لكن الأصعب يتمثل في المقاربة التي انتهجها الإعلام اليوناني، وتبعه مغردون يونانيون، في تداول لقطة تظهر مهاجراً يدفع بطفل باتجاه الشرطة، فاستُخدمت عبارة "استخدام اللاجئين لأطفالهم كدروع بشرية"، وهو ما يشير الى مقاربات أخرى تجاه اللاجئين، مختلفة عما كانت عليه في السنوات السابقة.
وإذا كان تبدّل الموقف الدولي حيال قضية اللجوء ليس وليد اللحظة، في ظل التشديد المتزايد وتشجيع "العودة"، فإنّ التطورات راحت تدفع أكثر نحو الصّدام بين خيارات اللاجىء وسياسات الدول، وهو ما جسّده مشهد تصدّي الشرطة اليونانية لمحاولات مهاجرين التوجّه نحو الحدود مع مقدونيا الشمالية، إثر دعوات كاذبة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي لتشكيل "قافلة" والسّير نحو أوروبا.
وبالتزامن،
تجمّعَ عشرات اللاجئين والمهاجرين، يوم الجمعة، في محطة القطار الرئيسية بالعاصمة أثينا، محاولين الذهاب إلى "ديافاتا"، لكنّ
الشرطة منعتهم من ذلك، وما لبث الأمر أن تحوّل إلى مظاهرة طالبوا فيها بفتح الحدود اليونانيّة، وبتوفير ظروف معيشة أفضل، وتسريع دراسة ملفات لجوئهم.
ويُعاني سكان المخيّمات ومراكز التجميع (كالمدارس)، أوضاعاً مزرية، في ظل الأعداد الهائلة واستمرار وصول المزيد من المهاجرين إلى اليونان، رغم صعوبة ظروف الإقامة في هذا البلد من جهة، وتضييق "منافذ" الخروج بالطرق الشرعية (إعادة توطين)، وغير الشرعية، إلى بلدان أخرى من جهة ثانية.
ويعيش أكثر من 70 ألف مهاجر في اليونان التي احتلّت - منذ بداية العام الحالي - المركز الأول أوروبيّاً من حيث وصول المهاجرين غير الشرعيين.
واستدعى استعصاء اللاجئين في محطة القطار حضور ميلتياديس كلاباس، أمين عام وزارة سياسة الهجرة في اليونان، والذي قال للمحتجين إن المعلومات التي تحدثت عن فتح الحدود "مضللة"، معتبراً أن ما جرى يمثل رسالة إلى الاتحاد الأوروبي بأن "هذه المشكلة تتطلب حلاً أوروبياً".
والحال أن التعاطف الغربي مع اللاجئين تراجعَ خلال السنوات الماضية بفعل عوامل عديدة، بعدما بلغ ذروته في العام 2015، عقب انتشار صور الطفل السوري إيلان الكردي الذي لقي حتفه غرقاً لدى محاولة أسرته عبور بحر إيجه.
ولعل أكبر خطر يواجهه اللاجئون هو غياب مبررات التضامن النفسي والمعنوي معهم عبر ضلوع الإعلام في نزع صفة "الحضارية" أو الإنسانية عنهم. ففضلاً عن التعاطي السلبي من قبل الحكومات على صعيد القوانين، باتَ المهاجرون العابرون برّاً إلى أوروبا يتحسّبون للمعاملة السيئة التي سيلقونها، سواء من قبل المجتمعات المحلية في دول البلقان، أو من عناصر الشرطة، خصوصاً في كرواتيا حيث ترِدْ تقارير وشهادات بين الحين والآخر (منذ العام الماضي تحديداً) عن تعرّض مهاجرين غير شرعيين لأذى جسديّ وعُنف لم يكن معتاداً في السابق.
ويَسلُك المهاجرون في هذه الفترة أحد طريقين يَمرّان في البلقان، في مسعى منهم للوصول إلى إيطاليا. وتُعتبر البوسنة نقطة "اختناق" ثانية للاجئين، بعد اليونان، حيث يواجهون مخاطر عديدة عند عبورهم كرواتيا وسلوفينيا.
ويجب القول هنا أن عدداً كبيراً من اللاجئين الذين لا يحظون برعاية الحكومة اليونانية (المموّلة أوروبياً ضمن اتفاقية لضبط الحدود) أو المنظمات، لا خيار لديهم سوى السير برّاً للوصول إلى دول أفضل، أو انتظار البتّ في ملفاتهم عبر مقابلات وإجراءات تحتاج لفترات طويلة. ليصبحوا، نتيجة اليأس والأوضاع غير القانونية، ضحايا السماسرة وتجّار البشر والمحتالين في كل المجالات والذين يستغلون تعلّق اللاجىء بـ"قشة" أمل.
وبناءً عليه يغدو اعتبار أن ما حدث في ديافاتا وأثينا "ناتج عن تصديق الشائعات"، كلاماً فيه الكثير من التبسيط، لأن المسألة ترتبط بانسداد الأفق تماماً لدى فئة واسعة من اللاجئين، الأمر الذي يجعلهم مستعدّين لتجريب كل الاحتمالات بغض النظر عن مصداقيتها ومستوى القناعة بها.
وسبقَ أن أُطلِقت دعوات مشابهة في تركيا، منذ شهر شباط الماضي، تحت مسمى "قافلة الأمل" بهدف عبور الحدود باتجاه أوروبا. واتبع "القائمون" على هذه الحملة أساليب مماثلة لم تنجح في استقطاب تأييد كبير للفكرة، رغم الحديث عن تسجيل "آلاف السوريين أسماءهم" ضمن روابط وغرف في مواقع التواصل.
وبعد إعلان تعليق سير القافلة لفترة، ريثما يتم التنسيق مع السلطات التركية، ألغيت نهائياً لأنها "لم تحصل على التراخيص والموافقات اللازمة"، حسبما أعلن منظموها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها