السبت 2013/06/08

آخر تحديث: 21:30 (بيروت)

الليرة اللبنانية في خطر؟

السبت 2013/06/08
increase حجم الخط decrease
  يكثر الحديث كلما تدهورت الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد عن خطر هذه الأحداث على النظام المالي اللبناني، و يطرح الناس مجدداً اسئلة أساسية: هل هناك خطر إنهيار نقدي في البلاد؟ هل يمكن أن تفقد الليرة اللبنانية جزءًا من قوتها الشرائية؟ هل نبقي على حساباتنا التوفيرية بالليرة أو نحولها إلى الدولار؟ من يقرأ ويسمع تصريحات القيمين على القطاع المالي والمصرفي في البلاد يشعر بالطمأنينة. سوق القطع مستقرة ومصرف لبنان بالكاد يتدخل في العرض والطلب على العملات الأجنبية. موجودات المصرف المركزي من العملات الأجنبية ارتفعت إلى أعلى مستوياتها التاريخية، متخطية ال-٣٦ مليار دولار أميركي. الودائع لدى المصارف اللبنانية ارتفعت خلال الأشهر الأخيرة، مما ينفي خروج أموال من البلاد أو تأثر المصارف المحلية بقوانين الحظر الدولية. إذن كل شيء على ما يرام، ولا داعي للقلق. ولكن الأوضاع الفعلية أكثر تعقيداً.
لفهم المخاطر المحتملة على النظام النقدي ينبغي علينا الإجابة على بعض الأسئلة الأساسية: أولاً، ما أهمية ثبات سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، وخصوصاً الدولار؟ ثانياً، كيف يمكن لليرة أن تفقد قيمتها؟ و ثالثاً، ما دور الحكومة و مصرف لبنان والقطاع المصرفي المحلي في دعم النقد؟
 
أهمية ثبات سعر صرف الليرة
لبنان بلد يستورد أكثر من ٨٠٪ من حاجاته الاستهلاكية. بغياب الإنتاج المحلي الكافي، ينبغي علينا تأمين عملات أجنبية لندفع ثمن البضائع والخدمات التي نستوردها. هذه العملات نشتريها بالليرة اللبنانية، أو نحصل عليها من خلال تصدير بضائعنا وخدماتنا (السياحة مثلاً تدخل عملات أجنبية عبر الزوار الأجانب)، أو عبر تحويلات مالية من عملات أجنبية إلى لبنان (قروض للدولة، استثمارات، تحويلات مصرفية). إذا تدهورت قيمة الليرة أمام الدولار مثلاً، سوف نجد أنفسنا ندفع قيمة أغلى للبضائع المستوردة. في بلد تعتمد رفاهيته على الإستهلاك الأجنبي، يصبح سعر الصرف مكوناً إقتصادياً أساسياً، خصوصاً أن معظم المداخيل والأجور تدفع بالليرة.
 
كيف يمكن لليرة أن تفقد قيمتها؟
يمكن أن يتغير سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية بشكل أساسي إذا تغيرت ظروف العرض والطلب في أسواق القطع. مثلاً إنخفاض أعداد السياح وتراجع الصادرات (مثلما يحدث الآن نظراً للأوضاع الأمنية المحلية والإقليمية) يولد نقصاً في العملات الأجنبية. كما يمكن للموجودات المصرفية بالعملات الأجنبية أن تنخفض إذا قرر المودعون سحب أموالهم من البلاد. ينتج عن هذا ضغط على قيمة الليرة، خصوصاً في حالة إرتفاع الواردات والحاجة إلى شراء عملات أجنبية. تنخفض إذاً قيمة العملة المحلية في حالة شح العملات الأجنبية وإزدياد الطلب عليها، إلا في حال تدخل طرف ثالث في سوق القطع. هنا تكمن أهمية مصرف لبنان، الذي يتدخل بائعاً عملات أجنبية بحوزته، بغية الحفاظ على سعر متدن لتلك العملات أمام الليرة. غداة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في ٢٠٠٥ مثلاً خسر المصرف المركزي ١٫٥ مليار دولار عندما تدخل في سوق القطع لحماية الليرة. قدرة تدخل مصرف لبنان في سوق القطع تعتمد إذاً على موجوداته من العملات الأجنبية، التي ارتفعت بشكل ملحوظ في العقدين الأخيرين. ولكن من أين لنا كل هذه العملات؟ هنا ننتقل إلى سؤالنا الثالث. 
دور الحكومة و مصرف لبنان والقطاع المصرفي المحلي 
موجودات مصرف لبنان تعتمد بشكل أساسي على ايداعات المصارف اللبنانية، التي يجبرها القانون على وضع جزء من موجوداتها لدى المصرف المركزي. لذا كلما ارتفعت موجودات المصارف يحصل تلقائياً مصرف لبنان على جزء منها. موجودات القطاع المصرفي اللبناني تزيد حاليا على ١٦٥ مليار دولار، أي ما يوازي ٣.٥ مرات الناتج المحلي الإجمالي للبنان. ما هو مصدر كل هذه الأموال؟ ولماذا ترتفع الإيداعات في البنوك اللبنانية بالرغم من الوضع الأمني السيء؟ حسب دراسات لصندوق النقد الدولي، تتركز الودائع في لبنان بأيدي حفنة صغيرة من الأثرياء الذين هم بمعظمهم إما لبنانيون مغتربون، خصوصاً في بلدان الخليج العربي، أو زعماء محليون وعائلاتهم الذين يمسكون بمختلف القطاعات الإقتصادية والمالية في البلاد. يستفيد الذين يحولون أموالهم إلى لبنان من السرية المصرفية، ومن معدلات فوائد مرتفعة خصوصاً على الليرة. إذاً للحفاظ على تدفق الأموال إلى البلاد كان علينا أولاً أن نثبت سعر صرف الليرة (ليتسنى للمودعين الاستثمار بالليرة وتحويل ارباحهم دون خسارة إلى الدولار)، وأن نؤمن فوائد عالية لجذب هذه الأموال. والطريقة الوحيدة التي يتسنى من خلالها للمصارف دفع فوائد مرتفعة تكون في حالة حصولها هي على مداخيل وفوائد مدينة عالية. هنا دور حكومتنا العتيدة، التي من خلال سندات الخزينة و الفوائد المرتفعة على ألدين العام شكلت منجم ذهب لا ينبض للمصارف. 
إذاً المعادلة سهلة: طالما هناك عجز في خزينة الدولة وحاجة إلى الإستدانة، طالما بقيت فوائد سندات الخزينة مرتفعة لجذب المستثمرين. وبما أن المصارف اللبنانية (بالتنسيق مع مصرف لبنان) هي المستثمر الأول في هذه السندات، فهي تضمن لنفسها مداخيل مرتفعة على حساب مالية الدولة. هذا يسمح للمصارف بدورها بعرض فوائد مرتفعة على الإيداعات، التي تغذي موجوداتنا النقدية، ولكنها في الوقت ذاته تزيد ثراء الزمرة المسيطرة على ثروات البلاد. 
 الليرة بخير طالما هنالك دين عام. معادلة بسيطة. المواطن مرتاح، الزعيم يغتني، واولادنا سوف يدفعون الثمن. لكننا طبعاً لن نتمكن من الإستدانة إلى الأبد.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب