الأحد 2015/11/15

آخر تحديث: 13:16 (بيروت)

اليمني ودراما الإرهاب

الأحد 2015/11/15
اليمني ودراما الإرهاب
increase حجم الخط decrease
قد تكون مشاهدة الدراما الأميركية المتعلقة بموضوع الإرهاب مسلّية للعديد من الأميركيين وغير الأميركيين في العالم، لكنها قد تكون مسيئة للبعض أو غالبية من ليسوا أميركيين في الوقت نفسه. 

وقد تكون الدراما الأميركية مشبعة بشخصيات شرق أوسطية شريرة، لكن بالنسبة إلي، يبقى حضور اليمن، او "الإرهابي اليمني" في المسلسلات الأميركية من أكثر الامور إثارة لدى مشاهدتي لها.

في نهاية الشتاء الماضي، إتفقت وإحدى صديقاتي على تأجيل مشاهدة الموسم الثالث من "House of Cards"  إلى ما بعد الفصل الدراسي كي نقوم بكل ما يقوم به الآخرون مع هكذا مسلسل، وهو مشاهدة الحلقات تباعاً حدّ الثمالة، وعدم القدرة على الفصل بين العالم الواقعي وعالم المسلسل الذي تصبح وقتها أحد أفراده. صديقتي هي أحد الأصدقاء الأعزاء الذين تكبر معزتهم في القلب، كلما كبر حجم شاشة البلازما في شقتهم.

إتفقنا على الموعد في إحدى عطل نهاية الاسبوع وذهبت إلى سكنها. وأثناء تناولنا للغداء ومشاهدتنا للأخبار، إحترنا في معرفة أي المشاهد التي ترد في التقارير هي من جبهات القتال اليمنية او السورية او الليبية. ومع إحباطي الشديد من الاخبار الواردة من اليمن آنذاك، وبالأخص بعد فرار الرئيس هادي وكتابته لسيناريو دارما يمنية لا تقل إثارة عن الدراما التلفزيونية التي أحاول جاهدة الهروب بها من دراما السياسة اليمنية، قررنا إسكات القناة الإخبارية والإنتقال إلى مشاهدة مسلسلنا.

لا أدري كم من الدقائق مرت خلال الحلقة الأولى من المسلسل قبل أن يبدأ الحديث عن إحدى ضربات الدرونز (طائرة من دون طيار) على قرية في شبوة جنوب اليمن. وقتها أدركت أنه لا مفر من مواجهة تعاسة الوضع اليمني حتى وإن هربت إلى الدراما. في النهاية، تبقى الدراما التي أتابعها أميركية، وإحتمالية ظهور إرهابي شرق اوسطي بها مرتفعة. وما تركيزي على المواضيع المتعلقة باليمن إلا التركيز النابع من حساسية شخصية تجاه الأمر كوني يمنية.

هذه الدراما الأميركية لا تتوانى عن شيطنة كل ما هو شرق أوسطي، وبما في ذلك كل ما هو يمني. وكلما أشاهد أي فيلم او مسلسل أميركي يحتوي على قصة متعلقة باليمن، لا أملك إلا ان أشاهد بكل إنبهار عملية تسطيح وقولبة يخضع لها اليمني لتوصيفه كهمجي أو همجي إرهابي يسكن اقاصي جنوب تلك المنطقة المجنونة الواقعة بين آسيا وأفريقيا ويستحسن أن يتم إحتواؤه هناك بالدرونز قبل أن يخرج عن السيطرة وينتشر هو وإرهابه في العالم.

ها نحن نشهد الشهر السابع للحرب على اليمن، في جو لا يشي بأي تغيير محمول لواقع دولة اثبتت فشلها مراراً في الشهور السابقة. أفكر في ما اذا كان اصحاب القرار في العالم يرون كل اليمنيين "قاعدة" أو إرهابيين. يسوِّق بعض الصحافيين والمحللين الأميركيين جماعة الحوثي كشريك للولايات المتحدة في محاربة "القاعدة" و"داعش" في تكريس لصورة اليمني المقاتل الهمجي.

أعيب على الدراما الأميركية شيطنتها لصورة اليمني، وأحاول تذكر الدراما اليمنية وتصويرها لليمني نفسه. قد لا تصور الدراما اليمنية - على رداءتها- اليمني كإرهابي، وإنما هي لا تصوره على حقيقته. من أكثر الأشياء التي كانت عصيّة على الفهم بالنسبة إلي، وأنا طفلة أشاهد مسلسلاً يمنياً رمضانياً، هو عدم وجود أي "مُخزِّن" (شخص يمضغ القات) في اي مشهد من مشاهد المسلسل، رغم أن كل بيت يمني فيه على الأقل شخص واحد يمضغ القات، هذا إن لم تكن العائلة كلها بما فيها الأطفال.

أما عن المرأة في الدراما اليمنية، فالموضوع يدخل خانة اللامعقول في بلد حيث ترتدي غالبية النساء، النقاب، والأقلية غير المحافظة تماماً تلتزم بالحجاب مع العباءة بالطبع، وهذا يتم تصويره بشكل حقيقي في الدراما اليمنية. لكن ما لا يخطر في بالهم هو أن المرأة اليمنية بإمكانها خلع الحجاب في المنزل. فنجد الشخصيات النسائية ترتدي الحجاب في الشارع والمنزل وغرف النوم.

والإستخفاف باليمني، يصل قمته في التمثيل المناطقي داخل الدراما اليمنية التي غالباً ما تركز على أبناء منطقة واحدة، وكأن اليمنيين من شمالها وجنوبها وشرقها وغربها لم يختلطوا ببعضهم البعض في المدن الكبرى.

في أوج حرب الحوثيين على عدن، كنت أحدّث أحد الأصدقاء العالقين تحت نيران التحالف في صنعاء عن عدن وجمال سواحلها، وأعدد له مناطقي المفضلة في المدينة. سألته عن أكثر مكان يحبه في عدن، فكان رده أنه لم يزر عدن أبداً. وقتها استوعبت أن اليمنيين ليسوا من أكثر الشعوب قدرة على أو محبة للسفر. تساءلت عن اليمني الذي يحمل سلاحه ليقطع كل تلك المسافة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب كي يقاتل "الدواعش"، كما يحلو للحوثيين تسمية معارضيهم. هل لديه أي تصور عن اليمني "الآخر" الذي يقاتله؟

في بلد فقير كاليمن، بإمكان الدراما المساهمة في تعريف اليمنيين ببعضهم البعض بشكل حقيقي عوضاً عن تركهم غرباء بين بعضهم البعض. ربما عندما نعمل على تصوير حقيقي لليمني على التلفزيون اليمني، بإمكاننا توسعة النقاش والحديث عن كيفية تقديم اليمني في الدراما الأجنبية، "للآخر" غير اليمني.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها