الجمعة 2013/06/28

آخر تحديث: 05:45 (بيروت)

لكن أين الدولة؟

الجمعة 2013/06/28
increase حجم الخط decrease
يسأل العديد من اللبنانيين مؤخراً، مع إشتداد الأوضاع الأمنية والإقتصادية سوءاً، "أين هي الدولة؟". فعلاً، أين هي الدولة؟ أين التنمية المحلية وفرص العمل التي تنتشل الشباب من شوارع الاقتتال العبثي؟ أين الخدمات العامة التي ترفع عن الناس همومهم اليومية؟ الجواب ليس صعباً: لدينا قطاع عام يعمل حالياً بثلث طاقته فقط، إذ تعاني الإدارة العامة من شغور في ملاك موظفيها يصل إلى ٧٠٪، وما بقي منهم يتراوح معدل أعمارهم بين ٤٧ و٥٨ عاماً. هذا الشغور يعطل أجهزة الدولة ويطلق العنان لزعماء الكارتيل الحاكم، الذي ينخر فساداً في حياة اللبنانيين، عبر جمعياته ومؤسساته وحلفائه في الداخل والخارج. الكارتيل نفسه يمنع التعيينات، متلطياً خلف المحاصصة الطائفية، ومدعياً في الوقت ذاته إنه يريد بناء الدولة!
عدد المراكز الشاغرة في الدولة حسب مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية يبلغ 15344 وظيفة، من أصل 22029 وظيفة ملحوظة في الملاك الإداري العام، أي أن هناك 6685 وظيفة مشغولة فقط. في الفئة الأولى (مثل المديرين العامين والقادة الأمنيين والمحافظين)، هناك 61 وظيفة شاغرة من أصل 149، معظمها وظائف أساسية في القطاع العام مثل: محافظو بيروت، جبل لبنان، الجنوب، عكار وبعلبك - الهرمل، والمدراء العامون في وزارات الشؤون الاجتماعية، الأشغال، الاقتصاد، الزراعة، الاتصالات، العمل، الطاقة، المهجرين والصناعة.
التوظيف في ملاك الدولة من صلاحية مجلس الخدمة المدنية والوزارات المختصة، باستثناء موظفي الفئة الأولى الذين يعينهم مجلس الوزراء، بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين والتوزيع النسبي داخل كل طائفة، فيتم التوزيع على الشكل التالي: 69 للمسيحيين، موزعة على الموارنة في 44 منصباً، و11 منصباً للاورثوذكس، و11 للكاثوليك و3 للأرمن. أما المسلمون، فلهم 73 وظيفة، 30 منها للسنة، 32 للشيعة، 10 وظائف للدروز، ومنصب للعلويين، و7 وظائف مستحدثة غير محددة الطائفة. وعلى الرغم من إعتماد مجالس الوزراء المتعاقبة لآليات للتعيينات تستند إلى معياري الكفاءة والنزاهة، بقي القطاع العام ضحية المحاصصة والمحسوبية. هذا طبعاً ليس سراً، إذ يجاهر الزعماء السياسيون علانيةً بإستراتيجية إقتطاع "الغنائم" من وزارات و مناصب.
مثلاً في العام ٢٠٠٥ عيّنت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة قادة للأجهزة الأمنية. عندها صرح الرئيس نبيه بري  "في حال طلبت الكفاية لن أطلب لنفسي حصصاً بل نقرر التعيينات وفق نبذات شخصية ومهنية للمرشحين وكفايتهم من ضمن سلة التعيينات، أو حتى اذا أرادوا مداورة فيها لا مشكلة عندي. ولكن بالتأكيد لن أدع تعيينات الحصص تمر من دون ان أكون شريكاً أساسياً فيها". قبلها في العام 1992 عقد اجتماع بين رؤساء "الترويكا" حينها الياس الهراوي، رفيق الحريري ونبيه بري لإقرار التعيينات في الفئة الاولى بعدما كان الثلاثة اتفقوا على سلتهم الطائفية. أحضر بري إلى هذا الاجتماع قصاصة ورق صغيرة في جيبه، وقال للرئيسين: "لدي فيها أربعة أسماء شيعة. فاذا كانت التعيينات وفق معايير الكفاية فسأمزقها فوراً وإلا فاني أريد الأسماء الأربعة. فإما ان تكون التعيينات عملاً بمبدأ الكفاية او ع السكين يا بطيخ". 
جمهورية موز، بطيخ، لا فارق. المهم أن يتمكن الجميع من الحصول على "شقفته"..
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب