السبت 2021/06/05

آخر تحديث: 15:28 (بيروت)

خطة لاستعادة أموال المودعين من المصارف

السبت 2021/06/05
خطة لاستعادة أموال المودعين من المصارف
يجب الضغط على المصارف بإقفالها بالجرارات والشاحنات وبالتجمعات السلمية (Getty)
increase حجم الخط decrease

أنها دعوة صريحة للمودعين لاعتماد أقصى درجات العنف السياسي والقانوني والمعنوي، ضد أصحاب المصارف والسياسيين وبعض القضاء. وكذلك للاقتناع بأن عنصر القوة الوحيد للمصارف والسياسيين هو ضعف المودعين وخضوعهم. بدءاً برضوخهم لذل الانتظار على أبواب المصارف، من دون أن يتجرأ أحدهم على "خلع الباب بإجرو"، ومروراً بالتهليل والدعاء بطول العمر لمن تراجع عن قرار مجلس الشورى المعيب، والذي يشطب الودائع بافتراض حسن النوايا، أو يحول المودعين إلى متاريس يختبئ خلفها السياسيون لـ "يقوصوا على بعضهم"، إذا ساءت النوايا، وهي سيئة فعلاً. ويصل المودعون إلى التسليم بتحول جمعية المصارف إلى سلطة تشريعية وتنفيذيه تسن القوانين وتنفذها، مثل "الكابيتال كونترول"، وسلطة نقدية تصدر التعاميم أو تطبق ما يناسبها من تعاميم المصرف المركزي. وكان آخر إبداعاتها، تمنعها عن تنفيذ قرار المجلس المركزي ومصرف لبنان بدفع مبلغ 400 دولار نقداً وما يوازيها بالليرة اللبنانية، بدعوى عدم توافر الأموال لديها.

شو طالع بإيدنا ؟!
إن شطب هذا السؤال من الأذهان، هو الشرط الأول لبداية مشوار استعادة الودائع، وتحديد ثلاثة أهداف مرحلية، هي:

أولاً: وقف السطو على الودائع من خلال الدعم والتحويلات إلى الخارج. فالدعم يا دولة الرئيس حسان دياب، كما تعلمنا في المدارس الابتدائية، هو ضمن بند النفقات في الموازنة العامة التي تمول من الإيرادات العامة أو الاستدانة. وبغياب الإيرادات التي تهدر في زواريب الفساد والتنفيعات و"التفشيخ في الولائم والسفريات"، وغياب القدرة على الاستدانة بعد التوقف عن سداد الديون بدون التفاوض مع الدائنين، تكون اللعبة قد انتهت. وما تبقى من الاحتياطي الإلزامي هو ملك للمودعين وليس ملكم. فليتوقف "التشبيح" على ما تبقى منها بحجة مواصلة الدعم لتجنب العتمة وفقدان الدواء. فهذا الدعم ليس موجهاً للناس بل للسياسيين والتجار والمهربين. فأعيدوا أموال الناس "ليدبروا حالهم ويساعدوا بعضهم"، ولتقفل دكانة شركة الكهرباء ويكتفي الناس بالموتورات والبطارية والشمعة. وليتوقف ابتزاز وتهديد مافيا الدواء والمستلزمات الطبية والمستشفيات بالمرض والموت، وليواجهوا غضب الناس. فبعد أنفاق حوالي 7 مليارات دولار من أموال الناس العام الماضي على الدعم، لم يجد الناس سلعاً مدعومة و "قتلوا بعضهم" على عبوة زيت وعلبة دواء وتكنة بنزين، وباتوا ينتظرون تكرم الزعيم وأزلامه عليهم بكرتونة الإعاشة. فيكفي ذل وقهر... وقبل التدقيق الجنائي والقضائي في من أغتصب الودائع لوقف اغتصابها والتناوب علهيا.

أما بالنسبة للتحويلات، فحبذا لو يتكرم مجلس النواب بإقرار قانون "الكابيتال كونترول"، رغم أنه كالذاهب إلى الحج والناس راجعة. فهو يأتي بعد أن حول أركان تحالف "المافيا والمليشيا" أموالهم وأموال ذويهم إلى الخارج. ولكنه على الأقل يوقف تواصل النزف، ويضبط تحكم "سياسيي الصدفة ومصرفيي الغفلة" برقاب الناس ومصائر الطلاب والمرضى. فتصبح التحويلات خاضعة لقانون ومعايير معروفة، وليس لمزاج ومصالح أصحاب المصارف والسياسيين. كما يوقف حفلة الكذب وإخفاء الأرقام حول حقيقة التحويلات منذ تشرين الأول 2019، والمتواصلة حتى اليوم. وكلام سعد الأزهري، رئيس بنك لبنان والمهجر، لـ "بلومبرغ" مؤخراً بأنه رفض الانصياع لتهديدات السياسيين لتحويل أموالهم بعد الأزمة، تفضحه أرقام مهندس "السعدنات المالية" حاكم مصرف لبنان، التي تشير إلى تراجع احتياطات المصرف العام الماضي بحوالي 14.2 مليار دولار. ما يعني تحويل حوالي 7 مليارات دولار إلى الخارج، بعد اقتطاع قيمة الدعم.

تصفية مصارف "الزومبي"
ثانياً: تصفية مصارف "الزومبي". وذلك باعتماد آلية bad bank and good bank (راجع المدن ـ 23/03/2021 ـ آلية البنك "السيء" و"الجيد".. وتحرير الودائع الصغيرة). فتوضع الأصول المسمومة مع الودائع الكبيرة وعددها حوالي 2500 حساب في البنك السيئ، وتوضع الأصول الجيدة والودائع الصغيرة في البنك الجيد. وهذه الآلية كفيلة ليس بإعادة الودائع الصغيرة (تحت الـ 250 ألف دولار إلى أصحابها) وحسب، بل بإنقاذ القطاع المصرفي، وإعادة تحريك العجلة الاقتصادية. إذ يقدر الخبراء أنها تفضي إلى ضخ حوالي 30 مليار دولار "فريش"  في السوق، ممثلة بنحو 16 مليار كاحتياطي إلزامي، و حوالي 5 مليارات موجودة في خزائن المصارف، و بين 3 إلى 4 مليار لدى المصارف المراسلة، وأكثر من 6 مليارات دولار في المنازل. ويضاف إليها بالطبع ما يتدفق من أموال الدعم والمساعدات وتحويلات المغتربين، إذا قدر لهذا اللبنان ان يتخلص من هذه الطبقة السياسية المنتهية الصلاحية وشركائهم التجار والمصرفيين والنقباء الطارئين على القطاع الخاص اللبناني بل "منتحلي الصفة" الذين شوهوا سمعة وأخلاقيات هذا القطاع العريق.

على أن يترافق ذلك مع تغيير جذري في مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية للبنوك الجيدة. فهل يتخيل عاقل أنه في ظل هذه الكارثة المالية والاقتصادية والمهنية والأخلاقية، لم يقدم أي من هؤلاء المصرفيين استقالته، ولم يحاكم واحد منهم قط. بل بالعكس هم يطالبون بأن توضع أصول الدولة ومرافقها العامة وأراضيها، في صندوق استثماري تحت إدارتهم الفذة للتصرف بها كوسيلة لاستعادة الودائع: صحيح "اذا لم تستحِ إصنع ما شئت".

وهناك ألية أخرى قد تكون أسهل منالاً، وتتمثل بالترخيص لأربع أو خمس بنوك عربية بالعمل في السوق اللبنانية، لتشكل بديلاً عن "مصارف الزومبي". ولنا في تجربة البنك العربي وبنك الكويت الوطني خير دليل على سلامة هذه الآلية. فهذان المصرفان المحافظان والعريقان، يواصلان حتى اليوم قبول وصرف ودائع العملاء بالدولار وكأننا في سويسرا.

ثالثاً، تكوين رؤوس الأموال: إجبار كبار المساهمين على إعادة تكوين رؤوس أموال مصارفهم من أموالهم الخاصة، أو تحميلهم جانباً أساسياً من الخسائر المحققة فعلاً ومن أموالهم الخاصة أيضاً.

سبل المواجهة
أما السبيل إلى تحقيق ذلك، فهو يندرج ضمن مسارين متلازمين وبسيطين بعيداً عن خطط ومبادرات السياسيين والمصرفيين وفذلكات الخبراء والمحللين، وهي:

1. إمطار المصارف وأصحابها بآلاف الدعاوى القضائية. وليتفضل كل من يطرح نفسه بديلاً للطبقة السياسية بالتبرع لتمويل تلك الدعاوى، إذا كان صادقاً بأنه ضد الفساد. وهناك شخصيات مؤهلة، مثل النائب المستقيل نعمة فرام الذي يستعد لإطلاق تيار سياسي، وتبشر مقارباته بأنه من قماشة مختلفة، وليثبت فعلاً أنه خريج مدرسة جورج فرام. مع التأكيد على ضرورة رفع دعاوى مماثلة في البلدان الأجنبية من قبل المودعين المقيمين فيها، أو الذين يحملون جنسيتها بما يجعل هذه الدعاوى أشد وطأة وتأثيراً. وتشكل قضية المحامي وليام بوردون خير نموذج، حيث أصدرت محكمة فرنسية أمراً بمصادرة أصول الفرع الفرنسي لبنك عودة، لضمان حقه في الحصول على وديعته.

2. رفع دعاوى شخصية على أصحاب المصارف ورؤساء مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين، لتحميلهم جانباً من مسؤولية ضياع أموال المودعين، بتهم مثل إساءة الأمانة، الغش والتدليس، وخرق قانون النقد والتسليف، والفساد، وتهريب الأموال بطرق غير مشروعة. مع توجيه تحية إكبار لبعض القضاة الشرفاء والشجعان مثل أماني سلامة، وأحمد مزهر وانطوان طعمة، وغادة عون ـ رغم كل الشوائب الإجرائية في مقاربتها لملف تهريب الأموال. وليتنبه المودعون إلى أن الأحكام الصادرة عن هولاء القضاة تضمنت قرارات احترازية بمنع التصرّف بالأسهم في شركات أو في عقارات في لبنان وخارجه لعدد من أصحاب المصارف ورؤساء مجالس الإدارة. نعم ليس للمصارف فقط، بل لأصحابها. يعني أن القانون يحمي بوجود قضاة شرفاء.

3. ليتفضل أركان المجتمع المدني والـ NGO والخبراء والمنجمين الذين "نفخوا روسنا" برسائل الواتساب وطلاتهم البهية على الشاشات، بدعم هذه الحملة، والبحث في كيفية تحويل "سرقة العصر" إلى قضية دولية باعتبارها انتهاكاً لحقوق الإنسان، بل جريمة ضد الإنسانية. لأنها تهدد بإفقار وتشريد، بل وموت، الآف البشر، إما بالانتحار يأساً وقهراً، وإما بسب المرض لعدم توفر الأموال للعلاج.

4. ليلجاً أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة من أبناء الطبقة المتوسطة إلى أسلوب أصحاب الودائع من الطبقة الفقيرة، بعد أن باتوا منها. أي الضغط على المصارف بإقفالها بالجرارات والشاحنات وبالتجمعات السلمية أمام المصارف وأمام منازل أصحابها. وليتذكروا كيف بادرت المصارف وحاكمها، في بداية الأزمة إلى دفع الودائع بالغة الصغر وإققال الحسابات. وهذا ما قد يتكرر اليوم في ظل الخوف من أصحاب الودائع الصغيرة، وتعميم مصرف لبنان بدفع مبلغ الـ 25 ألف دولار (بالدولار النقدي) ولو مقسطاً، خير دليل على ذلك.

نموذج فندق الريتز
لا يتوهمن أحد أن القضاء سيتحول نزيهاً بين ليلة وضحاها، وأن أصحاب المصارف ستصحو ضمائرهم. فمعظم القضاة في صف المصارف. ولكن مثل هذه الحملة ستؤدي إلى الحل الفعلي لقضايا الفساد وسرقة المال العام والخاص، واستعادة الأموال المنهوبة، وفقاً للنموذج الذي اعتمد في السعودية (فندق الريتز) ومصر والأردن وعشرات الدول الأجنبية. أي التسوية تحت طائلة المحاكمة. أو كما قال جميل السيد، وهو أحد اركان النظام اللبناني الذي يعرف جيداً مواطن ضعف هؤلاء وأسرارهم: "بتحضر ملف لكل واحد وتأتي به لتخيره بين، بتدفع... ولا عالتحقيق". وأغلب الظن أن الجميع سيختارون الدفع، خصوصاً أن المطلوب دفعه ليس كثيراً، وقد يقتصر على الفوائد التي تقاضاها كبار المودعين، وجزء من الـ 20 مليار دولار التي تقاسمها أصحاب المصارف وكبار المساهمين أرباحاً خلال السنوات العشر الماضية.

ولا يهوّلن أحد علينا بأن ذلك سيؤدي إلى إفلاس القطاع المصرفي و"تبخر الودائع". فهذا القطاع لا يفلس بل أن "مصرفيي الغفلة" هم المفلسون. وهم الذين حولوه إلى "جثة حية" تقتات على دم المودعين، بعد أن جف ضرع الدولة التي تناهبوا مواردها بالشراكة والتضامن مع مشغيلهم من "سياسيي الصدفة". فالقطاع المصرفي والقطاع الخاص اللبناني، براء منهم. وهما قادران على النهوض بعد إزاحتهم من الدرب، وكل المطلوب من المودعين الثبات والمواجهة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها