السبت 2020/11/28

آخر تحديث: 19:59 (بيروت)

باسيل يخوض معركة "الاستراتيجية الإعلامية".. شخصياً!

السبت 2020/11/28
increase حجم الخط decrease
-"انت.. انت اللي عم تسبني وتنتقدني منذ سنة، شو بدك؟ مش متلي بدك نائب أو وزير فاسد بالحبس؟"
-"مبلى أكيد"
-"في قوانين استقلالية القضاء وانشاء محكمة الجرائم المالية ومحكمة الرؤساء في المجلس (النيابي). في منها بالجارور ومنها باللجان البطيئة، تعال نضغط سوياً على النواب"...

الحوار التالي، جزء من مقطع الفيديو أعلاه، حيث يخاطب مناصر لـ"التيار الوطني الحر" معارضاً لبنانياً خرج في تظاهرات 17 تشرين، ووجه التهمة للطبقة السياسية بالفساد والهدر وإيصال اللبنانيين الى الحالة التي وصلوا اليها، وتفننّ في شتيمة جبران باسيل. 

والفيديو، هو باكورة الاستراتيجية الدعائية التي وضعها التيار أخيراً، ويشرف عليها رئيسه النائب جبران باسيل، وتضم قيادات الصف الأول في التيار الذين باتوا أساس "الهيكل التنظيمي للإعلام والتواصل الاستراتيجي"، حسبما تظهر وثيقة جرى تعميمها على قيادات التيار أخيراً، وتتضمن أسماء أعضاء المهام، وهم قيادات ونواب وقادة سياسيين، بينهم النائب ابراهيم كنعان والنائب الياس بو صعب، وغيرهما من المسؤولين. واللافت أن رئيس التيار، النائب جبران باسيل، يترأس الخطة بنفسه للإشراف على "التواصل الاستراتيجي" الذي لم تصدر التعاميم التفصيلية بعد حول آليات عمله والجداول ذات العلاقة.

وتشير الخطوة إلى أن "التيار الوطني الحر" حوّل نفسه أخيراً من حزب سياسي موجود في السلطة، الى آلة دعائية، يعيش هاجس تعميم وصمة الفساد على الجميع بغرض تبرئة نفسه، وغسل شبهات الفساد عن فريقه، مجنداً كوادره السياسية والإعلامية لهذه المهمة. 

فالتيار الذي فشل في السابق في وضع استراتيجية اعلامية يخاطب فيها مناصريه وحلفاءه وخصومه، واستعان بقناة "أل بي سي" كذراع لخطته، قرر أخيراً خوض المهمة بفريقه السياسي نفسه وضمن قنواته، بالتوازي مع "الأذرع" خارجه.
 


فريق إعداد الخطة، هو نفسه الفريق السياسي الذي تجمعه تناقضات، ويتخبط في القرارات والمواقف، وليس أقلها الانقسام حول "التدقيق المالي الجنائي"، بين النائب ابراهيم كنعان ونواب آخرين في التيار. وقاد التضعضع، التيار، إلى موقع متزعزع وخصومة مع الجميع، بعدما كان قد حاز على أكبر كتلة نيابية في البرلمان في انتخابات العام 2018. 

يترأس باسيل هذه الماكينة الإعلامية الجديدة، شخصياً، يخوض المعركة بنفسه، ويشرف على صناعة الدعاية التي تتم في مطبخه السياسي، وظهرت باكورتها في مقطع الفيديو أعلاه. يؤكد الشريط أن هذا المطبخ يصنع خبراً زائفاً. من خلاله يعيد ترتيب تحالفاته وخصوماته، فيوجّه الاتهامات الى شركاء الأمس في الحكومات المتعاقبة، ويستبعد منها منافسه الأساسي في الشارع المسيحي، أي حزب "القوات اللبنانية".

ويتقاطع "التيار" مع "القوات" أخيراً، يحتاج الى مساندته في المعركة ضد قانون الانتخابات، وفي التدقيق الجنائي الذي كان يعتزم التيار توجيهه الى حاكم مصرف لبنان بشكل صريح حين تضمن قرار الحكومة أن يبدأ التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وقد آزره حزب "القوات" في اقتراح القانون الذي تقدم به النائب جورج عدوان، ويقضي بتجميد مفاعيل السرية المصرفية لمدة عام، قبل أن يوصي البرلمان، أمس الجمعة، بالتدقيق الجنائي في جميع حسابات الدولة، ومن ضمنها المصرف المركزي، من دون استنسابية. 
والفشل الإعلامي الذي يترتب على الفيديو، يقوم على مؤشرين. أولهما أن التيار يوجه الاتهامات بالفساد الى حلفاء الأمس، الذين التقى معهم في حكومات سابقة رغم التباينات السياسية، وهم "حركة أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" و"تيار المستقبل"، اضافة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي سبق أن وافق رئيس الجمهورية نفسه على تمديد ولايته قبل ثلاث سنوات. هؤلاء جميعاً يمثلون قوى سياسية غير مسيحية. وبالتالي، فهو يحوّل المعركة الى منازلة بخلفيات طائفية. علماً أن "القوات" لم يكن حزب سلطة، ولم ينخرط في العمق في ملفات الفساد، وواجه التيار في خطة الكهرباء مثلاً الى جانب "أمل" و"الاشتراكي". 

تالياً، فإن تسليط الضوء على الحلفاء، يؤشر في مضمونه الى أن التيار يأمل في التخفيف من شعبيتهم، بمعنى تقويض النفوذ وتحميلهم وزر ما حمله هو في انتفاضة 17 تشرين، بذريعة الفساد. وهي خطة محاطة بالفشل، لأن النظام التشاركي، لا يمكن أن يسمح، بتكوينه السياسي وعقده الاجتماعي، بإلغاء أحد، كما لا يسمح لأي فريق بتلبّس دور مخالف لدوره الحقيقي. فالتيار العوني، هو في النهاية، تيار سلطة. 

المؤشر الثاني، تمثل في تبرئة النفس من المسؤولية عن ملفات يُتهم فيها بالفساد! فالتيار، بذلك، يشيح النظر عن الأرقام ويواجهها، وبينها ملفات بواخر الكهرباء والعجز في وزارة الطاقة الذي يبلغ ثلث العجز المالي في لبنان. يهاجم الآخرين، ولا يقدم ما يبرئ به نفسه من الاتهامات الموجهة إليه، واضعاً نفسه خارج دائرة الشبهة، وهو ما ينفيه خصومه في اللجان النيابية وحكومتي الرئيس سعد الحريري السابقتين. 

هذا الفشل الإعلامي، هو امتداد للفشل السياسي والتخبط في القرارات. فالفيديو الذي يتم تعميمه في منصات التيار، لا يختلف بصناعته عن الأداء السياسي المتخبّط. تعثرت الخطة منذ انطلاقتها، لتكشف أن الالتفاف على الدور والصورة، لا يمكن تسويقه. فالتيار، هنا، يتنكّر لنفسه بأنه حزب حاكم، ولدوره السياسي، ويذهب في اتجاه صناعة دعاية لا تجد من يتلقفها. 

فباسيل الذي "خصّته" ثورة 17 تشرين2019 بشعار "هيلا هو"، فوق شعار "كلن يعني كلن" الذي نال من كل أقطاب السلطة، يأتي اليوم بغرض مصالحة الثورة، وتنصيب نفسه جزءاً منها، من خلال خطاب يستدرج تسوية تقوم على فكرة: "انا لا أثق بك، وانت لا تثق بي، لكن علينا أن نعمل سوياً".

بهذا الخطاب، يحاول التيار استعادة دوره السابق، ما قبل عودة الجنرال عون من فرنسا، وقبل تسوية الدوحة التي ادخلت التيار الى حكومات متعاقبة وحولته الى تيار سلطة بعدما كان محصوراً في دوره كتيار معارض. دوره كمعارض، لا يستوي مع أرقام العجز في بواخر الكهرباء، ولا مع التغطيات على شبهات الهدر في وزارات الاتصالات والتربية والطاقة، كما لا يستوي مع فرض المحاصصات والتوظيفات في الإدارة. هكذا، يخسر التيار مرة أخرى إعلامياً، كما خسر بالتجربة السياسية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها