الخميس 2018/06/21

آخر تحديث: 16:20 (بيروت)

الانتخابات التركية والسوريون المجنّسون: الوفاء لأردوغان

الخميس 2018/06/21
الانتخابات التركية والسوريون المجنّسون: الوفاء لأردوغان
الفهم محكوم بفكرة واحدة هي الولاء لأردوغان، وردّ الدين لمن فتح أبوابه واحتضن اللاجئين
increase حجم الخط decrease
تحول السوريون في تركيا الى مادة استقطاب انتخابي، رغم محدودية تأثير 30 ألف سوري نالوا الجنسية التركية خلال الفترة الماضية، وترشح منهم شخص واحد للانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها يوم الاحد المقبل، ويخوضها في لوائح "العدالة والتنمية". 
وارتفعت دعوات تنادي المعارضة باستقطاب الاصوات السورية، بدلاً من معاداتها، عبر تقليص الهجمات على اللاجئين، لكن الأصوات السورية، بمعظمها، لا تخفي تأييدها لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، "وفاءً" لاستقبال السوريين منذ 7 سنوات. 

ويحبس السوريّون في تركيا أنفاسهم عشيّة الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة المقرّرة يوم الأحد المقبل. وكحال الاستحقاقات السياسيّة الأخرى التي شهِدوها خلال الأعوام الماضية، سيكون من غير المنطقي دعوة السوريين للركون إلى الاطمئنان طالما أن اللعبة الديموقراطيّة في هذا البلد مفتوحة على سيناريوهات متعددة.
ورغم تسابق المرشحين والسياسيّين الأتراك لاستخدام ورقة الوجود السوري - كما العادة - في سياق وعودهم وخطاباتهم "المُقلقِة"، فإن هذا الاستحقاق يأتي بمعطيات مختلفة تراكمت بمرور الوقت.

فالمسألة هنا لا تنبع من التفاؤل بفوز حزب "العدالة والتنمية" أو الرئيس رجب طيب اردوغان، ولا ترتبط بالرهان على طرف سياسي دون غيره، ففي النهاية لا شيء مضموناً بالنسبة لنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجىء سوري يعيشون هاجس الترحيل باستمرار.

غير أن الأمر الذي لا يمكن تجاهله هو تحوّل السوريين تدريجياً من "مفعول به" إلى فاعل قد لا يمتلك مقومات التأثير الكبير أو المباشر، لكنّه يستطيع البناء على صورة مغايرة له، لا تشبه ما كان سائداً. فالسوريّون لم يعودوا بالنسبة للأتراك مجرّد كتلة صمّاء محكومة بسرديّات انفعاليّة وشائعات غير واقعيّة، بل مجموعة أفراد يُحسب لهم حساب في مجالات معيّنة.

ولعل أوضح مثال على ذلك، مؤشرات الرأي العام التركي في الآونة الأخيرة،  وخصوصاً ردود الأفعال التي رافقت إعلان رئيس الوزراء بن علي يلدريم، عن عدد السوريين المجنّسين الذين يحقّ لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المرتقبة. وكان ملفتاً، ضمن تعليقات الأتراك في مواقع التواصل الاجتماعي، محاولتهم  استشراف مستقبل الوجود السوري في تركيا بعدما نال قسم من السوريين حقّ التصويت، طبعاً من دون أن يلغي ذلك حالة الغضب والنقمة والكراهية التي غالباً ما تلازم التعاطي مع هذا الملف شعبيّاً.

ومع الإقرار بأن 30 ألف ناخب سوري لا يشكّلون رقماً كبيراً في المعركة الانتخابيّة الحاليّة، فقد برزَ من بين الأصوات التركيّة مَن يدعو أقطاب المعارضة لكسب السوريين والاستفادة من أصواتهم بدلاً من الاستمرار في حملات التجييش والخطاب العدواني ضدّهم.
 ومن جهة ثانية، فإنّ معلّقين كُثُر قارَبوا الدور السوري في الانتخابات، عبر مقارنته بما تقوم به الجالية التركيّة في ألمانيا، وذهب البعض إلى وضع المكوّن السوري في سلة واحدة مع باقي المكونات التي تتشكل منها تركيا، وتشبيه الحملات التي يتعرض لها السوريون بتلك التي تستهدف الأكراد والأرمن "أصحاب الحقوق في كل شيء كالتجنيس وسواه". بل إنّ الأمر بلغَ بالكاتبة التركيّة في صحيفة سوزجو، بينار توران، أن تتوجه لأبناء بلدها بالقول: "اذا كان السوريون ينتظرون الانتخابات ليستخدموا أصواتهم، فأنتم أحق بأن تقرروا مصيركم وتختاروا الأفضل".

وفي إطار الاهتمام التركي بالمساهمة السوريّة في الانتخابات، بعيداً من الشائعات التي تبدّدت خلال فترة قصيرة، تبرُز أيضاً تقارير واستطلاعات كالتي أجراها الصحافي أرجومينت أكدينيز، حين نشر تقريراً في صحيفة "افرنسل" بحثاً عن إجابة على السؤال الشائع: "إذا استخدم السوريون أصواتهم فلمن سيعطونها؟". 

والمثير للانتباه في هذا التقرير هو محاولة الصحافي الإضاءة على مواقف السوريين في سياق عام بدا وكأنه يتجاوز الحاضر، تحسّباً لازدياد أعداد المجنّسين مستقبلاً. وعلى هذا الأساس، لم يأتِ التقرير استطلاعاً للرأي أو سبراً لاحتمالات الأصوات الانتخابية، وإنما ذهب إلى ما هو أبعد. إذ لم يكتفِ الصحافي بسؤال الحاصلين على الجنسيّة، وتالياً تخصيص تقريره بإيراد آرائهم، بل أبرزَ إجابات سوريين آخرين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة والذين لا يستطيعون الإدلاء بأصواتهم، لكن لو أتيحت لهم الفرصة فإنهم سيقولون كلمتهم.    
كما ركّز الصحافي على إظهار "تناقضات" لدى الأشخاص المُستطلعة آراؤهم للإيحاء بأن الموقف السوري له سمة واحدة، هي افتقاد الفهم السياسي العميق لما يجري في تركيا، وأنّ هذا الفهم محكوم بفكرة واحدة هي الولاء لأردوغان، وردّ الدَّين لمن فتح أبوابه واحتضن اللاجئين.  

ويؤخذ على تقرير "افرنسل" تركيزه على جانب واحد، فيما جاءت تقارير مماثلة بشكل أشمل وأكثر إحاطة، كالذي نشره موقع "دويتشه فيلله" الألماني، وتناقله الإعلام التركي. وفيهِ أبدى سوريّون، خصوصاً طلاب الجامعات الأكثر حصولاً على الجنسية من غيرهم، وعياً أعمق بالعمليّة الانتخابية، وأبدوا تريّثهم وتفكيرهم في خيارات في مسألة منح الأصوات، والتي إنْ آلَ جزءٌ كبير منها إلى "العدالة والتنمية"، فسيكون ذلك منطقياً أمام استمرار أحزاب مثل "الشعب الجمهوري" و"الجيد" بتهديد اللاجئين بإرسالهم إلى سوريا.

وكما في موضوع حصول سوريّين على حق التصويت، فإنّ إمكانية ترشّحهم للبرلمان أيضاً أفرزت انطباعات تركيّة مختلفة أجمعت، رغم تباينها، على عدم تجاهل رمزيّة الأمر، بغض النظر عن حدود التأثير.

ومن المنتظر أن يشارك السوري الحاصل على الجنسية التركيّة، محمد الشيخوني (وقد غيّرَ اسمه إلى محمد "أردوغان" لاحقاً) كمرشّح نيابي عن حزب "العدالة والتنمية". 

وفي لقاء صحافي سابق، أكّد المرشّح الذي ينحدر من مدينة حماة، أن خدمة السوريين المجنسين حديثاً في تركيا جزء مهمّ ضمن برنامجه الانتخابي، لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع التركي.

وسيكون الشيخوني، التركي الوحيد من أصل سوري الذي يسعى للوصول إلى البرلمان بعد محاولات لم تتكلّل بالنجاح لشخصيات أخرى، بينها سمير حافظ وبكير أتاجان.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها