الأربعاء 2023/11/15

آخر تحديث: 22:20 (بيروت)

"رايات الخلافة" في ألمانيا..من دعم غزة إلى صراع الحضارات

الأربعاء 2023/11/15
"رايات الخلافة" في ألمانيا..من دعم غزة إلى صراع الحضارات
من تظاهرات مدينة ايسن في ألمانيا (وسائل إعلام ألمانية)
increase حجم الخط decrease
منذ انتهاء التظاهرة الإسلامية بمدينة إيسن في ألمانيا، دعماً لغزّة، وعَودة المتظاهرين إلى منازلهم، بدا أن باباً سيُفتح على جدل يَصعُب التنبؤ بتداعياته السياسية والاجتماعية والقانونية.
ونُظمت تظاهرات عديدة مؤيدة للفلسطينيين في ولاية شمال الراين خلال الأسابيع الماضية.

ففي مدينة كولن، كان هناك تجمع في محطة القطار الرئيسية تحت عنوان "فلسطين حرة". ونظّم شباب "حزب اليسار الألماني" في مدينة إيسن، تجمعاً مماثلاً بعنوان "أوقفوا الحرب!". كما أقيمت تظاهرة في مدينة فوبرتال تحت شعار "أوقفوا جرائم الحرب الإسرائيلية". وتمّت على إثرها مصادرة ستة ملصقات تحتوي على ما قيل أنه "محتوى تحريضي"، بحسب الشرطة.

وكخطوة ألمانية أوّلية، رداً على المشهد "ذي الملامح الجهادية"، حسبما ذكرت وسائل إعلام المانية، ولإظهار التضامن مع إسرائيل، نُظّمت تظاهرة أمام الكنيس اليهودي القديم في وسط إيسن، بدعوة من "تحالف واسع يضم نقابات العمال والكنائس المسيحية والجاليات الإسلامية وكذلك الطائفة الدينية اليهودية"، حسب إذاعة WDR.

فزّاعة داعش؟
لم تكن صحيفة "بيلد"، واسعة الانتشار، لتفوّت لحظة عبور الرايات السود في شوارع ألمانيا في الثالث من تشرين الثاني الحالي، من دون مانشيت ملفت، فعنونت حينها: "سيكون ظلاماً حالكاً في ألمانيا". وبلَغَتْ الصحيفة درجة عالية من الشعبوية حين أوردت ضمن تقريرها سؤالاً مفاده: "هل هي مدينة الرقة (في سوريا)؟ أم منطقة الرور(في ألمانيا)؟" مُلمّحةً إلى أن الصورة تذكّر بتنظيم "داعش".

واستندت الصحيفة في تقريرها إلى انطباعات كبير مراسليها، فرانك شنايدر، الذي استعاد مشاهد من أفغانستان، وأخرى من سوريا "عندما استولى التنظيم على مدن بأكملها".

وكحال الكثير من وسائل الإعلام الألمانية، أشار شنايدر إلى شكل التظاهرة "المتأثر بالإسلاموية، فقد كان هناك فصل بين الرجال الذين ساروا في المقدمة، والنساء اللواتي سرنَ في الخلف"، معتبراً أن هذه "المسيرة الخالية من الأعلام الفلسطينية" لا تتعلق بـ"الصراع في الشرق الأوسط بل بصراع حضارات".
وتطرقت "بيلد" إلى استطلاعات رأي أُجريت أخيراً، وتمحور أحدها حول موضوع "المهاجرين من بلاد مسلمة"، وحسب الصحيفة فإن النتائج أظهرت أن أكثر من 60 بالمئة ممن تم سؤالهم أظهروا موقفاً معارضاً لاستقبال هؤلاء المهاجرين.

غير أن تقارير الصحافيين لم تكن سوى جانب من عاصفة ردود أفعال أبرزت حجم المفاجأة من "مسيرة أنصار الخلافة" على الأراضي الألمانية وتحت مظلة القانون، ومن دون أن تقمع الشرطة المتظاهرين، "على عكس ما سيحدث لو كان الاحتجاج ضد لقاح كورونا أو بدافع من قضايا مطلبية"، وفقاً لمقارنات عقدها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي.

خطوط حُمر
على المستوى الرسمي، تعالت أصواتٌ انتقدت ما اعتبرته إساءة استخدام لحرية التعبير، وكانت لافتة دعوة وزيرة الداخلية الاتحادية، نانسي فيزر، إلى وضع قواعد موحدة للتظاهرات في أنحاء البلاد"، حيث صرحت لقناة ZDF بأن "الرموز المعادية للسامية، وتلك التي تشير إلى داعش تتجاوز الخط الأحمر"، على حد تعبيرها.

وفي مسعى لمنع تكرار نموذج الاحتجاج الإسلامي الذي جاب مدينة إيسن، تباحث مسؤولون في مجموعة خيارات تطرقت إلى "إمكانية فرض شروط إضافية" في ما يتعلق بحق التجمع. وعلى سبيل المثال، أعلن هربرت رويل، وزير داخلية ولاية شمال الراين، أنه تم بحث احتمال "جعل اللغة الألمانية في المستقبل، إلزامية، وحظر العربية ضمن اللافتات المرفوعة أثناء التظاهرات". 

لكن صوتاً أكثر إثارة للجدل ذهب بعيداً في مسألة الحقوق والحريات، إذ دعت سابين لوتيوسر شنارينبرجر، وزيرة العدل الفيدرالية السابقة والمفوضة الحالية لمناهضة السامية في شمال الراين، إلى "تفسير أكثر صرامة للحق الأساسي في حرية التجمع". وفي مقابلة مع مجلة WDR السياسية، "Westpol"، اقترحت شنارينبرجر "التحقق من الجنسية عند تسجيل التجمعات، وإصدار المنع مسبقاً بناءً عليها"، مشيرة إلى أن "هذا هو أحد الحقوق الأساسية القليلة التي يحق للألمان فقط التمتع بها". وقد قوبلت هذه الفكرة بمعارضة من وزير العدل في الولاية بنيامين ليمباخ، مؤكداً "حق الجميع في التجمع السلمي، بغض النظر عن جنسيتهم".

منظمون
وبينما انشغل المزاج العام الألماني الغاضب من تظاهرة إيسن بمعايير الديموقراطية والتعايش وسيادة القانون وتدقيق المظاهر العقائدية الإسلامية، فإن معلوماتٍ تواترت حول من يقف خلف هذا النشاط بالتحديد. وعلى الرغم من أن التسجيل والترخيص للتظاهرة تمّ من قبل أحد الأشخاص بشكل طبيعي، إلا أن معلومات صحافية تقاطعت حول دور ما سُمّي بـ"منظمات" (غير محظورة) مثل "جيل الإسلام" و"واقع الإسلام" و"مسلم إنتركتيف". وهي جماعات خلفت "حزب التحرير" المحظور في ألمانيا منذ العام 2003، وتُعتَبر قريبة منه إيديولوجياً. 

ولعل أهم التفاصيل ذات الصلة ساقتها صحيفة "كرونن تسايتونج" النمساوية، وعكست بذلك اهتماماً أوسع بالموضوع يتجاوز ألمانيا. واستهلّت الصحيفة تقريراً لها بالسؤال التالي: "من أين يأتي المتظاهرون الذين خرجوا مؤخراً إلى الشوارع رافعين أعلاماً مزينة بأحرف عربية تذكرنا بتنظيم الدولة الإسلامية؟". وأضافت، مستندةَ إلى تقارير صادرة عن "مركز توثيق الإسلام السياسي في فيينا"، أنه "في ما يتعلق بالدعوة إلى الخلافة في إيسن، فإن المجموعة المؤثرة -جيل الإسلام- هي التي نظمت المظاهرة هناك".

ونقلت الصحيفة عن مكتب برلين الحالي لحماية الدستور، تأكيده بأن هذه المجموعة تنتمي إلى البيئة الأيديولوجية لـ"حزب التحرير"، مضيفة أن الحزب نفسه يهدف إلى "إقامة الخلافة، ويدعو إلى تدمير إسرائيل من خلال الجهاد المسلح"، حسب قولها.

ثمّة إذاً خيوط ومعطيات كافية كان يمكن أن تقود السلطات والإعلام في ألمانيا، بطرق أقصر، نحو تحليل المشهد والبتّ به في مدينة إيسن. وبناءً عليه، يصحّ التساؤل عن الهدف من صخب التصريحات والتأويلات والتنقيب في جذور الترميزات الثقافية الإسلامية وربطها بكل ما هو إيديولوجي، وإلى أي مدى جرى تسويق الرواية الإسرائيلية من قبل الألمان بخصوص محاربة التطرف الداعشي لتبرير أي موقف رسمي ألماني يدعو لاستمرار الحرب على غزة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها