الخميس 2022/11/10

آخر تحديث: 19:57 (بيروت)

بري والجميل.. وعجلات النظام السريّة

الخميس 2022/11/10
بري والجميل.. وعجلات النظام السريّة
من الجلسة العامة في مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
عشرات الأوصاف أعطيت لرئيس مجلس النواب، نبيه بري، بعد ردّه على سؤال النائب سامي الجميل عن المادة التي ينتخب وفقها رئيس الجمهورية، بالقول: "مادة إجرها من الشباك". انقسم اللبنانيون بين من يقول انه استعلائي، أو يستخف بالجميل، وهو تقدير معارضيه، ومن يرى أنه صلب وسريع البديهة، وهو تقدير أنصاره. 

اشتعلت مواقع التواصل بتفسير ما قاله، وخلفياته، لكن أياً منهم لم يذهب الى ملامح وجه بري أثناء الرد. لم يبتسم، كعادته حين يطلق عبارة من خارج السياق. لم يضحك حين ردّ، ولم يعقّب حين ألحّ الجميل بالسؤال والاستفسار. أقفل النقاش بحزم، واستدار في اتجاه مدير عام المجلس معطياً إياه إشارة لاستكمال ما كان مخططاً له قبل سؤال الجميل. 


تعكس ملامح وجه بري، حسماً يؤدي الى نتيجة واحدة، هي إقفال النقاش. يعرف بري ما يريد الجميل الوصول اليه من غرق في تفسيرات دستورية متباينة، يقترب معظمها من تأكيد أن حضور الثلثين في الدورة الثانية ضرورة، وهو أمر مُتفق عليه بين المسيحيين منعاً لانتخاب رئيس بحضور هزيل، وبالتالي تخفيف وقع الفوز، وهو ما لا يرضاه مسيحيو لبنان للموقع المسيحي الأول في الدولة. هذا الجانب من العُرف، غير معلن، لكنه مُتفق عليه، بمعزل عن دستوريته، منعاً لأن يشرّع الباب لانتقادات توجه للرئيس المقبل تظهره ضعيفاً. 

والنقاش هذا ليس الأول من نوعه. طُرح في زمن الشغور الرئاسي بعد نهاية عهد الرئيس اميل لحود، كما طُرح على مدى 45 جلسة في فترة الشغور الرئاسي بعد نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان. كان الحسم مسيحياً برفض عُرف جديد، بمعزل عن النقاشات الدستورية المتصلة بصحة قبوله من عدمها. من شأن الذهاب لأكثرية النصف زائداً واحداً أن يخطّ عرفاً جديداً يختلف عن المعمول به منذ سنوات طويلة، لجهة حشد شرعية نيابية من كل الأطراف للرئيس العتيد، تنتخبه بأكثرية الثلثين، وإذا تعذر ذلك، على غرار انتخاب سليمان فرنجية الجد في العام 1970، أي بأكثرية الحاضرين (فاز بفارق صوت واحد)، فإنه لن يُسمح بانتخاب رئيس تفتقر جلسة انتخابه الى شرعية سياسية. 

والحال إن نقاشاً من النوع الذي فتحه الجميل، هو مادة انتقاد سياسي بما يتخطى القدرة على تجاوز المعمول به، نظراً للحساسيات المسيحية وشرعية الموقع الأول في الجمهورية. تم اللجوء إليها بعد إقفال بري لنقاش متصل، حول ما إذا كانت الجلسات مفتوحة بعد الجلسة الأولى التي حضرتها أكثرية الثلثين. يقفل بري محضر الجلسة في كل مرة، ما يفقدها صفة "الجلسة المفتوحة"، ويدعو لجلسة أخرى. وعليه، تم اللجوء الى هذه التفسيرات الدستورية حول نصاب الجلسة، التي يمكن استخدامها في معرض الاستهداف السياسي الذي لا يحظى بمناصرة سياسية مسيحية، ولا حتى دينية من بكركي. 

في السياسة، يصرّ بري على التوافق لتحقيق هذا الغرض المسيحي، وعدم تجاوز الثوابت المتعارف عليها. في تعابير وجهه، يحاول تكريس المعادلة القائمة، ويقفل النقاش فيها. هو يدرك، كما الجميل ومختلف القوى السياسية، بأنه من دون توافق، لا سبيل للوصول الى مرشّح جديّ، وإعادة إطلاق عجلة النظام. 

تذهب التفسيرات بعيداً، وتطاول البُعد الشخصي، لجهة الهوّة بين جيلين، أولهما يمثله بري وتعبر عنه التوافقات بين أركان النظام، وثانيهما جيل الجميل العازم على النقاشات وتوسيعها، لإثبات معارضته بدلالات دستورية وقانونية. لكن النظام لا يسير بهذا الجانب فقط. ثمة ما هو أقوى من النقاش الدستوري، حامل الوجوه. العرف أقوى، والتوافقات المعلنة وغير المعلنة، أقوى أيضاً.. وهو ما يسير به النظام اللبناني. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها