الثلاثاء 2016/01/12

آخر تحديث: 19:12 (بيروت)

الإعلام الألماني بعد التحرش..جدل الأفكار الأساس عن الدين والإنسان

الثلاثاء 2016/01/12
الإعلام الألماني بعد التحرش..جدل الأفكار الأساس عن الدين والإنسان
التظاهرة الأخيرة لحركة "بيغيدا" طالبت ميركل أن تأخذ "مسلميها المغتصبين" وتختفي (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري، خرجت علينا صحيفة "كولنر شتات-انسايغر" المحلية بأولى التقارير عن حوادث التحرش الجماعية بدءاً من مدينة كولونيا (مقر الصحيفة) في غرب ألمانيا، وهامبورغ في الشمال، وصولاً إلى شتوتغارت في جنوب البلاد. ففي كولونيا، قالت إحدى الضحايا ان المتحرشين قاموا بتمزيق ملابسها حتى وصلوا لملابسها الداخلية. وفي هامبورغ كانت مجموعات من الشباب ترمي بنفسها على نساء داخل القطارات محاولين لمسهن من كل جهة أو تقبيلهن.

تأخرت الصحف الألمانية في التفاعل مع حوادث التحرش الجماعية في رأس السنة، كما تأخرت الشرطة الألمانية في التعامل مع هكذا حدث. لكن منذ الثالث من يناير الحالي، تسيطر الأخبار المتعلقة بهذه الحوادث على الإعلام الألماني وبالتالي على الشارع الألماني.

تأخرت أيضاً القناة (الحكومية) الأولى في التفاعل مع القضية، وأصدرت إعتذاراً ظهر في الخامس من يناير، عن عدم مناقشة الموضوع في أهم البرامج الإخبارية "تاغس-شاو" قبل يوم مضى عندما كانت جميع وسائل الإعلام تتحدث عن الحادثة.

نقص الكفاءة لدى الشرطة، الإعلام والحكومة، كان ولا يزال مادة دسمة للصحافة ووسائل الإعلام المختلفة في ألمانيا. في البدء كان التركيز الأكبر على معرفة جنسيات المعتدين وبالأخص من قبل الصحف المحسوبة على اليمين، بينما ركزت صحف اليسار على فشل الشرطة الذريع في التعامل مع هكذا حوادث رغم إنتشارها الواسع في أنحاء البلاد تحسباً لأي عمل إرهابي، وهو ما كانت وزارة الداخلية تحذر منه في الأيام السابقة لرأس السنة.

المثير للإهتمام إنتقاد الصحافة المكتوبة، للتلفزيون، ولتغطيته المتأخرة وغير الموزونة للأحداث. فبحسب صحيفة فرانكفورتر ألغماينه (يمين) فإن تغطية القنوات الحكومية متأخرة وبطيئة وتفتقر إلى النقد السياسي، في إشارة إلى تهرّبها من الخوض في النقاش الدائر عن الآليّة القانونية للتعامل مع اللاجئين والمتقدمين بطلبات اللجوء عند صدور أحكام قضائية بحقهم.

قناة "ڤي-إر-دي" الحكومية التي تبث في غرب ألمانيا، حاولت تغطية الموضوع بشكل غير تقليدي وحضّرت تقريرين باللغتين العربية والفارسية بغرض إيصال الخبر لللاجئين الذين بالطبع لا يستطيعون قراءة الصحف الألمانية لتوضيح ما حدث ليلة رأس السنة من وجهة النظر الألمانية كي يتم إشراكهم في النقاش العام.

الصحيفة نفسها انتقدت أيضاً بشكلٍ حاد نصيحة عمدة كولونيا لنساء المدينة بالمشي على مسافة "ذراع" على الاقل من أي رجل يثير الريبة. يذكر أن عمدة كولونيا، هنريته ريكر، لا تنتمي إلى أي حزب. ريكر أصيبت مع آخرين خلال محاولة أحد المتطرفين طعنها خلال خطاب إنتخابي، قبل يوم واحد من إنتخابات البلدية في أكتوبر الماضي، بسبب سياساتها المرحبة باللاجئين كما قال الجاني.

الإنتقادات طاولت أيضاً جهاز الشرطة المحلي لمدينة كولونيا، بسبب بطئه في التعامل مع حوادث ليلة رأس السنة، رغم كون موقع الحوادث في محطة القطارات الرئيسة - أحد الأماكن غير الآمنة في البلاد.

وكتبت صحيفة الزود-دويتشه تسايتونغ (يسار-ليبرالية) أن كولونيا مدينة السرقة والنشل وأن حوادث السرقة فيها منتشرة وسابقة لليلة رأس السنة. وكنتيجة لتلك الإنتقادات، قام رئيس جهاز الشرطة في مدينة كولونيا بإنهاء تاريخه العملي على ضوء هذه الحادثة والتقاعد مبكراً.

ومع توالي الأخبار والضغط الإعلامي على شرطة كولونيا، قامت الشرطة بالإفصاح عن جنسيات المقبوض عليهم بعدما كانت في البدء ترفض تحديد جنسيات المشتبه فيهم في حوادث التحرش الجماعي، في ما يُرى على أنه عدم رغبتها في التورط في نقاش سياسي حول دمج اللاجئين في المجتمع الألماني، ما جعل صحفاً ألمانية تنقل عن عدد من الضحايا والشهود أن المتحرشين كانوا شباباً من البدو وكأنهم من "شمال أفريقيا"، و"عرب" و"سوريون، وعراقيون، وأفغان".

وعندما أعلنت الشرطة عن الجنسيات التي أتت غالبيتها من شمال افريقيا، وكان حوالى نصف أصحابها من المتقدمين بطلبات اللجوء مع وجود أميركي وألماني ضمنهم، بدا الإنقسام واضحاً اكثر من ذي قبل بين صحف اليمين واليسار في التعامل مع المسألة. ففي حين أن اليمين بدأ بإستغلال الخبر سياسياً ليمارس ضغطاً أكبر على حكومة التحالف بين اليمين المسيحي والإشتراكيين الديموقراطيين وبالأخص على المستشارة ميركل وسياسة ثقافة الترحيب التي تروج لها، حاول اليسار التشديد على أنه لا يجب أخذ جميع اللاجئين الأبرياء بوزر بعض المجرمين.

حركة "بيغيدا" العنصرية وجدت الأمر فرصة سانحة لها للحشد ضد اللاجئين رغم أنها غير معنيّة ابداً بقضايا المرأة. ومجلة فوكوس (يمين محافظ) تساءلت إذا ما كان "المسلمون يُكنون إحتراماً أقل للنساء؟" وقارنت ما حدث بكولونيا بحوادث التحرش خلال الأعياد وفي ميدان التحرير في مصر. حاولت المجلة الإبتعاد عن إطلاق الأحكام على المسلمين عموماً، نافية ان تكون حوادث التحرش مشكلة إسلام، وإنما مشكلة عدم السيطرة على الداخلين وربما يكون بينهم مقاتلون ومهربون وغيرهم ممن إعتادوا الجريمة كأسلوب حياة.

مجلة ماركس21 (ماركسية) لخصت غالبية مآخذ اليسار على النقاش الدائر في شيطنة اللاجئين بسبب مجموعة من المجرمين، وقالت أن "التحيّز الجنسي ليس بضاعة مستوردة" مؤكدة أن العنف الجسدي ضد النساء ليس بجديد وأن هذا الحشد الإعلامي ما هو إلا صورة للعنصرية ومناهضة الإسلام.  المجلة، وغيرها من الصحف المحسوبة على اليسار، مثل زودـدويتشه تسايتونغ وتاغستسايتونغ تحاول توجيه النقاش إلى مسألة العنف ضد المرأة عوضاً عن ربطها باللجوء والهجرة.

وخلال كل هذا الصخب الإعلامي، إجتمعت أحزاب الحكومة واتفقت على تشديد القوانين المتعلقة باللجوء ورفض منح حق اللجوء لمن تصدر بحقهم أحكاماً قضائية، في ما يبدو انه إنتصار لليمين. اتفقت الحكومة على عدم منح حق اللجوء للمدانين بجرائم وتجريدهم من حقوق طالبي اللجوء، ما يعني ان تواجدهم في البلاد يصبح غير مرغوب في ه وغير قانوني.

لكن هذا لا يعني بالضرور الترحيل، لأن ألمانيا من الدول الموقعة على إتفاقية جنيف للاجئين وبالتالي لن تقوم بترحيل من تكون حياتهم في خطر في بلدهم الأصلي حال عودتهم. هذا الإلتفاف القانوني يشي برغبة الحكومة الألمانية في دفع طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم إلى العودة إلى بلادهم طوعاً من دون أن تتحمل هي تبعات ذلك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها