الأربعاء 2015/04/15

آخر تحديث: 17:13 (بيروت)

سوريا: الحكومة تقمع المتسوّلين أيضاً

الأربعاء 2015/04/15
سوريا: الحكومة تقمع المتسوّلين أيضاً
ارتفاع معدلات البطالة وغلاء المعيشة سببان أساسيان للتسول (getty)
increase حجم الخط decrease

تعتبر ظاهرة التسول من أبرز الظواهر المعبرة عن انهيار الوضع الاقتصادي والمعيشي للسوريين، نتيجة الحرب والسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تعتمدها حكومة النظام، إذ لا تقل الخسائر الاقتصادية خلال سنوات الحرب عن 202.6 مليار دولار، وفقاً لتقرير المركز السوري لبحوث السياسات، الصادر الشهر الماضي.

وبرغم غياب الإحصائيات الرسمية عن عدد المتسولين ونسبتهم من السكان، إلا أنه بات يندر أن تجد شارعاً أو حديقة في دمشق تخلو من المتسولين وخصوصاً مشردي الحرب. كل ذلك من دون أن يرف للحكومة جفن تجاه مصير هؤلاء، إلا إعلانها عن أن عدد حالات التسول المضبوطة من قبل الضابطة المختصة، بلغت 5 آلاف حالة بواقع 2000 امرأة، 2500 طفل، وحوالي 500 رجل، مقارنة مع حوالي 2000 حالة كانت موجودة قبل الحرب في عام 2010، حسب جريدة الوطن الموالية للنظام الصادرة أمس الثلاثاء، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات الحكومية المؤكدة على ضرورة مواجهة المتسولين والحد منهم، بعد أن أصدر وزير العدل نجم حمد الأحمد تعميماً الأحد الماضي، يتضمن التأكيد على "مكافحة ظاهرة التسول والتشديد في العقوبات الرادعة لقمعها بشكل كامل".

ولا ندري كيف يمكن لحكومة ساهمت بتحويل ملايين السوريين الى مهجرين ومتسولين، أن تكافح التسول، إذ أن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب إيقاف السبب الأساسي في تفاقمها ألا وهو الحرب التي أشعلها النظام، وإن كان متعذراً إيقافها في الأفق المنظور نظراً للتعقيدات الشديدة في ظروف الصراع، فأضعف الإيمان أن تقوم الحكومة بجملة إجراءات تحسن أوضاع معيشة السوريين، وتحد من وقوع المزيد منهم، وخصوصاً المهجرين، في براثن التسول، كأن تقوم بضبط سوق العقارات وإجبار تجار العقارات على خفض إيجارات المنازل التي لا تقل عن 20 ألف ليرة (72.7 دولار) شهرياً، وفرض الرقابة على الأسواق، وبدفع تجارها المافيويين لتخفيض الأسعار. كما كان بإمكانها زيادة حجم المساعدات الغذائية المقدمة للنازحين مجاناً ومكافحة عمليات الفساد في توزيعها، مع العلم أنه في شهر آذار الماضي، تم ضبط مستودع في جرمانا تابع للهلال الأحمر وهو يحوي سلعاً غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية، كانت في طريقها إلى النازحين المهجرين، وهذا ما يلقي الضوء على نوعية تلك المساعدات التي تقدم لهم.


كما لم تبذل الحكومة أي جهد لإلزام الأطباء بتقديم الخدمات الطبية المجانية أو شبه المجانية لهؤلاء المشردين، إذ أن بعض الأطباء يتقاضى أكثر من 4 آلاف ليرة (14.5 دولار) ثمناً للفحص الطبي فقط. وتشير إحصاءات وزارة الصحة إلى ان 40% من السوريين باتوا بحاجة لدعم نفسي اجتماعي. ومما لا شك فيه أن المتسولين هم أكثر الفئات حاجة لمثل هذا الدعم، لكونهم ضحايا الحرب الحقيقيين، وهم ليسوا مجرمين ليكون الحل الوحيد لمنعهم من التسول هو الاعتقال والمساءلة الأمنية والقانونية. وبالطبع ليس المقصود هنا الدفاع عن التسول، ولكن في ظروف الحرب التسوّل أمر مبرر، كما أن هناك أعمالاً أخرى أكثر إجراماً وخطورة وتستوجب المكافحة، كان يفترض بالحكومة أن تواجهها برغم أنها عملياً تدعمها، خصوصاً تلك الأعمال المافيوية التي أنتجتها الحرب، كحمل السلاح والمتجارة به، أو القيام بسرقة محتويات المنازل والمتاجرة بها، أو الخطف مقابل الفدية وغيرها.

وبعيداً من الضجيج الحكومي الإعلامي فإن ظاهرة التسول بنظر الباحث الاقتصادي مازن علي، غير قابلة للحل في ظل الحرب "وتعود الظاهرة بشكل أساسي إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 57.7% حتى نهاية العام 2014، أي ما يقارب 3.72 مليون عاطل من العمل، استناداً الى ارقام المركز السوري لبحوث السياسات". وعن مستقبل هذه الظاهرة يضيف علي لـ"المدن"، انه "في ظل فقدان المصدر الرئيسي لدخل 12.22 مليون سوري، وفي ظل تراجع أبرز القطاعات الاقتصادية التي كانت تمتص العمالة كالزراعة التي تراجعت بمقدار 80% والسياحة بأكثر من 95%، فإن التسول سيزداد تدريجاً إذ يبقى وسيلة لا مفر منها للكثيرين لتجنب الموت جوعاً، كما أنه في ظل ارتفاع نسبة التسرب المدرسي إلى 30% بحسب الإسكوا، بعد دمار المدارس وتحويل النظام بعضها لمراكز عسكرية، فإن أعداداً متزايدة من الأطفال لن تجد أمامها إلا التسول، بعد أن سلبوا حقهم في إكمال تعليمهم".

وتجدر الإشارة الى أن التسول الحقيقي هو ذلك الكامن في الفساد الذي يحرك العجلة الحكومية، والذي يتجلى في قبض الرشى من المواطنين لقاء تأدية خدمات يستحقونها منى دون أي تكلفة، فالحكومة عودت موظفيها على التسول العلني الهادف لنهب جيوب السوريين وهو ما يستحق المكافحة فعلاً، لا التسول الذي يقوم به ضحايا سياسات الحكومة التي حولت 90% من السوريين إلى فقراء، بحسب الأمم المتحدة، والذين لا يهدفون من وراء تسولهم إلا تأمين قوت يومهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها