الثلاثاء 2020/11/17

آخر تحديث: 14:09 (بيروت)

"الحدث" تتيح لباسيل ترميم صورته العربية

الثلاثاء 2020/11/17
"الحدث" تتيح لباسيل ترميم صورته العربية
increase حجم الخط decrease
لا يمثل الانقسام حول ما قاله النائب جبران باسيل، عبر قناة "العربية الحدث"، وما نُقل عنه في الأخبار العاجلة، الا اختزالاً لقضية ظهور باسيل نفسه في محطة متخاصمة معه، فتحت له الهواء ليخاطب من خلالها مؤيديه وخصومه والإعراب عن وجهة نظره، ولم تحقق في المقابل أي سبق صحافي. 
لم يقل باسيل ما نُقل عنه في الأخبار العاجلة التي عانت ما عانت من اجتزاء واستنتاجات تنسجم مع سياسة المحطة. وما نشرته من مقاطع فيديو قصيرة لإجاباته في حسابها في "تويتر"، يثبت ذلك، وبالتالي فقد كسب معركتين، أولهما ظهوره على محطة مناوئة له، والثانية معركة التصويب التي ساعدته فيها القناة نفسها.
 

ففي ظهوره على شاشة "العربية الحدث" التي واكبت انتفاضة 17 تشرين 2019 وما تلاها من انقسام سياسي وشعبي تركز على باسيل نفسه، استطاع رئيس "التيار الوطني الحر" والمُدرَج في لوائح العقوبات الأميركية، ان ينقل وجهة نظره تجاه الملفات. دافع عن نفسه، وصوّب الكثير من الاتهامات الموجهة إليه، وبذلك تكون القناة قد أسدت إليه خدمة كبيرة، بإتاحته وخطابه لجمهورها. 

فحين تحدث باسيل عن تقصير الجيش اللبناني في محاربة "داعش"، استهدف فريقاً سياسياً من خصومه، هو رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وحكومة الرئيس الأسبق تمام سلام، إذ ربط تقصير الجيش بالقرار السياسي المحجوب عنه، وبالتالي أعطى عهد الرئيس ميشال عون إنجازاً في منح الجيش الغطاء السياسي الذي أدى الى "تنظيف" الجرود الحدودية الشرقية مع سوريا من المتطرفين. 

وحين تحدث عن موقفه من انخراط "حزب الله" العسكري في الإقليم، وتبرّأ منه، ترك مساحة للتلاقي مع الحزب في الداخل لحسابات لبنانية، وبالتالي لم يُغضب الموقف العربي المناهض لدور الحزب الخارجي، وسوّق لنفسه كجزء مؤيد للموقف العربي من تدخلات الحزب من دون أن يغضب الطرفين. 


وحين ربط باسيل انتفاء دور حزب الله العسكري في مواجهة اسرائيل، بدعم اميركي للجيش يبلغ 6 مليارات دولار لتمكين الجيش وتحقيق توازن عسكري ردعي متكافئ مع قدرات اسرائيل، شرّع بقاء الحزب واتّهم الأميركيين بالتقصير، وتحداهم بتعزيز قدرات الجيش، ما ينسجم مع موقف الحزب، وهو ما لن يعارضه الجانب العربي المعارض للحزب، لكنه في الوقت نفسه أمر يستحيل تطبيقه.
 

وحين رفض الاتهامات باقتياد لبنان الى المحور الإيراني، بث وجهة نظر من شأنها أن تحسّن صورته العربية، ما دحض الخصومة العربية له القائمة على موقف سياسي مرتبط بتحالفه مع "حزب الله". 


التقط باسيل اللحظة، مستغلاً المنبر الذي ظهر فيه، وطبيعة القناة المهتمة بالملفات الإقليمية بما يتخطى التفاصيل اللبنانية. أتاحت له القناة تبريد جبهات خارجية، من غير أن تتطلع الى أسباب خصومة اللبنانيين معه. خاطبها بما تريده، فبرّر خياراته. ولم تخاطبه هي في المقابل بما يعارضه فيه اللبنانيون.
 

فمشكلة باسيل مع اللبنانيين ليست خياراته السياسية، بل سلوكه الداخلي لجهة أدائه ذي البُعد الطائفي الفاقع في الحكم، وتفرده بالحصة المسيحية، وهي مشكلته مع الأطراف السياسية الاخرى. مشكلته مع اللبنانيين في منعه توقيع مرسوم تعيين حتى مأموري الأحراش لأسباب طائفية، وانخراطه في صفقات مع آخرين، ما حال دون توفير الكهرباء للبنانيين، والاعتماد على البواخر كحل مؤقت بات مستداماً لتوليد الطاقة وبالتالي إرهاق الخزينة بالديون والعجز. 

مشكلته في فرض توازنات طائفية في المشاريع الحيوية، مثل اشتراطه انشاء منطقة اقتصادية في البترون في مقابل المنطقة الاقتصادية في طرابلس، وإلا فتعطيل التعيينات فيها. مشكلته في فرض محطة توليد كهرباء في سلعاتا، في مقابل محطتي الزهراني ودير عمار، لتحقيق التوازن الطائفي. مشكلته في شبهات الفساد التي تترتب على صفقات بات جزءٌ منها معلناً... مشكلته في عزل مكونات مسيحية وإقصاء أخرى، والتفرد في التعيينات التي فرض فيها أعرافاً جديدة، ومثلها المواقع الحساسة في الدولة، إضافة إلى تعطيل تشكيل الحكومات للمطالبة بحصص... 

هذه الاعتبارات لا تهم القناة التي تتمتع بحضور وجمهور عربي أكبر بكثير من المحلي الذي لا يشكل أولوية بالنسبة إليها في مقابل أولوية موضوع النفوذ الإيراني المتمادي في المنطقة، والذي تبرأ باسيل من الانخراط فيه. وما كانت لتُتاح لباسيل فرصة ذهبية كتلك التي حصلت مساء الإثنين، لولا "العربية". 

وبالتالي، فإن الخلاف حول ما قيل أو لم يُقل، يصبح ثانوياً. لا مصلحة للبنانيين في المقابلة، بل إنها رتّبت ضرراً عليهم. خففت من الاحتقان العربي ضد باسيل، بعد تبرير خياراته، من دون أن تضيء على أسباب الخلاف الداخلي معه، وهي أسباب جوهرية وقاتِلة بالمعنى السياسي والشعبي والقانوني. 

لوسائل الإعلام أجندات وسياسات، يتقن باسيل اللعب على حبالها.. وتبقى مشاكله اللبنانية قائمة، وما زال اللبنانيون يصارعون -وحيدين- توجهات التفرد والاستئثار الباسيلية، بلا دعم عربي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها