الثلاثاء 2022/05/24

آخر تحديث: 11:32 (بيروت)

"الصندوق السيادي" و"تهريبة" خطة التعافي: القطاع الخاص فاسد ومفسد

الثلاثاء 2022/05/24
"الصندوق السيادي" و"تهريبة" خطة التعافي: القطاع الخاص فاسد ومفسد
أي بحث جدي في الإصلاح لا بد يشمل القطاع الخاص (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

"تكتك  حجل" جمعية المصارف، معلناً أن الدولة هي التي سطت على أموال المودعين، ودعاهم لتشكيل جبهة موحدة مع المصارف ضدها لاستعادة الودائع.  و"جاوبو زغلول" جمعية تجار بيروت، عارضاً الحل، بوضع أصول الدولة في صندوق سيادي لاستثمارها، واستخدام العوائد لإعادة الودائع. 

أما صقر الحكومة فانقض على الحجل والزغلول، بخطة التعافي التي تم إقرارها على عجل و"تهريبها" إلى مجلس النواب، لتشكل "صك غفران" أمام المجتمع الدولي، وكرة نار ستحتار الكتل والأحزاب كيف ستتقاذفها.

بين التغريدة والتهريبة، تكون الحرب قد اندلعت فعلاً بين أركان "عصبة المنهبة"، وعسى أن يشتد أوارها ليفضحوا بعضهم بعضاً. وليتأكد المؤكد أن هذه العصبة بكل تلاوينها، انتهت صلاحيتها بعد أن وصل فسادها إلى مستوى لا يمكن تحمله، حتى من قبل الدول الداعمة والمشغلة والمانحة. والمؤشرات كثيرة ومتواترة وليس آخرها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وبين التغريدة والتهريبة، يكون قد انتهى وقت التذاكي والتباكي، وليتكشّف الواقع المسكوت عنه، وهو أن القطاع الخاص "الهجين" الذي نشأ بعد الطائف، لا يقل فساداً وإفساداً عن السياسيين. ما يضع أركان القطاع الخاص الأصيل الذي ساهم ببناء مجد لبنان أمام مسؤولياتهم، لكي يستعيدوا شركاتهم ومصارفهم وجمعياتهم ونقاباتهم وحتى وسائل إعلامهم، ولكي يلعبوا دورهم الطبيعي في الإصلاح والإنقاذ. إذ لا قيامة للبنان من دون قطاعه الخاص ومن دون مصارفه.

ولأننا لسنا قضاة ولا محققين، فنكتفي بطرح بعض الأسئلة بقدر كبير من "سوء النية":

من سرق أموال الدعم ؟
1- هل السياسيون وحدهم من "سرق" خلال العامين الماضيين، وطوال السنوات الماضية، أموال دعم المحروقات والمواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية؟ أم أن الحصة الأكبر ذهبت إلى جيوب التجار ورجال الأعمال. وهل السياسيون وحدهم من هرّب هذه المواد ومن خزنها في المستودعات. فالناس لم تنس بعد رفوف الصيدليات الفارغة ولا "مسرحيات" الوزراء ومداهماتهم التلفزيونية للمستودعات. كما أنها لم تنس ابتزاز المرضى من قبل أصحاب المستشفيات وأباطرة توريد المستلزمات، لأن مصرف لبنان تأخر بالإفراج عن الدولارات. وإذا شاءت جمعيات المصارف والتجار وغرف التجارة إنكار هذه الحقيقة، فليراجعوا تقرير البنك الدولي "المرصد الاقتصادي للبنان: الإنكار الكبير" الذي جاء فيه حرفياً: "كان المستوردون والمهربون هم أكثر الفئات استفادة من إلغاء الدعم، واستنزاف موارد النقد الأجنبي الثمينة والشحيحة".

ومن هرّب أمواله في ليل؟
2- هل السياسيون أم رجال الأعمال من قدم العروض ووقع العقود بأسعار مضاعفة عدة مرات، مع المؤسسات الحكومية لتنفيذ المشاريع وتوريد الاحتياجات واستغلال أصول الدولة كالأملاك البحرية، مقابل عمولات وحصص لشركائهم من السياسيين ؟

- أليس أصحاب المصارف وكبار المسؤولين التنفيذين، هم الذين أشرفوا على العمل في مكاتب الإدارات العامة حتى ساعات متأخرة من الليل بعد 17 تشرين وخلال فترة الإقفال المستهجن للفروع، لإجراء تحويلات بمليارات الدولارات لكبار المودعين وهم كبار المساهمين في المصارف ورجال أعمال وسياسيين؟ ولتتفضل جمعية المصارف بإبلاغ المودعين الذين تطلب دعمهم لتبرئة ساحتها، بأن سبب مطالبة صندوق النقد الدولي بتعديل قانون السرية المصرفية هو كشف هذه التحويلات ومصادر الودائع وأصحابها، وغيرها من العمليات المشبوهة وفي مقدمتها قائمة المستفيدين من الهندسات المالية.

3- أليس أصحاب المصارف من ارتكب كل أنواع المخالفات لقانون النقد والتسليف، ومن تجاوز كل المعايير المصرفية الدولية، خصوصاً لجهة إدارة المخاطر والإصرار على مواصلة إقراض الدولة مباشرة أو عبر مصرف لبنان، طمعاً بالفوائد الفاحشة والأرباح الخيالية. وهم من لجأ لكل أنواع الاحتيال والإغراءات  لجذب أموال المودعين، على الرغم من معرفتهم بعجز الدولة والمصارف عن إعادة هذه الودائع.

تجريم فساد القطاع الخاص
وعليه، فإن أي بحث جدي في الإصلاح لا بد يشمل القطاع الخاص. وذلك على خطين متوازيين؛ الأول استكمال الإطار التشريعي والقانوني لمحاربة الفساد، مع التركيز على دور القطاع الخاص، باعتبار أن الممارسات الفاسدة في القطاعات الحكومية يدخل فيها دائماً القطاع الخاص كطرف ثانٍ. إضافة إلى إقرار مشروع القانون المتعلق بمحاربة الفساد في القطاع الخاص نفسه، والذي يشمل على سبيل المثال الغش والتزوير والمنتجات الضارة وخرق حقوق المجتمع والبيئة والعمالة إلخ.. وهذا الكلام ليس تجنياً بل هو اتجاه دولي، ولتتم مراجعة السياسات والإجراءت التي اتخذت ضد المؤسسات المالية الأميركية والمدراء التفيذيين فيها بعد أزمة 2008.

والخط الثاني هو قيام رجال الأعمال والتجار والمصرفيين بأخذ زمام المبادرة لإزاحة الرموز الهجينة والطارئة التي تتصدر قطاعات الأعمال والمصارف والتجارة حالياً. والسعي إلى فك الارتباط بل التماهي بين السياسيين وقطاع الأعمال. ولتتم في هذا السياق، متابعة الحملة الضخمة لمكافحة الفساد في القطاع الخاص في الصين، والذي كان وراء معجزة النمو المحققة. وتستهدف الحملة كما قال رئيس خدمات التفتيش في الحزب الشيوعي "قطع الصلة بين السلطة ورأس المال". رحم الله نسيب لحود الذي أقفل شركاته في لبنان حين قرر الاشتغال بالسياسة.

فضيحة التمييز بين الودائع
لن نتعرض لإقرار خطة التعافي، لأنها كما خطة الكهرباء التي سقطت بالضربة القاضية لمعمل سلعاتا، هي مجرد مباراة لتبادل اللكمات وتقاذف المسؤوليات بين أركان "العصبة". ولكن نفتح قوسين لنتساءل "بسوء نية"؛ بأي حق واستناداً إلى أي معيار مصرفي واقتصادي وقانوني، واسترشاداً بأي دين وبأي قيم أخلاقية، يتم التمييز بين الودائع لاعتماد مبلغ 100 ألف دولار كحد أقصى للودائع التي تضمن الحكومة إعادتها إلى أصحابها. وهل صحيح أن المعيار كان استخدام أقل قدر ممكن من الأموال لشطب حوالى 800 ألف حساب، وتحييد أصحابها لتجنب انفجار الوضع الاجتماعي والأمني، تماماً كما حصل مع أصحاب الودائع تحت الخمسة آلاف دولار، الذين تمت إعادة ودائعهم وإقفال حساباتهم في بداية الأزمة، بعد أن دخل بعضهم إلى المصارف بالفؤوس والجرافات.

بين التغريدة والتهريبة، نكرر للمرة المئة، أن الدولة ليست مفلسة والقطاع المصرفي ليس مفلساً، ولكن "عصبة المنهبة" من السياسيين والمصرفيين هم المفلسون. وخطة التعافي "المنقولة" عن الاتفاق مع صندوق النقد، قد تشكل خريطة الطريق المطلوبة، وإنشاء صندوق سيادي لاستثمار أصول الدولة قد يكون الحل الناجع.. ولكن بشرط إبعاد أيادي عصبة المنهبة عن الخطة وعن الحل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها