الأحد 2019/03/17

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

المدن الصناعية النموذجية: خوف على البيئة.. ومن العمّال!

الأحد 2019/03/17
المدن الصناعية النموذجية: خوف على البيئة.. ومن العمّال!
مشروع المنطقة الصناعية في تربل (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

ما إن سلك مشروع إنشاء المناطق الصناعية النموذجية في لبنان سبلا جدية للتنفيذ، من خلال توفر فرص تمويله عبر منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، حتى لاحت بوجهه عقبات جديدة، وهذه المرة من بلدة تربل البقاعية، التي نشط مجموعة من معارضيها باتجاه وزير الصناعة، وائل بو فاعور، وأقنعونه بوقف اندفاعة المشروع مؤقتاً، طالما أن لا إجماع عاماً عليه في بلدتهم.

الخطة الغامضة
ولد مشروع المناطق الصناعية النموذجية عام 2012، كفكرة طرحت من خلال جمعية الصناعيين، إلى أن صارت الفكرة واقعا مع تحديد ثلاثة مواقع لها في بعلبك، تربل، والشوف. إلا أن اعتراضات ووجه بها المشروع في الشوف أيضاً، فنقلت دراساته الأولية إلى بلدة القاع، آخر بلدة على حدود البقاع الشمالية التي أبدت ترحيبا واسعا بالمشروع. فهل تقود اعتراضات تربل للبحث عن مواقع بديلة أيضاً، ربما تكون في قب الياس، أو حتى راشيا، التي أبدى سابقاً الوزير أبو فاعور حماسة لإقامة مدينة صناعية فيها، وسعى مع سلفه لإيجاد التمويل لها.

تشير الدراسات الأولية المعدة للمدن الصناعية إلى كون المدينة المخصصة لتربل، ستمتد على مساحة مليون و800 الف متر مربع، وهي الأوسع بين المدن الثلاثة، في وقت تشكل مساحة بعلبك عشرة أضعاف مساحة تربل، ومن هنا تبدأ الاعتراضات. يقول منسق التيار الوطني الحر في البلدة ابراهيم الرامي لـ"المدن" إن الاعتراض ليس "على فكرة المشروع إنما على الخطة التي يحاولون تمريرها، من دون عرض واضح ومكتوب يحترم عقول الناس التي ستستضيف المشروع، بدلا من تهريب مراسيم المشروع والبدء بالبحث عن تمويله".

يرى الرامي "نوايا مبيتة من وراء الإصرار على إنشاء هذه المدينة في تربل". ويتساءل لماذا تغيير معالم جبل في تربل لإقامة منطقة صناعية، فيما سهل البقاع يضم أكثر من منطقة مصنفة صناعية. ومن المستفيد من كميات الصخور والأتربة المستخرجة من تلك الجبال لتنفيذ المشروع، والتي تقدر قيمتها بـ80 مليون دولار أميركي، وما هي تداعيات ذلك على المياه الجوفية وعلى الزراعات المجاورة. وإذا كانت تربل عطشى في معظم أيام السنة، من أين سيأتون بكميات المياه للمعامل، هل فعلا سيحفرون آبار على عمق 600 متر، أي أنهم سيأخذون مخزوننا الاستراتيجي النظيف ويعيدونه ملوثاً من دون معرفة كيفية تصريف هذه المياه؟"

البلدية والبيئة!
لدى الرامي أيضا هواجس من أعداد العمال "الأجانب" ومساكنهم، التي يقول انها ستغير الوجه الديمغرافي للبلدة، فيما تربل برأيه ليست الأقرب إلى الحدود كما يدعون، ولن يستفيد أهلها سوى من 100 وظيفة مقابل خسارة 900 فرصة عمل من الزراعة وغيرها، كما أن بلديتها لن يكون لها سوى سلطة المؤجر، الذي لن يتمكن حتى من ضبط عدد الشاحنات، المتوقع ترددها على المعامل يومياً، والذي يقدر بست شاحنات في الدقيقة، مع ما يتركه ذلك من أثر بيئي سلبي ينعكس على الزراعة عموما.

إلا أن فادي خوري رئيس مجلس بلدية تربل السابق، الذي وافق مبدئياً على المشروع، لا يرى مبرراً لهذه الهواجس. ويرفض في تصريح لـ"المدن" أن يتهم بتغيير تصنيف المناطق، خدمة للمشروع، شارحا "أن أراضي تربل كلها كانت قيد الدرس، وغير مصنفة عندما تسلمنا البلدية. ومن هنا كانت محاولتنا منذ سنة 2010 لتصنيف الأراضي بين سكنية وزراعية وصناعية، إلى أن التقت جهودنا مع وزارة الصناعة وجمعية الصناعيين، في بحثهما عن الأراضي الملائمة، لإنشاء المدن الصناعية النموذجية، واقترحنا تأجيرهم أرضاً بلدية، على بعد كيلومترين من المنازل في منطقة جبلية".

ويتساءل خوري إذا كانت المدينة الصناعية بالسوء الذي يتحدثون عنه، فلماذا لا تُرفض في باقي المدن المتحمسة لاستضافتها؟ ويقول: إذا كان الإجماع مستحيلاً حول أي مشروع، فإن هناك سوء فهم للمشروع، كونه لم يشرح بالشكل اللازم، من قبلنا ومن قبل الجهات المانحة أو وزارة الصناعة. والناس تخاف عموماً مما تجهله.

أفكار راسخة
يربط رئيس لجنة المدن الصناعية في جمعية الصناعيين، ميشال صياح، الاعتراضات بالأفكار الراسخة في أذهان الناس حول المدن الصناعية العشوائية، التي نشأت على مختلف الأراضي اللبنانية، فيما نشوء هذه المدن النموذجية وتصنيفها، برأيه، من شأنه أن يبعد مصادر التلوث التي تتسبب بها بعض الاستثمارات القائمة.

ويلفت صياح إلى أن المعايير الموضوعة لإعطاء الرخص، والأنظمة والقوانين التي ترعاها، والتي تضع الحفاظ على البيئة في سلم أولوياتها، إضافة للتسهيلات التي تقدمها للصناعيين وللعمال ولا سيما في البنى التحتية اللازمة، حيث يتضمن المشروع استحداث 160 ألف متر لوحات طاقة شمسية، إضافة إلى تشجير محيط المعامل، وإستحداث مراكز للابتكار والتطوير ومراكز لتدريب العمال، كلها عوامل تحمي البلدات التي ستستضيف هذه المدن، من مشاريع غير مطابقة قد تنشأ، كمسلخ الدجاج الذي يشار إليه في البلدة ككارثة بيئية.

يتفق صياح مع خوري، على أن تربل ستكون المستفيد الأكبر من تمويل المشروع الذي تصل قيمته إلى 90 مليون يورو. فيما يأسف خوري أن يكون التصويب على المشروع، لأسباب تتعلق بالانتخابات البلدية المؤجلة في البلدة، والتي قد تجري في الربيع المقبل. فهل تشكل هذه الانتخابات، إذا حصلت، استفتاء لأهالي البلدة حول هذه المدينة الصناعية؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها