الأحد 2013/06/02

آخر تحديث: 06:07 (بيروت)

ديدان العلق

الأحد 2013/06/02
increase حجم الخط decrease
تمديد النواب اللبنانيين لأنفسهم يفضح مرة جديدة إلى العلن سيطرة كارتيل زعماء الطوائف على الحكم في لبنان. خلف مسرحيات الإجتماعات لبحث قوانين الإنتخاب، وجلسات مجلس الوزراء المضحكة - المبكية حول إقرار هيئات إشراف وموازنات إنتخابية، كشف "زعماؤنا" عن عوراتهم وباتوا لا يخجلون من حقيقتهم. حقيقة أنهم ديدان علق لم تشبع حتى اليوم من إمتصاص دماء اللبنانيين وتفريغ دولتهم من جميع مقوماتها السياسية والإقتصادية.
 يعرف القاموس العلق على أنه "دود أَسودُ يَمتص الدمَ ويكون فى الماء الآسن". زعماؤنا، نوابنا، وزراؤنا، وجزء من قضاتنا يمكن ادراجهم بسهولة تحت هذا التعريف. فهم كالعلق بوجوههم السوداء يلتصقون بكراسيهم، يمتصون بفسادهم أموال الناس، ويتكاثرون في مياه المذهبية الآسنة. من المعروف أيضاً أن لدودة العلق فوائد طبية، حيث تمتص الدم الفاسد من الجسم فيشفي المريض. هنا تختلف "ديداننا" المحلية، فهي تمتص كل الدماء الجيدة، من مبادرات ومشاريع قوانين ومحاولات إصلاح سياسية وإقتصادية، لتحافظ على أمراض الطائفية والإقصاء الإجتماعي التي لا يمكنها العيش من دونها.  
المضحك في هذا الموضوع أن من يسمون أنفسهم "هيئات إقتصادية" في لبنان ينأون بأنفسهم عن "السياسيين"، وينادون بفصل الإقتصاد عن السياسة. كأنهم هم حمامات السلام البيضاء التي لا تمت إلى الدود بصلة. ما هذه الكذبة السوداء؟ كم من زعماء هيئاتكم هو رئيس وزراء، أو وزير، أو نائب، أو من أقارب هؤلاء؟ كم منكم يدخل حسابه يومياً ملايين الدولارات من فوائد تجنى على حساب ديون اللبنانيين؟ من منكم يرضى بإلغاء وكالاتكم الحصرية وإقرار قانون التنافسية، الذين عرقلتموه أنتم في مجلس النواب؟ من منكم لم يستفد من إعفاءات و تخفيضات ضريبية سمحت لكم بالتهرب بمليارات الدولارات على حساب الخزينة العامة؟ كم من منتجعاتكم مبنية على أملاك الدولة، تديروها كالغيتوات الطبقية دون حسيب أو رقيب؟ من منكم لم يستفد من قوانين العمل المجحفة و العنصرية ليشغل عمالاً لبنانيين واجانب بأبخس الأجور ومن دون أي ضمانات؟  
لا تحتاج "الهيئات الإقتصادية" إلى تذكيرها أن الإقتصاد والسياسة واحد. فأصدقاء تلك الهيئات في المنظمات الدولية ما برحوا يرددون أمامها عن أهمية "الحكم الصالح" في التنمية الإقتصادية. حكم صالح يرتكز على المساءلة، التي تنبع من مفهوم التمثيل الشعبي. التمثيل، في مفهومه المتعلق بإدارة الحكم، يعني أن من اختيروا للحكم بإسم الشعب خاضعون للمساءلة من قبل الشعب على فشلهم. وهذا عادة يتم عبر صناديق الإقتراع التي تحدد من هم ممثلو الشعب الشرعيين، والتي تعاقب سياسات على حساب أخرى. ألم يكتب خبراء البنك الدولي في أحد تقاريرهم عن هذا الموضوع: "إن تحدي إدارة الحكم لا يكمن في إختيار القادة المناسبين أو في إرساء السياسات الإقتصادية والإجتماعية المناسبة"، على الرغم من أهمية هذه الأمور. إن التحدي يكمن في ضمان أن عمليات إختيار وتغيير أو تجديد ولاية القادة، ورسم ومناقشة وإرساء وتقرير وتنفيذ السياسات ستؤمن فرصة لجميع أفراد الشعب للتعبير عن خياراتهم ووضع الحكومات تحت المسؤولية للعمل لصالحهم. الحكم الجيد لا يضمن بحد ذاته نتائج جيدة من حيث القادة والسياسات، لكنه شرط لا غنى عنه لمنع إستمرارية النتائج المخيبة و السياسات غير الفعالة".
"الهيئات الإقتصادية" أمام إمتحان هام الآن: إما أن تثبت للبنانيين أنها فعلاً تريد دولة قادرة وحكماًّ صالحاً عبر الضغط لإعادة الإعتبار لعملية تناقل السلطات ومجابهة التمديد، وإما أن تسقط مجدداً في مستنقعات التاريخ الآسنة، حيث سوف تختلط هناك مع أصدقائها من الديدان السوداء.   
 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب