، شرّع حملة للغضب في مواقع التواصل، استدرجت جمهوره الى القول "إننا لوحدنا"، قالوا فيها ما يوحي بأنهم مضطهَدون ومحاصَرون ومعزولون، وأنهم اختاروا المواجهة، ولن يفوّتوا فرصة لشن حرب في سنوات ست مقبلة، على مَن حرم باسيل "الإصلاح والتغيير". 

لكن باسيل، باعترافه الأول بالعزلة، يختزل مساراً سياسياً يُفترض أنه كان جزءاً منه، وانقلب عليه، وتحول، في العرف اللبناني، الى زعيم منبوذ، لم يتردد المحتشدون في الساحات بانتقاده، والسياسيون على المنابر بكيل الاتهامات له، والمحللون بتفنيد خطواته، حتى خسر الحلفاء والخصوم. 

ولم يكن باسيل معزولاً في العام 2016، حين وصل عمّه ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، بتسويات وتفاهمات. خسر باسيل "القوات اللبنانية" بعد انتخابات العام 2018، وخسر "الهدنة" مع "حركة أمل" في أواخر 2017 حين انتقد بالفيديو الشهير المسرب، رئيس مجلس النواب. كما خسر جمهوراً ممانعاً يعتبر التفوّه باسم الصراع مع اسرائيل "محرّماً"، وذلك في مقابلته مع "الميادين" في ديسمبر 2017.. وانكسرت العلاقة بالكامل مع "تيار المستقبل" بعد اندلاع احتجاجات 17 تشرين 2019. وأخيراً، تعكّر صفو العلاقة مع الحليف الأخير له، "حزب الله"، على خلفية الملف الرئاسي واجتماع مجلس الوزراء. 

خلال السنوات الست الماضية، استعدى باسيل الجميع، فتكتل معظمهم عليه، من مسلمين ومسيحيين.. ومَن تجنَّب مواجهته، فذلك لحماية العلاقة مع حليفه "حزب الله"، أو إكراماً له. لم يفُته أي صراع مع رؤساء الحكومات السابقين، ولا مع حلفاء الأمس وحلفاء الحلفاء. اختار نهج المواجهة، بهدف تحسين حضوره في الساحة المسيحية بوصفه الوحيد القادر على مواجهة الكبار في الطوائف الأخرى. وبالطبع، لن يجاريه منافسوه المسيحيون، منعاً لخوض معركته الشخصية. ولم يعدم وسيلة في معاركه لم يستخدمها، من اللوم الى الابتزاز والتحريض، حتى استعدى جميع الموظفين الذين عيّنهم أو زكّى وصولهم وتمديد ولاياتهم في مواقعهم، من القضاء الى الجيش وحاكمية مصرف لبنان. 

هل كل الناس على خطأ، وباسيل وحده على صواب؟ 
السؤال يُطرح في نقاشات المؤيدين والمعارضين في مواقع التواصل. سؤال لا يصل إلا إلى نتيجة واحدة، مفادها أنه في السياسة اللبنانية، العلاقات تُبنى على "الأخذ والعطاء". لا تُبنى على قاعدة الأخذ والطلب، من دون مقابل. قد يكون باسيل يتوهم حجمه المتضخم، وربما هذا حقّه.. أو يتوهم دلاله لدى حلفائه، وهو حر في هذه القراءة.. لكنه يصر على إنكار التوهمات. 

يقترب باسيل من نقطة النهاية. آخر الاستحقاقات يخوضه بلا حلفاء، مدفوعاً بوهم جديد هو القوة الدائمة. قوة حضوره في الشارع المسيحي الذي انكسر في الانتخابات الاخيرة، وقوة حليفه في فرض معادلة على حلفاء آخرين تصب في مصلحة باسيل. يعرف أنه يتجه لهزيمة في معركة الرئاسة، ويريد تعويضها بتحشيد شعبي ضد الجميع. هي معركة كان في وسعه أن يكسبها لو كانت في ظرف آخر، وليس في زمن الكفر بالزعامات والطوائف الذي يتردد صداه على أبواب الصيدليات وأصحاب الموتورات ومخازن الأغذية.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

مقالات أخرى للكاتب