الخميس 2022/08/04

آخر تحديث: 15:59 (بيروت)

4 آب: ما نفعُ مسيرةٍ يشارك فيها المجرمون؟

الخميس 2022/08/04
4 آب: ما نفعُ مسيرةٍ يشارك فيها المجرمون؟
تتحقق العدالة عندما لا يذهب هدراً العُمر المسروق من الطفلة ألكساندرا نجار (غيتي)
increase حجم الخط decrease
حاولتُ، أمس، قبل الخلود إلى النوم، تسميع أسماء الضحايا: "ألكساندرا، جو عقيقي، علي مشيك، جو نون، جيسيكا، جو عقيقي، رالف ملاحي...".. ثم تذكّرتُ أسماء إضافية ورددتها بصوت عالٍ كي لا أنسى إسماً واحداً. وتذكّرتُ ليليان شعيتو ولارا حايك القابعتين على سريرَي موت منذ سنتين، في ظل مكابرة السلطة ووقاحتها كمُشاركة في مسيرات اليوم المشؤوم وذِكراه، فمن أعطاهم صك البراءة؟!

الرّابع من آب، ليس مجرّد يوم نستذكره كل عام بمسيرة، بتوجّهنا إلى الشارع بأعداد لا بأس بها، لنقف أخيراً أمام الأهراءات، الشاهد الأساسي على هول الجريمة، ونلقي كلمة تنتهي بدقيقة صمت عند السادسة والسبع دقائق، ثم نعود الى جريان اليوميات.

الاستمرار على هذا المنوال، كل عام، سيجعل الحدث الإجرامي عادة روتينية، يتلاشى معها فضول وتخمد الحماسة للتجمّع في الشارع والصراخ طلباً لعدالة بعيدة المنال مع مسؤولين يترشّحون للنيابة وينجحون بأرقام قياسية، ليطرحوا أنفسهم وزراء في ما بعد. الرّابع من آب يجب أن يكون جرحاً يستمرّ في النزيف، صيحة عن الوضع المزري للبنانيين قابعين خلف قضبان وتُمنع عنهم حقوقهم الأساسية كالكهرباء والمياه والخبز.

جريمة المرفأ، بيضة القبّان لكل تراكمات الفساد واللامبالاة على مدى عقود، مغطّاة بكمّ هائل من الطمع والشراهة لسلطة ومال، أعمت عيونهم، وما زالوا يتغذّون على الطائفية وينجحون، رغم المحاولات الحثيثة لدفنها.

مَن لم يتأذّ جسدياً من التفجير، تأذى نفسياً، ويحاول حتى اليوم التعافي من جروح خفية تظهر كلما مرّ بجانب الأهراءات أو تجوّل في شوارع الجميزة ومار مخايل والأشرفية. منهم مَن يحاول تحاشي الألم والسير بسرعة، ومنهم مَن يحاول العودة الى الحياة، لكن لا بدّ لأحاديث الأصدقاء أن تسرد "أين كنا في الرابع من آب، وقت الانفجار".

لن تتحقّق العدالة في إحياء الذكرى بمَسيرات شعبية، أو بجعل اليوم عطلة رسمية يسقط معناها بمرور الزمن، أو بأغاني فيروز وجوليا وماجدة الرّومي الثورية تُبثّ عبر مكبّرات الصوت أو حتى استذكار أبيات نزار قبّاني عن "ستّ الدنيا". 

تتحقّق العدالة عندما تتمكن ليليان شعيتو من احتضان طفلها، عندما يُعالج كل مُصاب على حساب الدولة، وتعوَّض المساكن للأهالي المشرّدة. عندما تعيش عائلة علي مشيك بكرامة، ولا يذهب هدراً العُمر المسروق من ألكساندرا النجار التي لم تستكمل لعبها على دراجتها الهوائية في ساحات بيروت. تتحقّق العدالة، بما يوزاي التخرُّج الذي لم ينله الياس الخوري مع أصدقائه في المدرسة، وكلية الهندسة التي لم يلحقها. وبما يساوي، حباً وفرحاً، في زفّة سحر فارس ليلة عرسها، واحتساء جو نون القهوة مع عائلته صباحاً ليلاقي عقبها زميله رالف ملاّحي في فوج الإطفاء في الكرنتينا. عندما يُعوّض غياب جو عقيقي عن اتصال والدته بقصاص المجرمين، وتوازن المحاسبة عمق غيبوبة لارا.

سنبدأ نشُمّ رائحة العدالة عند إحضار المجرمين بالقوّة، والتحقيق معهم بشفافية في ظلّ قضاء مستقل لا يكف يد المحقّق العدلي عند كلّ مفترق، وعندما يُمنع كل متهم من الترشّح الى مناصب رسمية، ولو كانت المَختَرة. عندما تتحقّق العدالة، نستطيع حينها، فقط حينها، تخطّي الرابع من آب الساعة السادسة والسبع دقائق، لأننا حتى اليوم سجناء هذه اللحظة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها