الإثنين 2021/08/23

آخر تحديث: 17:22 (بيروت)

أسماء الأسد.. من "أمّ الكل" إلى "أمّ الذل"

الإثنين 2021/08/23
أسماء الأسد.. من "أمّ الكل" إلى "أمّ الذل"
increase حجم الخط decrease


لم يَعُد مصطلح "بلد العائلة" مجرّد وصف سياسي مُبسّط للحكم في "سوريا الأسد"، وإنما باتَ مفتاحاً لفَهم المرحلة التي وصلت إليها علاقةُ المُواطن بالسُلطة. وعندَ رَصد جوانب هذه العلاقة، تكفي متابعة ما ينشره أبناء الحاضنة الاجتماعية للنظام في مواقع التواصل من صرخات عاتبة على "الأم" سوريا، وعلى من يمثلها سلطوياً.

خلال الأسابيع الماضية، تكرّر نشر فيديوهات موالية ناقدة وغاضبة بشكل غير مسبوق. لكنّ أحداً لم يُصِب عمق المشكلة، كما فعلت والدة أحد جرحى قوات النظام، وتدعى عواطف قبيلي. ومع أن ما قالته لا يخرج - في الشكل واللغة - عن كونه بَوحاً عفوياً في لحظة انفجار قهري، إلا أنه يُصوّر بدقّة توحّش الزبائنية السوريّة.
في المقطع الذي ظهرت فيه قبيلي، وَجّهت انتقادات لاذعة لمنظمي "دورة ألعاب جريح وطن" المقامة في "مدينة الأسد الرياضية" في محافظة اللاذقية، بعدما رأته في حفل الافتتاح من "سوء معاملة وإذلال" بحق بعض الجرحى، ومنعهم من مقابلة أسماء الأسد. 

وتزامن ذلك مع منشور كتبه مُصاب يُدعى محمود أبو شحادة تحدّث فيه عن "ترك المشاركين ممّن فقدوا أطرافهم، وعدم إعادتهم إلى منازلهم بعد انتهاء الاحتفال". 

كان لافتاً في هذا المنشور المُريب تولي الصفحات المؤيدة مهمة تعميمه على نطاق واسع. وبدا واضحاً أن القصد منه هو حصر الانتقاد بمسؤولين محددين (محافظ وعضو مجلس شعب)، والعمل في الوقت ذاته لإبعاد السيدة الأولى أسماء الأسد عن دائرة المسؤولية، بحيث تبقى "مصدراً للحل، لا للمشاكل"!. واستُكمِلت عملية امتصاص الغضب لاحقاً بمقطع مصور مختلف النبرة، خرجت فيه قبيلي وهي تردد كلمات مُلقّنة، لتبرر ما صدر عنها في الفيديو الأول، ولتضعَ الأمور في سياق "الأخطاء التنظيمية"، ولتؤكد أن "السيد الرئيس والسيدة أسماء تاج على رأسنا"!.
ولا يختلف هذا الاعتذار عن العُرفٍ المعتاد في بلاد "الأب القائد"، و"أم الكل" لكبت النقمة المتنامية في أوساط الموالين إلى مدى معين. وبالمقابل تزداد الحاجة للترهيب أو الترضية مع كسر الخطوط الحمراء في كل مرّة.

هنا ينبغي العودة إلى ما قالته قبيلي في البداية لإحصاء التابوهات التي حطمتها. إذ أنها خاطبت بشار الأسد وزوجته بلهجة توبيخية. لكنّ أهمّ ما باحت به هذه السيدة هو ذلك الذي رسم صورة لبنية المجتمع والنظام السوري. فقد كان واضحاً أن شعورها بالقهر يعود لسببين هما: المحسوبية، والاستغلال الرخيص للضحايا. وعليه فإن أقسى عبارات عواطف قبيلي جاءت إثر تمييز الوفد القادم من دمشق بمعاملة أفضل على حساب أبناء اللاذقية، واحتجاجها على طريقة توزيع الامتيازات للجرحى من علاج وسفر. 

وبينما يبدو أن هذا النقد لا يضيف جديداً على الواقع السوري المبني منذ زمن طويل على ذهنية "الإنسان الواصل" في هرم الزبائنية الطبقيّة والطائفية، فإنّ صدوره في سياق "مصارحة بالمَونة" يلخص حقيقة "سوريا العائلة" حالياً. 

ففي وقتٍ يَشعر فيه أي السوري المنتمي للطائفة العلوية (في الساحل تحديداً) أنه الابن الأقرب لقلب نظامه، وصاحب امتياز في رفع سقف التخاطب مع "الرؤوس الكبيرة في الدولة"، فإن بقية المواطنين من البيئات الأخرى يكتفون بالصمت أو بشتم الوسطاء (موظفين، رؤساء بلديات..) وكأنهم يسلّمون بمكانتهم الثانوية، وبأنهم "أولاد الجارية" في مقابل "أولاد الزوجة"!.

غير أن ما يمكن وصفه بالفضيحة الحقيقية هو النقد المتعلق باستغلال التضحيات، ما دفع قبيلي لمنع ابنها الجريح من أخذ صور مع الجمعيات المدعوة للحفل، لأنهم حسب قولها": كلهم أنذال ومنافقين وكذابين"، وكل واحد منهم "سرق وعمّر بيوت وقصور من وراء الجرحى".

وكحال المؤسسات غير الربحية التابعة لـ"رئاسة الجمهورية السورية"، تشرف أسماء الأسد على برنامج "جريح الوطن" الهادف إلى" توفير الرعاية اللائقة والتأهيل المُناسب للجرحى".

ولعل ما يستدعي التوقف في كلام والدة الجريح قبيلي، هو أنها أزالت مساحيق التجميل عن وجه العمل الإنساني للسيدة الأولى، كما عبّرت عن صيغة العلاقة بين النظام ومجتمعه الموالي كـ "تجارة" نتج عنها دفع الموالين ثمن بقاء الأسد، من أرواحهم، لتُعلن قبيلي بأنه لم يَعُد لديها ما تخسره، بعدما خسرت زوجها وابنها.

وليست هذه أول مرّة يشعر فيها موالو النظام بالإذلال تحت رعاية أسماء الأسد التي جرى تسويقها على أنها "أم الكل" ورمز لاحتضان المعذبين، ففي فعالية أقامتها "مؤسسة العرين الإنسانية" في الملعب البلدي في مدينة حمص العام الماضي، تم تجميع "ذوي الشهداء والجرحى" أيضاً، ومن ثم رمي عبوات المياه وعلب البسكويت لهم بطريقة مهينة. 

ورغم الاستياء الشعبي من تكرار هذه المظاهر، فإنها مرشحة للاستمرار، مع ارتباط أكبر لكلمة "ذل" بنشاطات أسماء الأسد، طالما أن الغايات الدعائية والتمويلية للمنظمين تتحقق من استعراض جموع مُتلهفة لتحصيل القليل، وأصحاب إعاقات مكافحين للظهور كأبطال.

هذا المرض الذي أصاب سوريا في السنوات العشر الماضية (اقتصاد الظل وبزنس الضحايا) يفسر الكثير من سلوكيات "الحفاظ على الوضع القائم" لدى هيئات النظام والمعارضة، لأن سقف المشاريع السياسية والعسكرية أصبح مقيداً بحسابات نفعية، ولعدم وجود جمهور فعلي لتلك المشاريع، بل حُشود تجمعها المآسي وبقايا الشعارات، ويُفتتها البحث عن الخلاص، والالتصاق بأصحاب الامتياز، وانتظار ما يدفعونه ثمناً لشراء "العجز" و"المأساة" من أصحابها.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها