الجمعة 2013/07/05

آخر تحديث: 04:12 (بيروت)

لبنان في الأزمة السورية

الجمعة 2013/07/05
increase حجم الخط decrease
لا شك في أن الأزمة في سوريا، بالإضافة إلى تبعاتها الكارثية الإنسانية والإقتصادية على الشعب السوري، أصبحت تسبب اعباءً إقتصادية وإجتماعية وأمنية على لبنان. ذلك من خلال إزدياد أعداد اللاجئين، أو عبر تأثر قطاعات إقتصادية كالسياحة والإستثمارات والصادرات عبر الحدود البرية. وقد إقتصر تعاطي الطبقة الحاكمة (أو ما تبقى منها، في ظل حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب منتهي الصلاحية) على النأي بالنفس في البدء، ومن ثم على إستغلال موضوع اللاجئين لإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، وأخيراً على بعض المبادرات الخجولة وغير المنسقة التي تعتمد بمجملها على تخطيط ودعم خارجيين. الملفت في مجمل الخطاب الرسمي (والشعبي أحياناً) إلقاء اللوم الدائم على الآخرين: فحل مشكلة  اللاجئين يقع على المجتمع الدولي، وحل مشاكل الحدود والتبادل الإقتصادي يقع على القطاع الخاص (أي خارج سلطة الدولة). ولكن ماذا لو كان اللبنانيون أنفسهم يتحملون أساساً جزءاً من المسؤولية في هذه الأزمة؟   
 
قد تبدو هذه الفرضية غريبة بعض الشيء. كيف يمكن لهذا البلد الصغير، الذي كان يعرف بسويسرا الشرق، أن يكون أحد الشركاء في صناعة الأزمة السورية؟ الجواب يعود بنا إلى مطلع الخمسينيات، عندما إنفصل البلدان جمركياً ونقدياً، وفرض الاذن المسبق لانتقال السوريين الى لبنان. بعدها إختار البلدان اللذان كان لهما قبل ذلك مصالح مشتركة عديدة كشبكات الطرق والسكة الحديد والبريد والهاتف، طريقين مختلفين للنمو الإقتصادي: سوريا اعتمدت على الزراعة والصناعة والإقتصاد المركزي الموجه، بينما إعتمد لبنان على إقتصاد خدمات ليبرالي. ومنذ ذلك الوقت إستقطب الإقتصاد اللبناني العمالة السورية الفائضة، حيث سجل في العام ١٩٧٠ أكثر من ٢٨٠ ألف عامل سوري في لبنان، شكلوا نصف القوة العاملة اللبنانية. لم يتذمر أحد وقتها من هذا الكم من العمال السوريين، في خضم نمو الإقتصاد وحاجته إلى عمال غير مهرة مستعدين للعمل في ميادين لم يعد يكترث لها اللبنانيون.
 
الترابط الإقتصادي بين لبنان وسوريا عاد إلى الواجهة في مطلع التسعينيات، حيث وقع النظام السوري وقتها وحلفاؤه اللبنانيون معاهدة "الاخوة والتعاون والتنسيق" في العام ١٩٩١، والتي ازالت فعلياً مجمل القيود على تنقل الأشخاص والبضائع بين البلدين، ولكنها حافظت على التمايز النقدي بين عملتي البلدين وابقت قيوداً على تحركات رؤوس الأموال. أنتجت هذه السياسة، التي ما زالت مفاعيلها قائمة إلى اليوم، منظومة سمحت لأصحاب رؤوس المال في لبنان من الإستفادة من عمالة سورية رخيصة، غير منظمة وغير محمية، خصوصاً في قطاع البناء. فرق قيمة العملة بين البلدين ساهم في ترسيخ حركة هجرة العمال السوريين من الأرياف الفقيرة إلى لبنان. كما استفاد الإقتصاد السوري من هذا الوضع، مع إرتفاع تحويلات العمال وحصر انفاقهم في سوريا، وخصوصاً عبر تخفيف حدة البطالة خصوصاً في الأرياف. في ذروة إعادة الإعمار في لبنان قدر عدد العمال السوريين بحوالي ٦٠٠ ألف، ما شكل ١٥٪ من حجم القوى العاملة في سوريا.   
 
لقد إستفاد اللبنانيون وما زالوا من العمال المهاجرين، وخصوصاً السوريين، الذين يعملون في ظروف غير إنسانية وبأجر دون الحد الأدنى. وقد راكم تجار البناء والمقاولون (ومعظمهم من السياسيين أو اصدقائهم في لبنان وسوريا) مئات الملايين من الدولارات من الأرباح، مستفيدين من عمالة رخيصة باتت سجينة الوضع القائم. وهم الآن ينادون بإغلاق الحدود، بعد أن راكموا الثروات من عرق جبين السوريين.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب