الإثنين 2022/07/18

آخر تحديث: 19:44 (بيروت)

تقسيم بلدية بيروت.. وأشباح "حرب الإلغاء"

الإثنين 2022/07/18
تقسيم بلدية بيروت.. وأشباح "حرب الإلغاء"
increase حجم الخط decrease
دلالتان يحملهما مقترح تقسيم بلدية بيروت الى بلديتين، أولاهما التقسيم على اساس طائفي ضمن عناوين انمائية وخدماتية، وثانيتهما فتح أبواب جديدة للمحاصصات في بلد لا يعول سكانه الى حد بعيد على التعهد بالمحاسبة، والوعود بالشفافية، والاستعداد لتنفيذ حوكمة رشيدة. 

أثار اللبنانيون هذه العناوين، في معرض نقاش مقترح تقسيم بلدية بيروت الى بلديتين. البلديتان ستكونان واحدة للمسلمين، والثانية للمسيحيين، عملاً بتقسيمات قانون الانتخابات القائم. واحدة تضم الاحياء والمناطق التي تسكنها غالبية مسيحية، والثانية تضم أحياء مناطق تسكنها غالبية من المسلمين. وذلك يعني بما لا يحمل اللبس، تقسيماً على أساس طائفي. 

ومع أن المغردين اللبنانيين حملوا على المقترح بوصفه تقسيمياً، ودانوا مخطط القائمين به من مسؤولين ونواب كانوا حتى يوم 15 أيار الفائت (موعد الانتخابات النيابية) يتغنون بالعيش المشترك والوحدة الوطنية.. ومع أن بعض المغردين ذهبوا الى اعتباره باباً جديداً للتحاصص على اساس طائفي، إلا أن ذلك ليس المُراد من مقترح لا يحظى، حسب معلومات "المدن"، بموافقة بكركي بعد، كما لا يمكن تسويقه لدى "دار الفتوى" التي رفضته علناً، كما رفضه الإفتاء الجعفري... 


ما يُراد من هذا المقترح، هو تجربة "اللامركزية الموسعة" بمعناها المالي والإداري، وهو مطلب قوى سياسية مسيحية تدفع باتجاهه كالتفاف على عنوان الفدرلة المرفوضة على مساحة لبنان، على قاعدة أن لبنان "أصغر من أن يُقسم، وأكبر من أن يُضم". 

منذ العام 2020، فشل تسويق جميع الطروحات لفدرلة البلاد. تصطدم الفدرلة التي تحمل عنوان "اللامركزية المالية والادارية الموسعة" بوجود نظام الاحتكار القائم الذي يحمل عنوان "الوكالات الحصرية". تلك المعضلة الأساسية التي تحول دون قبول أي طرف من المسلمين باللامركزية المالية، "منعاً لأن يتحول المسلمون الى جالية استهلاكية لصالح اصحاب الوكالات الحصرية"، حسب تعبير وزير سابق. ويقول الوزير نفسه: "كيف يمكن أن تعود عائدات السوق الاستهلاكي العام الى مناطق محددة تتواجد فيها مراكز الشركات، بينما لا تستفيد غالبية المستهلكين من عائدات استهلاكهم في مناطقهم بالتنمية والخدمات؟" 

فشل المقترح عند ذلك الحد، وطُمر في ملفات النسيان قبل الانتخابات، ثم عاد إلى الواجهة مع اقتراب الانتخابات البلدية، من بوابة تقسيم بلدية بيروت، وهي البلدية "الأغنى" في لبنان، والأكثر تحصيلاً للقيمة التأجيرية المعروفة بـ"المسقّفات"، ويُقال انها كانت، حتى اندلاع الأزمة المالية، من بين البلديات الاكثر هدراً على مشاريع ومهرجانات لا تخلو من شبهات المحسوبيات. 


وبتضافر عاملَين، هما نهاية الحديث عن الفدرلة من جهة، والعائدات المالية الهائلة لبلدية بيروت، يبدو المقترح أشبه بمطلب "بدنا حصتنا"، و"لتذهب أموال المسيحيين لتنمية مناطق المسيحيين، وعائدات المسلمين لتنمية مناطقهم أيضاً". لكن السؤال الأساس الآن يتمحور حول العائدات: هل ستبقى نفسها بوجود المساحات التجارية والسياحية ضمن نطاق البلدية ذات الغالبية الإسلامية (من املاك سوليدير الى المؤسسات السياحية والتجارية الممتدة في بيروت الغربية)؟ وما هي ظروف التنمية السياحية والتجارية في المناطق الشرقية؟ وكيف ستقسم عائدات مرفأ بيروت البلدية؟ 

ترى مصادر مسيحية مواكبة للمقترحات، أن الطروحات التقسيمية تلك، أقرب إلى المقترحات الشعبوية غير المدروسة. تضيف: "حين يصل الأمر الى التقسيم، سنصطدم بأمرين: أولاً الصراع مع المسلمين على الموارد والجغرافيا، وثانياً، وهو الأخطر، إيجاد مساحة جديدة للصراع المسيحي – المسيحي الذي اختبرناه منذ 1860، وكان آخر أشكاله العنيفة في حرب الالغاء، وآخر أشكاله السياسية في الانتخابات الأخيرة". 

تغرق الأحزاب المسيحية في الشعبويات على أعتاب الاستحقاقات. موازين القوى التي كانت في العام 1953 في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، لم تعد قائمة اليوم. لكن تلك الأحزاب ما زالت تمتلك القدرة على حشد الرأي العام بعناوين طائفية، لا تُصرف في أي مكان.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها