الخميس 2022/02/24

آخر تحديث: 12:00 (بيروت)

متى ينتفض مصرفيو لبنان لاستعادة مصارفهم من منتحلي الصفة؟

الخميس 2022/02/24
متى ينتفض مصرفيو لبنان لاستعادة مصارفهم من منتحلي الصفة؟
القطاع المصرفي ليس مفلساً؟! (المدن)
increase حجم الخط decrease
من قعر جهنم نطرح السؤال الجهنمي: إذا كانت الدولة غير مفلسة والمصارف كذلك، بل يستحيل أن يفلسوا، لماذا لا يبادر المصرفيون "الأوادم"، وهم كثر، لإنقاذ أنفسهم ومصارفهم ومصالحهم، ولماذا لا ينتفضون لاستعادة القطاع المصرفي من أيدي منتحلي الصفة الذين يسيطرون عليه بالتحالف مع حاكم مصرف لبنان والسياسيين؟

معلوم أن هذا الحلف يدير عملية تدمير ممنهج للقطاع الذي يشكل، إلى جانب الجامعة والمستشفى والجريدة، ركائز رئيسية للكيان اللبناني ودوره وهويته. وإلى متى يستمر هؤلاء المصرفيون بالتغاضي عن الخلل البنيوي الذي أصاب مصارفهم، فباتت "خارج" قانون النقد والتسليف وأبسط المعايير المصرفية الدولية، بل خارج القيم المهنية والأخلاقية التي كرسها مصرفيون ورجال أعمال كبار، بإشراف حكام كبار في البنك المركزي؟ فلنترحم بداية على نعمان الأزهري، حسين العويني، فريد روفايل، وتوفيق عساف، الياس سركيس، وإدمون نعيم..

إنها دعوة صادقة لمن تبقى من مصرفيين ورجال أعمال حقيقيين ـوهم كثرـ إلى أخذ زمام المبادرة وعدم انتظار إبداعات تلك الفئة الهجينة من المصرفيين والسياسيين، أو القيادات المصرفية التابعة والملحقة برجال السياسة، وعدم انتظار هندسات مصرف لبنان بحاكمه ونواب حاكمه ومجلسه المركزي. فأعلى سقف تصله إبداعاتهم وهندساتهم، هو السطو على ما تبقى من احتياطي إلزامي بحجة تمويل الكهرباء والدواء، والسطو على ودائع الناس بغطاء تعاميم الحاكم غير القانونية.

تلاوة فعل الندامة
ولكي نضع الأمور في نصابها، فإن المبادرة تتطلب بداية ما يلي:

- الاعتراف بالخطايا المرتكبة وتلاوة فعل الندامة، مع الإعلان الصريح عن الاستعداد لتحمل المسؤولية الأخلاقية والمهنية والمالية المترتبة على هذه الخطايا.

- إعلان المعارضة الواضحة للخطة الجهنمية لتوزيع الخسائر والتعافي، التي وضعها أركان الطبقة السياسية ومنتحلي الصفة من المصرفيين والخبراء، والقاضية بشطب الجزء الأكبر من ودائع الناس، ومن ثم وضع اليد على أصول الدولة كشرط لإعادة الجزء المتبقي من الودائع.

- الانسحاب من جمعية المصارف واعتبارها كياناً طارئاً على القطاع المصرفي، بل منتحلة صفة. والسعي إلى تشكيل تجمع بديل يضم المصرفيين "الأودام"، لابتكار الحلول والتنسيق والتعاون في تنفيذها. وتشكيل قوة ضغط على مصرف لبنان وعلى السياسيين، والسعي لتوسيع التجمع ليشمل "الأوادم" من رجال الأعمال والتجار الذين لم يسكروا بخمر تناهب موارد الدولة والناس، والذين يمكن أن "يفيقوا من سكرتهم" قبل فوات الأوان.

- تبيان الحقائق بالمعطيات والأرقام، وأهمها أن القطاع المصرفي ليس مفلساً، وقادر على الصمود ومواصلة دوره حتى في ظل الأوضاع السياسية والمالية الحالية، بدليل أن هذا القطاع ظل يعمل وينمو خلال أقسى مراحل الحرب الأهلية، حين كان يقوده رجال حكماء ومحافظون يحققون الأرباح بالابتكار والاقتدار وليس بالتناهب والإفقار.

تحدي بناء الثقة
التحدي الكبير الذي يواجه هذه المبادرة، هو إعادة بناء الثقة التي دمرت. ومع أنها مهمة بالغة الصعوبة، لكنها ليست مستحيلة في ظل حقيقتين: الأولى، الحاجة الملحة لوجود بنك يقدم خدمات مصرفية حقيقية، بدل خدمات "التشبيح والزعبرة". والثانية، وجود قدرة حقيقية لدى الكثير من البنوك على تقديم مثل هذه الخدمات بكفاءة، رغم الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي. ويؤكد أحد المصرفيين المؤيدين لهذه الفكرة، على أنه لن يفاجأ أبداً بحدوث تدفق تدريجي للودائع بالعملات الأجنبية على مصرفه، خصوصاً من المواطنين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الذين يحتفظون بأموالهم في المنازل، والتي باتت هاجساً ومصدراً للقلق والخطر. كما لن يفاجأ بعدم حدوث موجة سحب عارمة من الودائع المحررة.

وينصح المصرفي المؤيد لهذه الفكرة بخلق بنك أو أكثر يعتمد في نشاطه الأسس والمعايير المصرفية السليمة، ويشكل نموذجاً لاستعادة جزء من الثقة. ويرى أن هناك بعض البنوك التي لم تتورط مطلقاً، مثل البنك العربي وبنك الكويت الوطني، وهناك بنوك عدة وعدد كبير من المصرفيين لم يتورطوا بشكل كبير، وحافظوا على الحد الأدنى من المعايير المهنية والأخلاقية. ويسوق المصرفي مثالاً -ليس لمديح لا يوجد من يستحقه- بل للتوضيح ولتحميل المسؤولية، فيذكر من المصارف البنك اللبناني الفرنسي الذي كان مؤسسه فريد روفايل ورفاقه من جيل المؤسسين مدرسة مصرفية ومهنية وأخلاقية، متمنياً أن يتمكن ولده من تطبيق دروسها. ومن المصرفيين يذكر الوزيرة ريا الحسن، وهي رغم حداثة عهدها في العمل المصرفي، يحسب لها أنها دخلت وزارتي المالية والداخلية بثوب أبيض وخرجت منهما بثوب ناصع البياض. ومتمنياً أيضاً أن يسمحوا لها بإعادة "الأبيض" إلى البحر المتوسط.

ودائع بالدولار بلا "ليلرة وزعبرة"
ويعتبر المصرفي نفسه أن الشرط الأساس لإعادة بناء الثقة في المصرف-النموذج، هو أن يثبت أصحابه وكبار مساهميه وقياداته التنفيذية ثقتهم به. والخطوة الأولى المطلوبة هي مبادرتهم إلى تطبيق تعميم مصرف لبنان بزيادة رأس المال، وتغذية الحسابات لدى المصارف المراسلة، ليس بتركيب الطرابيش كما يحدث، بل من خلال ضخ أموال حقيقية من ثرواتهم الخاصة. على أن يتم ذلك بشفافية مطلقة وإعلان الأرقام عبر وسائل الإعلام. وعلى أن يترافق ذلك مع إعلان التزام لا رجوع عنه، بإعادة الودائع إلى أصحابها بالعملات التي وضعت بها، "بلا لولرة وليلرة وزعبرة".

طبعاً لا يمكن لعاقل أن يتوقع إعادة الودائع كلها. فتلك مسألة متعلقة بوضعية البلاد ككل. ولا يوجد بنك في العالم باستطاعته إعادة الودائع دفعة واحدة، كما لا يوجد مودع في لبنان وفي العالم يريد أن يحتفظ بأمواله في منزله. ولكن إعلان مثل هذا الالتزام يسهم في بناء الثقة، خصوصاً إذا ترافق مع تحرير تدريجي ومدروس للودائع بالدولار، كأن يتم مثلاً تسديد الأقساط الجامعية وتكاليف العلاج في المستشفيات ومبالغ نقدية شهرية الخ.. والأهم إعادة تدريب الموظفين ومدراء الفروع على احترام العملاء، ووقف الممارسات غير الأخلاقية بحقهم.

بنك للطائفة الشيعية
وينصح أقرانه من المصرفيين "الأودام" بالسعي إلى توسيع قاعدة المساهمين في البنك النموذج بالحد الأقصى الممكن، كمقدمة لفصل الملكية عن الإدارة. ويتم ذلك من خلال إقناع المودعين بتحويل جزء من ودائعهم إلى أسهم. ويستند ذلك إلى التركيبة الطائفية للبلد والمصارف، ليذهب بعيداً ويطالب المودعين من الطائفة الشيعية بالمبادرة إلى خلق بنك يشكلون غالبية المساهمين فيه، ويقدمونه كنموذج، شرط التزام الثنائي الشيعي بعدم التدخل في نشاطه، لإبعاده عن خطر العقوبات. ويبرر هذا المطلب المستغرب، بعدم وجود بنك محسوب على الطائفة الشيعية. خصوصاً أن رجال الأعمال والمغتربين الشيعة هم الأكثر حاجة لوجود بنك يقدم لهم الخدمات المصرفية، في ظل القيود المفروضة عليهم، وفي ظل تركيبة البلد، حيث لكل طائفة بنك أو أكثر.

لبنان ليس مفلساً والمصارف ليست مفلسة، ولكن المشكلة، كما يذكر بشكل مباشر وغير مألوف تقرير للبنك الدولي، "متعمدة ومن تدبير قيادات البلد التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها".

والكرة في ملعب المصرفيين اللبنانيين، ليستعيدوا مصارفهم وليستعيدوا الثقة.. فمن يعلق الجرس؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها