الثلاثاء 2014/09/16

آخر تحديث: 13:34 (بيروت)

الليرة السورية نحو انهيار جديد

الثلاثاء 2014/09/16
الليرة السورية نحو انهيار جديد
العملة السورية تنهار وسط تراكم تكاليف المؤونة والدراسة وغيرها، في هذا الشهر (ا ف ب)
increase حجم الخط decrease


عاد الحديث عن انخفاض قيمة الليرة السورية مجدداً ليكون الأبرز على ألسنة السوريين في الوقت الراهن، نظراً للأثر المباشر الذي يحدثه الإنخفاض في أسعار السوق المرتفعة أساساً، لا سيما خلال الفترة الحالية التي تشهد تكاليف إضافية لصنع المونة المنزلية وتأمين اللوازم المدرسية والمازوت للتدفئة، وهي كلها سلع ترتفع على وقع ارتفاع الدولار. فبعد أن بلغ سعر الصرف مع مطلع الأسبوع الثاني من أيلول الجاري 175.5 ليرة سعر شراء و176.5 سعر مبيع، ارتفع يوم الثلاثاء 9 سبتمبر إلى 182 ليرة للشراء و183 ليرة للمبيع، ليبلغ في ختام الأسبوع يوم الخميس 11 سبتمبر/ أيلول 187 ليرة للشراء و190 ليرة للمبيع، وليصل مع مطلع الأسبوع الثالث إلى 192 ليرة للشراء و194 ليرة للمبيع. كل ذلك من دون تحرك جدي وملموس من البنك المركزي وكأنه في رضى تام عما يجري، وسط تقديرات بإستمرار تراجع قيمة الليرة تدريجاً خلال الأيام المقبلة لتصل إلى 225 ليرة للدولار حسب تقديرات السوق.


ويمكن اعتبار الحرب المقبلة على تنظيم "داعش" في المنطقة عاملاً مهماً في تضعضع أسواق الصرف، فمخاطر نشوب حرب في المنطقة قد تطال الأراضي السورية تدفع بالمدخرين، وهم حالياً من كبار الأغنياء وتجار النظام بعد انهيار الطبقة الوسطى تماما،ً إلى استبدال مدخراتهم من الليرة السورية بالدولار ومختلف العملات الأجنبية، إضافة إلى ورود أنباء من الرقة بقيام عناصر داعش بشراء الدولار مما خلق طلباً إضافياً دفع نحو ارتفاع سعر صرفه. هذا الأمر يذكرنا تماماً بما جرى في العام الماضي على وقع التهديدات الأمريكية بضرب سورية إذ ارتفع حينها سعر الصرف لما فوق 235 ليرة، ليهبط تدريجياً مع انحسار الأخبار حول الضربة ويستقر عند حدود 180 ليرة.


ولكن ليست طبول الحرب التي بدأت تقرع في المنطقة السبب الوحيد في تراجع قيمة الليرة، إذ أن انهيارها أمر متوقع في ظل انكماش الناتج المحلي وتراجعه من 60 إلى 33 مليار دولار بين عامي 2010 - 2013 حسب تقرير "الإسكوا" مؤخراً، واستمرار نزيف خزينة الدولة خاصة من الاحتياطي الأجنبي على وقع الحرب التي أشعلها النظام وما تبعها من عنف، على الرغم من تصريح حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة لجريدة الثورة الحكومية يوم السبت 13 الجاري عن وجود مخزون استراتيجي مطمئن من المقطع الأجنبي، معتبراً أن ارتفاع أسعار الدولار في السوق تعود لتعاملات غير نظامية يقوم بها مضاربون وتجار عملة، متوعداً إياهم بعقوبات كبيرة ورادعة. وهي الأسطوانة نفسها التي تردد دائما من دون أن يلمس السوريون جدية في معقابة من يتلاعب بقوت عيشهم، ولا سيما أن الجهات المتلاعبة بالدولار معروفة ومعظمها تنتمي لفئات التجار المرتبطين بالنظام وشركات الصرافة العاملة تحت جناح "المركزي"، الذي لا يجد إلا سياسة ضخ القطع الأجنبي بالسوق لإعادة ما يسميه التوازن لسعر الصرف، وهي سياسة أثبتت فشلها وأدت لإستنزاف كميات كبيرة من الاحتياطي صبت في جيوب المضاربين.


سياسة التمويل بالعجز التي تنتهجها الحكومة أحد أهم العوامل الكامنة وراء الانخفاض الراهن في قيمة الليرة، فأمام تقديرات بإرتفاع عجز الموازنة بنسبة 80% من موازنة العام 2014 والمقدرة بحوالي 1390 مليار ليرة، وانخفاض الإيرادات الحكومية بين عامي 2011-2014 بما لا يقل عن 66%، انتهجت الحكومة سياسة توسيع المعروض النقدي لتمويل نفقاتها الجارية، والدليل على ذلك إصدار عملة جديدة من فئة الـ500 في تموز الماضي غير مغطاة، ولا تملك أي قيمة إلا كلفة طباعتها، برغم إعلان البنك المركزي بأن إصدار الـ 500 الجديدة ليس من قبيل التمويل بالعجز بل عملية إستبدال تقنية للعملة التالفة والمهترئة. ولكن لو كان الأمر كذلك لقامت الجهات الحكومية فعلاً بسحب العملة القديمة من فئة الـ500 وهذا ما لم يحصل عملياً، ولما أعلن المركزي عن عملة جديدة سيتم طرحها لاحقاً بالأسواق من فئة الـ1000 ليرة، ناهيك عن بعض الأصوات من قبل منظري النظام والمطالبة بضرورة إصدار عملة نقدية من فئة 2000 ليرة غير مستخدمة الآن.


التوسع النقدي في ظل انعدام النمو الاقتصادي وعدم نمو الكتلة السلعية سيترتب على الأخيرة نتائج تضخمية وانخفاض قيمة العملة الوطنية حتماً وهو أمر بدأ السوريون يلمسونه. وعليه فإنه إذا كانت التوترات والأحداث الأمنية في المنطقة تخلق عوامل قلق نفسي تدفع بالمدخرين لبيع العملة الوطنية وشراء الدولار، فإن عوامل أخرى بنيوية داخل الاقتصاد السوري تدفع نحو انهيار قيمة الليرة، بغض النظر عن الأخبار حول الحرب على "داعش"، ليبقى السوريون هم الضحية الأبرز لسياسات الفشل الاقتصادي والاجتماعي التي ستحول 90% منهم إلى فقراء وفق تقديرات "الإسكوا" خلال العام المقبل.

increase حجم الخط decrease