الأربعاء 2020/05/27

آخر تحديث: 17:08 (بيروت)

ميثاق كتّاب الدراما السوريين: أوهام فَوقية ثقافية!

الأربعاء 2020/05/27
ميثاق كتّاب الدراما السوريين: أوهام فَوقية ثقافية!
سلافة معمار وغسان مسعود في "نبتدي منين الحكاية"
increase حجم الخط decrease
ربما لا يستحق الميثاق الذي قدمه كتّاب الدراما السوريون، قبل أيام، وتعهدوا فيه بمحاولة إيصال الدراما المحلية إلى مرحلة التعافي، التوقف عنده بحد ذاته كوثيقة عملية قادرة على إحداث أي تغيير يذكر، باعتباره لا يقدم سوى الإنشاء الممل والخطابة الفارغة. إلا أن الصورة النهائية له، بداية من علامات الترقيم وانتهاء بمحاولات التملص من الأغلاط السابقة خلال العقد الماضي واتهام بقية المشاركين في المسلسلات السورية بها، تعكس نوعاً من الفوقية القبيحة التي تميزت بها الدراما السورية، في تعاملها مع الجمهور نفسه قبل أي أحد آخر.

ولعل مشكلة الميثاق الأكبر اعتباره، من وجهة نظر تتعلق بالمصالح أكثر من كونها مجرد نوستالجيا مريضة أو تورطاً عاطفياً مرهقاً، أن الدراما السورية كانت فعلاً منتجاً رفيع المستوى قبل العام 2011، يجب العودة إليه كنقطة مرجعية. وهي فكرة يكررها صناع الدراما السورية ونجومها في كل مناسبة كأمر مسلّم به، رغم أن ذلك يجب أن يكون نقطة خلافية على أقل تقدير، على اعتبار أن تفوق الدراما السورية، لمجرد هويتها السورية، لم تكن أكثر من وهم يحمل الكثير من العنصرية، ساهمت به عوامل متعددة من بينها عدم وجود بديل في مرحلة زمنية معينة، مع تعميم الحديث عن هذا التفوق في وسائل الإعلام، وتحديداً في وسائل الإعلام الفنية وطبقة النقاد المرتبطين بصناع الدراما بصداقات شخصية، فيما يتكرر الحديث منذ عقود عن علاقات البزنس التي قد تدفع ناقداً للترويج لممثلة أو كاتب أو مخرج دون سواه.

ويضم الميثاق العبارات نفسها التي يستخدمها نقاد الدراما السوريون المتعصبون لسوريتها، والتي تضع الدراما المحلية في منزلة أعلى من "التوافه" اللبنانية والمصرية والعربية والتركية والأميركية وغيرها، باعتبارها "لم تكن مجرد عمل ربحي يتوسل التواجد على منصات العرض التلفزيونية فحسب، بل كانت وستبقى جزءاً من هوية ثقافية وفكرية من وجهة نظر صناع المحتوى الدرامي على أقل تقدير...".

وفيما اعتبر الميثاق مشاكل الدراما الحالية انعكاساً لحالة الصراع التي تعيشها سوريا، فإن سردية تفوق الدراما السورية بهذا الشكل قديمة، تعود لما قبل العام 2011، مع تحويل الدراما التلفزيونية في البلاد من منتج ترفيهي مسلٍ إلى منتج ثقافي شبه وحيد في البلاد، وتكريس صناع الدراما كمفكرين وصحافيين وموثقين وباحثين وناقلين لواقع الناس، رغم أنه لا يفترض بهم لعب تلك الأدوار أصلاً، بل فقط تقديم قصص مقنعة، حول حياة الناس أو حياة الفضائيين، لا يهم. وهو بالتحديد ما تم تحييده بشكل عام طوال السنين، لأن القصة/الدراما لدى صناع الدراما والمشرفين عليها، هي الوسيلة فقط وليست الهدف من كل العمل الفني.

ولا يمكن إنكار أن الدراما المحلية انتكست فعلاً بعد الثورة السورية، لكنها ذلك الانتكاس نسبي. ويعني ذلك أن المسلسلات باتت كارثية بعدما كانت متفاوتة المستوى في أفضل تقدير، وخصوصاً من ناحية رداءة التمثيل وابتذال المواضيع المطروحة والتسييس الواضح فيها، وساهم في ذلك تشرذم صناعها بسبب ظروف الحرب في البلاد وانقسامهم وفق مواقفهم السياسية تجاه النظام، مع انسحاب رأس المال الخليجي الذي موّل تلك الصناعة طوال عقود، مع مزيد من الضوابط الرسمية التي تفرض محرمات لا حصر لها سياسياً واجتماعياً، بموازاة جمود بصري لم يتغير منذ أكثر من عشر سنوات، يجعل المنتجات الدرامية أقرب لأعمال إذاعية يمكن الاكتفاء بسماعها من دون الحاجة للشق البصري أصلاً.

وفيما يلمح الميثاق إلى ذلك بشكل بسيط، فإنه يتناسى أن التراجع يعود أيضاً إلى إدراك المشاهدين أن تلك الدراما عموماً ليست إلا منتجاً كان يستخدم لنشر أنماط اجتماعية وأفكار سياسية وثقافية، بطريقة غير مباشرة، إضافة لعامل المقارنة مع الإنتاجات العالمية والعربية المتفوقة من الناحية الجمالية والفنية والتمثيلية أيضاً، بداية بالمسلسلات التركية والمسلسلات العربية المشتركة وصولاً لإنتاجات "نتفليكس" التي شكلت لدى البعض مجالاً أوسع للمقارنة وأسهمت أيضاً في رفع الذائقة الفنية وكشفت حقيقة العيوب العميقة التي تعاني منها الدراما السورية في صميمها.

واللافت أن الميثاق يحاول تبرئة كتاب الدراما من مشاكلها، بوضعهم في منزلة أعلى من بقية المشاركين فيها. فيتم التلميح للتسييس والتوجيه، لكن تلك المشكلة تحال إلى بقية الأشرار و"الغرباء" في الوسط الفني من المخرجين والمنتجين والممثلين المجتهدين، والذين يتحدثون عادة عن أزمة النص الجيد منذ سنوات، مع تكرار القصص المملة نفسها والأحاديث المفتعلة التي أبعدت الدراما من وظيفتها في التسلية والترفيه لصالح جعلها منتجاً تثقيفياً يجب أن يحمل مضامين اجتماعية أو مضامين سياسية، وأفقدها الخيال الممتع.

وهنا يمكن تذكر عشرات الأمثلة عن الفوقية الثقافية في المسلسلات السورية، والتي تجسدها بشكل واضح الشخصيات الثانوية التي لا تمتلك وظيفة درامية سوى تلقين المشاهد طريقة التفكير الصحيح، سواء كانت الشخصية راوية للأحداث مثل دور شكران مرتجى في مسلسل مسافة أمان (2019) أو شخصية ثانوية مثل تامر (غزوان الصفدي) في مسلسل يفترض أنه جيد مثل "زمن العار" (2009) وحتى في "الفصول الأربعة" بجزئيه (1999 و2002) وهو المسلسل الذي يحظى بأكبر كمية تطبيل رغم كمية الحوارات الثقافية التي يجب على المشاهد تحملها والتي تأتي بشكل أساسي من العاقلين مثل المحامي عادل (جمال سليمان) أو الباحثة الاجتماعية ناديا (يارا صبري) في وجه الحمقى الذين يشملون بقية شخصيات المسلسل ومعهم الجمهور بالطبع.

ومن المضحك فعلاً أن البيان الذي لم يحمل أسماء، بل شاركه أصحابه عبر صفحاتهم الشخصية، تعهد بحماية الملكية الفكرية لبعضهم البعض، في وجه ما تقوم به شركات الإنتاج من استعانة بكاتب لتعديل نص كاتب آخر أو استكماله. وتأتي الكوميديا هنا من حقيقة أن بعض تلك الأسماء كانت جزءاً من هذه الصراعات التي يتم ذمها، وتكررت حتى ضمن الموسم الرمضاني الحالي، الذي شهد شكوى الكاتبة إيمان السعيد من تحوير نص مسلسلها "مسافة أمان" على يد الكاتب الآخر رامي كوسا والمخرج الليث حجو.

ويحيل ذلك كله إلى جو من النفاق العام ضمن البيان نفسه، يجعله يفقد أي إحساس مفترض الجدية، خصوصاً أنه لا يقدم أي آلية أو طريقة للضغط على شركات الإنتاج مثلاً من أجل فرض الشروط التي قبل بها الكتاب أنفسهم طوال عقود، سوى التعهد بشرفهم المهني. ولا يشكل ذلك الشرف ضمانة كافية للنهوض بالدراما كصناعة متدهورة، لأن السيستم العام، بما في ذلك الكتاب أنفسهم، يكرسون أسباب فشلها بأنفسهم عبر هذه النوعية من النقاش العقيم طالما أنه لا يتجاوز فكرة "جودة الدراما السورية" من الأساس، وهو أمر لن يناقشه صناع الدراما أبداً، لأنه يهز أساس مهنتهم التي تشكل مصدر رزقهم و"بريستيجهم" ومكانتهم في وسط يصفونه دائماً في مقابلاتهم بأنه فاسد، ومن هنا يأتي النفاق ومعه الشعور الحتمي بالازدراء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها