الجمعة 2013/07/12

آخر تحديث: 04:47 (بيروت)

لبنان أمام كارثة إنسانية

الجمعة 2013/07/12
increase حجم الخط decrease
  لم يعد يخفى على أحد أن الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي في سوريا بات يشكل تهديداً حقيقياً على الكيان اللبناني. ما يشهده لبنان اليوم من تدفق للاجئين مرجح للتفاقم مع إشتداد القتال في سوريا، حيث تتوقع منظمات الأمم المتحدة وصول عدد اللاجئين في لبنان إلى أكثر من مليون لاجئ مسجل بحلول كانون الأول من هذا العام (أي أكثر من مليونين حسب تقديرات السلطات اللبنانية). هذا الرقم مرجح للزيادة، خصوصاً مع إغلاق الحدود الأردنية والتركية أمام اللاجئين، وتشديد اجراءت السفر من قبل دول الجوار مثل ما فعلت مصر منذ بضعة أيام. كل هذا ينذر بكارثة إنسانية لم يشهد مثلها لبنان منذ الحرب العالمية الأولى، كارثة لم تستدع حتى اليوم أي تحرك أو إجراء رسمي جدي في ظل عجز ونفاق الطبقة السياسية بكاملها.
حسب دراسات المركز السوري لبحث السياسات، خسرت سوريا منذ ٢٠١١ أكثر من ٢٦٪ من قيمة دليل التنمية البشرية، حيث تراجع مستوى التنمية في البلاد إلى معدلات الثمانينات. وقد ارتفعت نسبة البطالة من ١٢ إلى ٤٨٪ و إزداد عدد الفقراء بمقدار ٦,٧ ملايين شخص. الخسائر البشرية والمادية في سوريا تنذر بمستقبل مظلم، حيث فقدت البلاد مجمل مقوماتها الإقتصادية من زراعة وصناعة ورأسمال بشري. النتيجة المباشرة للأزمة السورية تمثلت في هجرة ونزوح ملايين السوريين، حيث تقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد السوريين الذين فروا من بلادهم بأكثر من مليون ونصف المليون لاجئ، يستقبل منهم لبنان حالياً ٦٠٠ ألف على أقل تقدير.
معظم اللاجئين في لبنان نساء وأطفال، حيث يقدر عدد الأطفال بـ١٥٠ ألفاً، ينام معظمهم في العراء ويهيمون على الطرقات. اللاجئون أتوا من مناطق فقيرة في سوريا، من حمص ودرعا وأريافها، ليستقروا بمجملهم في الشمال والبقاع، أي في المناطق الأكثر فقراً في لبنان. انها لسخرية القدر أن الشعبين اللذين فرقهما الإستعمار والانتداب وحّدهم اليوم القصف والفقر والجوع. ولكن الأزمة السورية لم توحد للأسف سوى معاناة الفقراء في المناطق المهمشة في البلدين، بينما يستمر معظم سكان المدن الرئيسية وحكامهم إما بدعم وتمويل فرقاء الحرب، أو بالتصرف كأنها لم تكن. لا يدري هؤلاء (أو لا يريدون إن يدروا) أن لا أحد ينتصر في الحروب، وأن الفقر والجوع وليس التطرف الديني هم من يولدون العنف. ولن يكون أحد محمياً من ثورات الجياع، التي سوف تتفاقم مع إستمرار الأزمة السورية وإضمحلال مقومات العيش لدى اللبنانيين خصوصاً في الأرياف. الأحداث الأمنية المتنقلة بين طرابلس وصيدا والبقاع لا تعكس فقط انقسامات سياسية، بل هي في جوهرها انفجارات للإحتقان الإجتماعي والإقتصادي التي تعاني منه معظم الطبقات المقصية، من شباب ولاجئين وفقراء. وهل نسي اللبنانيون اللاجئين الفلسطينيين، الذين بدل أن يعطوا حقوقهم الإنسانية ليساهموا بفاعلية في المجتمع تم التعامل معهم بمنطق أمني عنصري، ساهم في اقصائهم وجعلهم فريسة سهلة للتطرف والعنف. هل يريد اللبنانيون أن يعامل السوريون اليوم بالطريقة نفسها؟ هل ذاكرتهم قصيرة إلى هذا الحد؟
تفاقم أعداد الفقراء في لبنان، مهما كانت جنسياتهم، يشكل الخطر الحقيقي على الكيان اللبناني. ومع الفقر لا ينفع نأي بالنفس، أو إصلاحات ليبرالية، أو إنتظار إشارات من أصدقاء وحلفاء. حان الوقت لسياسة تنموية شاملة ترفع من مستوى الخدمات ومقومات العيش الكريم خصوصاً في المناطق المحرومة، من كهرباء ومدارس ومستشفيات وفرص عمل، يستفيد منها كل المقيمين. حان الوقت لسياسة شراكة كاملة مع السوريين، ترسم أفق السلام والاستقرار والتكامل بين البلدين. أي كلام آخر الآن عن تعثر تشكيل حكومة أو نأي بالنفس هو بالحد الأدنى تواطؤ على تفقير المواطنين في لبنان كما في سوريا. فلن يبقى شيء، يا من تدعون زعاماتنا - لتحكموه أو لتستفيدوا منه، لا في لبنان ولا في سوريا!
 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب